جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / أرزّ مسرطن!
IMG-20240306-WA0036

أرزّ مسرطن!

 
خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبه

ليس جديداً على الأسواق اللبنانية أن تستقبل أرزّاً مسرطناً، أو قمحاً غير صالح للبشر، أو أسمدة ولحوم وأسماك فاسدة:كلّ شيء مباح، برّاً وبحراً وجوّاً، في هذا البلد المفكّك الضعيف الذي ينخره الفساد، من أعلى سلطة رسميّة، إلى أدنى موظّف أو مواطن يمكن أن تُتاح له الفرصة للعبث بالغذاء والدواء وكلّ ما يُباع ويُشرى بلا حسيب أو رقيب..خاصة عندما نعلم – على سبيل المثال لا الحصر – أنّ كبير المستشارين في وزارة الإقتصاد يقبع في السجن مع شقيقه بتهمة تلقّي الرشوات، وأنّ الوزير المعنيّ أمين سلام يسعى ليلاً نهاراً، وبكلّ ما أوتي من سلطة ونفوذ، لفكّ أسره حتّى لا تطاله التهمة، وهي بمئات آلاف الدولارات الفريش!
الطريف في الحكاية المضحكة – المبكية الأخيرة أنّ المختبرات الرسمية قد كشفت على حمولة 20 ألف طن من الأرز المستورد لصالح إحدى الشركات، وقد صدرت النتيجة المخبريّة بأنّ هذه الشحنة تحتوي على نسبة عالية من المواد المسرطنة، وبالتالي يُمنع بيعها واستهلاكها في الأسواق اللبنانية..فما الذي حصل؟
أُدخلت البضاعة الى مستودعات التاجر المستورد، ولم يُحجز عليها بالشمع الأحمر كما يفترض، فما كان من الشركة إلّا أن وزّعتها على محلّات البيع كالمعتاد، وقد استهلكها ألاف اللبنانيين دون أن يدروا أنّهم لآكلون وشاربون هذا السمّ مع كلّ طبخة..وهنا تتناسل الأسئلة غير البريئة:
كيف سمحت الجمارك بتسليم التاجر كامل الحمولة بدل إجباره على إعادة تصديرها من حيث أتى بها، أو أقلّه حجزها في عنابر المرفأ الذي استقبل ذات مرّة الأمونياك الذي فجّر قلب بيروت؟
وبما أنّ التاجر على علم يقين بما استورد، لأنّه بالتأكيد قد اشتراها بسعر أقلّ بكثير من السعر العالمي المتداول ليبيعها بالسعر الطبيعي المتداول في لبنان كأرزّ مستوفي الشروط الصحية، هل كان ليستورد هذه البضاعة المضروبة لولا علمه بأنّه قادر على إدخالها المرفأ، وقادر على تجاوز عقبة الجمارك وتحليل المختبر، وقادر على عدم قيام المعنيين بختم مستودعاته، أي باختصار قادر على “سرطنتنا” دون أن يرفّ له، أو لأحد من الشبكة الرسمية المتسلسلة الفاسدة، أيّ جفن أو ضمير؟
كُشفت الجريمة بعد فوات الأوان، أي بعد التصرّف بكامل المخزون.وربّما دخلت كميّات أخرى من الأرز أو غير الأرز..فهل من قضاء قد تحرّك، أو هل من وزارة معنيّة قد بادرت لطمأنة الرأي العام بأنّ ما أكلناه قد أكلناه، ولكن هناك مَن سيقتصّ من الفاعل، وهناك مَن سيُحاسَب، حتى لا يجرؤ الآخرون على تسميمنا رويداً رويداً؟ التحقيقات – كما ورد في بعض الإعلام – لم تتوصّل الى نتيجة:كلّ طرف في السلسلة المترابطة يرمي تهمة التقصير (والمشاركة في الجريمة الموصوفة) على الطرف الأخر، حيث تضيع الطاسة، ويضيع الفاعلون..بانتظار باخرة جديدة تحمل لنا ما ترفضه أسواق الدول الأخرى، ما يحوّلنا إلى “مزبلة العالم” ليس إلّا!
وما ينطبق على مرفأ بيروت، ينطبق على مطار بيروت من فلتان وفوضى وتمريرات مقابل عمولات ورشاوى، كما ينطبق على مرفأ طرابلس الذي تتحكّم برصيفه وعنابره ومستودعاته ومستوعباته عدّة مجموعات (لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة)، ما يجعله مفتوحاً على كلّ الإحتمالات..ولعلّ ما جرى مؤخّراً في مسألة “تأجير سكّة الحديد” لإحدى هذه المجموعات هو أكبر دليل على مدى الهريان الذي يطال جميع المؤسّسات دون إستثناء، وهو الدليل على أنّنا لا بدّ من أن نأكل ونأكل كلّ ما هو “مسرطن” مثنّى وثلاث ورباع!