Lebanon On Time _
في وقت يتنامى فيه القلق داخل الأوساط المسيحية من تراجع الحضور في مؤسسات الدولة، جاء قرار مجلس الوزراء بإقالة محافظ الشمال رمزي نهرا ليضيف حلقة جديدة إلى سلسلة من الخطوات التي تُفسَّر على نطاق واسع بأنها تهميش منهجي للمسيحيين في المواقع الإدارية.
القرار، الذي أُقرّ في جلسة حكومية ترأسها رئيس الجمهورية، أثار تساؤلات حول خلفياته وتوقيته، خصوصًا في ظل التجاوزات التي شهدتها الانتخابات البلدية الأخيرة في طرابلس. ورغم أن نهرا لم يُسجَّل عليه أي تجاوز إداري طوال فترة خدمته، إلا أن مصادر متابعة تشير إلى أن قربه من العهد السابق كان كافيًا للإطاحة به، ضمن نهج تصفية حسابات سياسية يتغلّف بغلاف إداري.
وتُفيد المعلومات بأن وزير الداخلية محمد الحجار تولى إدارة الانتخابات البلدية في طرابلس عبر تكليف ضباط من قوى الأمن الداخلي، متجاوزًا الفريق الإداري المختص في الوزارة، وعلى رأسه المديرة العامة للشؤون السياسية فاتن يونس، التي تم تهميش دورها من دون أي تبرير واضح. وقد أوكلت مهام الإشراف للرائد رواد طعمه، في حين غابت الجهوزية التنظيمية، ما أدى إلى فوضى في العملية الانتخابية.
من أبرز مظاهر الخلل، كان غياب عدد من الأساتذة المكلفين بإدارة مراكز الاقتراع بسبب ضعف البدل المالي، في وقت لم يُعيَّن بدلاء عنهم، ما اضطر الوزارة إلى الاستعانة بعناصر من قوى الأمن والأمن العام غير المدرَّبين على الإجراءات الانتخابية، وهو ما انعكس ارتباكًا وشكاوى متكررة في مراكز الاقتراع والفرز.
ورغم كل هذه المخالفات التنظيمية، لم تفتح الوزارة تحقيقًا جديًا لتحديد المسؤوليات، بل اتجهت لإقالة المحافظ نهرا، في خطوة فسّرها كثيرون على أنها محاولة لصرف الأنظار عن الفشل في إدارة الانتخابات، وتحويل الأنظار إلى كبش فداء إداري.
مصادر مطلعة كشفت أن طلب بقاء نهرا في منزله “حفاظًا على أمنه” جاء في الواقع بهدف منعه من كشف تفاصيل الإخفاق الانتخابي، وسط أنباء عن محاولات تطويق أي تسريبات تتعلّق بما جرى خلف الكواليس.
وما زاد من وقع القرار، أن بديل نهرا جاء من طائفة غير مسيحية، في وقت أفرزت فيه الانتخابات مجلسًا بلديًا يخلو من التمثيل المسيحي، ما عمّق الشعور بالتهميش لدى أبناء الطائفة في طرابلس. وبذلك، تتكرّس ثلاثية الإقصاء في أقل من أسبوع: إقالة محافظ مسيحي، تغييب كامل للمسيحيين عن المجلس البلدي، وتعيينات في الطيران المدني استبعدت المسيحيين لصالح مرشحين من طوائف أخرى، في تجاوز واضح للتوازن الطائفي.
وفي ظل هذا المشهد، تُطرح أسئلة ملحّة عن دور القوى المسيحية في الحكومة، وعلى رأسها “الجمهورية القوية”، التي لم تحرّك ساكنًا إزاء هذا التراجع المتسارع، واكتفت بالصمت، رغم ما يحمله من دلالات خطيرة على مستوى الشراكة الوطنية.