وبحسب ما نقلت وكالة “بلومبرغ”، فإن لا أحد في إيران يسدي لرئيس البلاد، حسن روحاني، النصيحة التي تكفل إخراج البلاد من المأزق الذي تفاقم بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم سنة 2015.

ورغم دعوات المرشد علي خامنئي “الظاهرية” إلى محاربة الفساد وانتقاد عدد مهم من البرلمانيين لسياسة الرئيس الاقتصادية، لا يبدو في الأفق ما يبدد المخاوف إزاء الغضب المستعر في الشارع.

وشهدت إيران في الأسابيع الأخيرة مشكلات غير مسبوقة؛ مثل ارتفاع درجة الحرارة وانقطاع الكهرباء ونقص المياه فيما ناهز ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية 50 بالمئة، مما أدى إلى احتجاجات أوقعت على سبيل المثال قتيلا واحدا فيما اعتقل عشرون آخرون في مدينة كاراج، غربي البلاد.

وتقول “بلومبرغ” إن الغضب الاجتماعي في إيران سيزداد حدة في المستقبل، بعدما فرضت الإدارة الأميركية عقوبات اقتصادية تمنع إيران من شراء الدولار والذهب والمعادن والسيارات، فيما فقد الريال الإيراني سبعين بالمئة من قيمته منذ ماي الماضي.

وحاولت الحكومة الإيرانية أن تحل أزمة الريال من خلال تثبيت سعر العملة عند مستوى معين أمام الدولار مما عاد بنتائج عكسية وأدى إلى مزيد من التقهقر أمام الدولار، لكن العقوبات الأقسى ستبدأ في نوفمبر المقبل حين تبدأ القيود الأميركية على صناعة النفط الإيرانية، التي تعد عصب الحياة لاقتصاد إيران.

وتسعى الولايات المتحدة إلى ممارسة الضغط على إيران من خلال العقوبات الاقتصادية حتى تجلس طهران إلى الطاولة وتقبل التفاوض بشأن الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب واعتبره غير كاف لردع إيران وبرنامج تسلحها المثير للقلق والاضطرابات في الشرق الأوسط.

روحاني بين كماشتين

وكان روحاني فاز بولاية رئاسية ثانية بعدما قدم نفسه للإيرانيين بمثابة خيار وجيه بالنظر إلى توقيعه اتفاقا مع الغرب وتعهده بجلب استثمارات أجنبية تخفف عبء السنوات الطويلة للعزلة التي أحاطت بإيران من جراء برنامجها النووي.

وبعد 3 أعوام فقط على توقيع الاتفاق، يجد روحاني نفسه مضطرا لشرح ما حصل بعدما تبددت الآمال التي جرى تعليقها على الاتفاق النووي، فيما كان المتفائلون يعتقدون أن الصفقة ستكون مفيدة لإيران.

لكن الرئيس الذي يوصف بـ”الإصلاحي” لم يقدم الجواب، فخلال لقاء تلفزيوني بث مؤخرا اكتفى بدعوة الولايات المتحدة إلى تخفيف العقوبات قبل القبول بالتحاور معها.

ويرى مراقبون أن روحاني لم يتعامل مع الأزمة الخطيرة باستراتيجية منسجمة بل اكتفى بإصدار ردود الفعل، ويرى الباحث الاقتصادي، سعيد ليلاز، أن على الحكومة الإيرانية أن تنتبه إلى أن الشعب قد فقد ثقته في السياسيين سواء كانوا باللحى أو بربطات العنف.

ومن مأزق روحاني، أنه يجد نفسه بين كماشتين، فهو يخضع لضغوط رجال الدين المحافظين من جهة بسبب توقيعه الاتفاق النووي الذي كان رهانا اقتصاديا مهما، وفي الوقت نفسه يتلقى انتقادات من الشعب لأنه لم ينفذ إصلاحات سياسية واقتصادية كبيرة، حين كان الاتفاق النووي ساريا طيلة عامين.

ورغم حدوث ارتفاع في صادرات النفط الإيرانية بعد الصفقة التاريخية، لم يستطع هذا الانتعاش أن يوجد الوظائف التي يحتاجها شعب تقل أعمار 60 بالمئة من أبنائه عن 30 عاما.

وحسب استطلاع للرأي أجري لفائدة مركز الدراسات الدولية والأمنية التابع لجامعة ماريلاند، فإن 58 بالمئة من الإيرانيين يعتقدون أن الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءًا فيما كانت هذه النسبة في حدود 28.5 بالمئة سنة 2015؛ أي بعد شهر من توقيع الاتفاق، وحين كانت “الآمال” لا تزال في ذروته.

ويرى الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ببريطانيا، إنيش بسيري تبريزي، أن روحاني سيظل في منصبه إلى حين انتهاء ولايته، لأن الكل يدرك أنه لا وجود لبديل آخر في البلاد، لاسيما أن المرشح المنافس له في الانتخابات الأخيرة خسر السباق بشكل “قاس”.

ويرجح الباحث في مركز “أتلانتك كونسل” للدراسات، أمير هندجاني، أن الأزمة الحالية للاقتصاد الإيراني قد تفضي إلى تقوية روحاني داخليا، لأن النقاش الداخلي في الوقت الحالي لا يركز حول ما إذا كان الرئيس إصلاحيا أو محافظا، وإنما ينظر في سبيل معالجة الأزمة المتفاقمة وما تنذر به من مخاطر كبرى على المستوى القريب.

لكن ما حصل كان متوقعا منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض، حسب بلومبرغ، أما الرهان على دعم باقي الموقعين على الاتفاق فلم يكن رهانا صائبا، فمع تلويح ترامب بمعاقبة الشركات التي تتعامل مع إيران، أعلن الكثير منها وقف الأنشطة في الدولة “المنبوذة”، وهذا مفهوم أيضا على اعتبار أن شركات كبرى مثل “توتال” و”بيجو” لن تفضل إيران على أكبر اقتصاد في العالم.