جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / الترسيم البحري: “إنجاز” التنازل عن الحقوق!
8491136_1557414437

الترسيم البحري: “إنجاز” التنازل عن الحقوق!

 

محمد عبيد
وقائع الإتصالات وجلسات التفاوض (1)

هل سيجرؤ رئيس الجمهورية ميشال عون على مصارحة اللبنانيين حول الأسباب الفعلية التي دفعته الى التنازل عن حقوق لبنان القانونية في الخط 29 والاكتفاء بتحديد مطالب الدولة اللبنانية بالخط 23؟

سؤال لن يلغيه فولكلور الاحتفال بما سُمي «الإنجاز» بالترسيم المنقوص لحدود لبنان البحرية وفق الخط 23، ولن يسقط من خطاب العارفين والمهتمين من اللبنانيين المخلصين بخفايا الاتصالات والتحركات التي قادت الى تحقيق هذا «التنازل التاريخي» للعدو الإسرائيلي، على الرغم من حملات التضليل الإعلامي التي قادتها دوائر العهد لتصويره على أنه إنجاز.

على أي حال سأسرد في بضعة مقالات يومية بعض الوقائع الموثّقة التي سبقت ورافقت جلسات التفاوض غير المباشر، إضافة الى بعض الحوارات التي دارت في تلك الجلسات كي يتيقن الرأي العام من مصداقية جميع العارفين والمهتمين الذين كانوا وما زالوا يتمسكون بحق لبنان في الخط 29، وليتأكد اللبنانيون من أن ما قام به المسؤولون في الدولة يُعَدُّ تنازلاً تاريخياً لصالح العدو ونتيجة للتهديدات المبطنة التي ساقها أكثر من مرجع أميركي لهم خلال زياراته واتصالاته بهؤلاء المسؤولين.

كذلك ستثبت هذه الوقائع إضافة الى الاتصالات والحوارات التي جرت مع الوسيط المعتمد أنه بمجرد أن لمس الأميركي صلابة موقف الوفد اللبناني المدعّم بدراسة قيادة الجيش حول أحقية الخط 29 وقانونيته، قرر العمل على وقف المفاوضات ونقل الملف الى السلطة السياسية التي تلقّفت هذا التوجه وعملت على الاستثمار فيه، درءاً للغضب الأميركي وسعياً الى تحقيق مكاسب سياسية شخصية على حساب حقوق لبنان في ثرواته من الغاز والنفط.

ومن هذه الوقائع على سبيل المثال أنه بتاريخ 14/6/2021 حصل اجتماع بين الوفد المفاوض والوسيط الأميركي السفير جون دي روشيه بناء على طلب الأخير الذي فاجأ الوفد بقوله: «إن الوفد العسكري التقني قد أدى واجبه في الدفاع عن موقف بلاده من الترسيم من الناحيتين القانونية والتقنية، وقد حان الوقت لنقل الملف الى السلطة السياسية بغية الحصول على تنازلات وحلّ القضية، وأنه لا جدوى من مواصلة جلسات التفاوض التقني في الناقورة».

والواقع أنه لولا دخول المقاومة على خط الترسيم وقيام قادتها وفي مقدمهم أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله بتهديد العدو خطابياً وعملياً، ولولا خوف مسؤولي الدولة من مفاعيل هذا التهديد لجهة سقوط هذه الورقة من بين أيديهم، ولولا قناعة الأميركي أن المقاومة جادة في تنفيذ تهديداتها حتى لو أدت الى قيام حرب مع كيان العدو، لما كان لملف الترسيم أن يشهد هذه النهايات الملتبسة والتي أفقدت لبنان جزءاً كبيراً من ثروته المكتسبة وفقاً للقانون الدولي بين الخطين 23 و29.

تحضيرات التفاوض غير المباشر

في 1/10/2020 أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري ما سُمي بـ»اتفاق الإطار»، وهو إعلان أميركي من 6 نقاط أبدت فيه واشنطن استعدادها للعب دور الوسيط بين لبنان وإسرائيل في عملية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.

رحب رئيس الجمهورية ميشال عون بالإعلان الأميركي وقرر إسناد مهمة التفاوض غير المباشر مع الكيان الإسرائيلي الى وفد عسكري/تقني، برئاسة نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن الطيار بسام ياسين وعضوية العقيد الركن البحري مازن بصبوص، ومسؤول قسم الجيولوجيا في هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط والخبير في القانون الدولي لترسيم الحدود نجيب مسيحي.

في 10/10/2020 وإنفاذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية ميشال عون، اجتمع قائد الجيش جوزيف عون مع الوفد المكلف وأعطى توجيهاته ببدء التفاوض على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً التي نصت عليها اتفاقية بوليه/كومب عام 1923 والممتد بحراً، إستناداً الى تقنية خط الوسط دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، وفقاً لدراسة أعدتها قيادة الجيش اللبنانية على أساس القانون الدولي.

في 13/10/2020 كرر رئيس الجمهورية التوجيهات نفسها للوفد المفاوض معرباً عن أمله في أن يتم التوصل الى حل منصف يحمي الحقوق السيادية للشعب اللبناني.
وفّرت توجيهات رئيس الجمهورية وقائد الجيش الشرطين الأساسيين لنجاح أي عملية تفاوض في مجال ترسيم الحدود البحرية خصوصاً مع كيانٍ عدو، وهما:

أولاً، اعتماد موقف مستند الى أحكام القانون الدولي يمكن الدفاع عنه بمصداقية وحرفية أمام الطرف الآخر والوسيط والأمم المتحدة من جهة، وثانياً، المطالبة بالحد الأقصى القانوني بغية تأمين أقوى وضعية تفاوضية وبذلك تحسين شروط الحل النهائي من جهة أخرى.

فالخط 29 الذي وضعته دراسة قيادة الجيش ينسجم تماماً مع قواعد القانون الدولي الذي نصّ على انطلاق خط الترسيم البحري من نقطة التقاء الحدود البرية مع الساحل. وهي قواعد لم يتم الأخذ بها في الترسيم الذي يتم الترويج له، ذلك أن الخط 23 ينطلق من نقطة في عمق البحر بما يخالف قواعد القانون الدولي!

وهنا تجدر الإشارة الى أن الخط 23 يكتفي بإعطاء لبنان مساحة بحرية تبلغ 860 كلم² جنوب الخط 1 المعتمد من قبل العدو الإسرائيلي، في حين أن القانون الدولي يسمح للبنان عن طريق الخط 29 بالمطالبة بمساحة بحرية إضافية تبلغ 1430 كلم² مما يوسّع من هامش لبنان التفاوضي ويؤمّن له موقعاً متقدماً في عملية الترسيم.

إنّ توجيهات رئيس الجمهورية ببدء التفاوض على أساس الخط 29 كانت ضرورية لتقوية الموقف اللبناني وتمتينه، غير أنّها أتت منقوصة إذ تمّ الإبقاء على الخط 23 وإحداثياته في سجلات الأمانة العامة للأمم المتحدة. فأصبح للبنان بفعل ذلك موقفان: موقف رسمي متمثل بالخط 23 وفقاً للمرسوم 6433/2011، وموقف تفاوضي هو الخط 29، وكانت الخشية كبيرة لدى الوفد المفاوض من أن يشكّل عدم التطابق والانسجام بين هذين الموقفين نقطة ضعف يستفيد منها العدو الإسرائيلي في عملية التفاوض.

جلسات التفاوض

جلسة التفاوض الأولى: تاريخ 14/10/2020 انطلقت المفاوضات وكانت الجلسة الأولى بروتوكولية تمّ خلالها التعرف على الوفدين الأممي والأميركي، وإلقاء كلمات افتتاحية حيث شدد رئيس الوفد اللبناني العميد ياسين على ضرورة اعتماد القانون الدولي كإطار للترسيم، كذلك أكد على الطبيعة التقنية الصرفة للمفاوضات غير المباشرة، ثم تبعها الحديث عن آلية سير الجلسات المقبلة.

جلسة التفاوض الثانية: بتاريخ 24/10/2020 حصلت الجلسة الثانية حيث افتتح لبنان النقاش بعرضٍ أولي حول موقفه المبني على الخط 29 والأسس القانونية والتقنية لهذا الخط، مبدياً استعداده لمناقشة أي اعتراض على هذا الخط وقانونيته إنما وفق القانون الدولي. عندها قام وفد العدو بعرضٍ موجز لموقفه المبني على الخط 1 المودع من قبل الكيان لدى دوائر الأمم المتحدة من عام 2011. ثم اختتم وفد العدو مداخلته بكلمة ألقاها رئيسه أودي أديري أعرب فيها عن عدم استعداد «إسرائيل» لمناقشة أي حلّ خارج المنطقة البحرية الواقعة بين الخطين1 و23 المودعين لدى الأمم المتحدة.

جرت استراحة قصيرة ثم عادت الوفود الى الخيمة حيث أعلن رئيس الوفد اللبناني العميد ياسين رفض لبنان وضع أي شروط مسبقة للتفاوض من حيث الخطوط والمساحات، كما دعا إلى أن تكون المفاوضات من دون قيد أو شرط غير الاحتكام الى القانون الدولي. رد رئيس وفد العدو برفضه القاطع لمناقشة أي حل خارج الخطين المذكورين أعلاه، عندها قرر الوسيط الأميركي السفير جون دي روشيه رفع الجلسة داعياً الطرفين الى العودة في اليوم التالي الى الناقورة، للمشاركة في جلسة مكرسة للإجابة على أسئلة الفريق الأميركي التقنية والقانونية.

(*) المدير العام السابق لوزارة الإعلام

يتبع غداً: تهديد أميركي

للعودة الى الخط 23