إعداد الكاتب الصحافي محمد عابدين:
تُعدّ شجرة الزعرور الأحمر (Crataegus monogyna) من النباتات البرية الأصيلة التي تنمو في الجبال اللبنانية، حيث اشتهرت بجمالها وثمارها الصغيرة ذات الفوائد الصحية العديدة.
وقد شكّلت هذه الشجرة، التي تُعرف شعبيًا باسم الزعرور البري، محور اهتمام علمي متزايد في السنوات الأخيرة لدورها المحتمل في مكافحة سرطان الثدي، أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء في لبنان والعالم.
وقد أسهمت رؤية د. أحمد قرعلي، الجرّاح العام والمختص بجراحة الأورام السرطانية، في توجيه اهتمام الكاتب ولفت انتباهه للبحث والكتابة عن هذه الشجرة، لما تحمله من رمزية الشفاء وإمكانات طبية تستحق الدراسة العلمية المتعمقة.
سرطان الثدي في لبنان: أرقام تستدعي البحث والابتكار
تُظهر إحصاءات منشورة في مجلة Cancer Epidemiology أنّ سرطان الثدي يشكّل نحو 38% من جميع أنواع السرطان لدى النساء في لبنان.
ويُعدّ هذا الرقم مقلقًا، إذ يعكس عبئًا صحيًا واجتماعيًا متزايدًا ويدفع الأطباء والباحثين إلى الابتكار في إيجاد وسائل مكمّلة للعلاج التقليدي تساعد على تحسين جودة حياة المريضات وتخفيف الأعراض الجانبية للعلاج الكيميائي والإشعاعي.
في هذا السياق، يبرز الاهتمام بالنباتات الطبية كمصدر طبيعي لمركّبات نشطة بيولوجيًا، من بينها الزعرور الأحمر، الذي طالما استُخدم في الطب الشعبي لدعم صحة القلب والدورة الدموية.
التركيب الكيميائي: ثراء طبيعي بمضادات الأكسدة
تشير دراسات منشورة في مجلات متخصّصة مثل Journal of Intercultural Ethnopharmacology إلى أن الزعرور الأحمر يحتوي على مجموعة من الفلافونويدات والأحماض الفينولية التي تمنحه خصائص دوائية فريدة، أهمها:
الكويرسيتين (Quercetin)
الروتين (Rutin)
الفيتكسين (Vitexin)
تعمل هذه المركّبات كمضادات أكسدة قوية تحيّد الجذور الحرّة وتُسهم في حماية الحمض النووي (DNA) من التلف، وهو ما يُعدّ خطوة أساسية في الوقاية من التحوّل السرطاني.
كما أظهرت دراسة مقارنة نُشرت عام 2025 في International Journal of Natural Products أنّ الأنواع اللبنانية من الزعرور تحتوي على نسب أعلى من الكويرسيتين والبوليفينولات مقارنةً بنظيراتها الأوروبية، مما يعزّز من قيمتها الدوائية في الأبحاث الحديثة.
الزعرور الأحمر ومكافحة سرطان الثدي: نتائج مخبرية مشجعة
في عام 2023، كشفت دراسة منشورة في Frontiers in Pharmacology عن أن المستخلص الإيثانولي لنبات الزعرور الأحمر قادر على تحفيز موت الخلايا السرطانية (Apoptosis) عبر تنشيط إنزيمات الكاسبيز (Caspases)، وهي المسؤولة عن عملية التدمير الذاتي المنظّم للخلايا المريضة، مع تأثير محدود على الخلايا السليمة.
وفي عام 2024، أظهرت دراسة أخرى في Biomass Conversion and Biorefinery أنّ استخدام مستخلص الزعرور الأحمر في تخليق جسيمات نانوية من السيلينيوم (SeNPs@CM) بطريقة “خضراء” وصديقة للبيئة أنتج مركّبًا أظهر نشاطًا مضادًا للأكسدة وفعالية في إبطاء نمو خلايا سرطان الثدي من نوع MCF-7، مع سمّية أقل على الأنسجة الطبيعية.
هذه النتائج تؤكد إمكانية الدمج بين التكنولوجيا الحيوية والمصادر الطبيعية في تطوير علاجات أكثر دقّة وأمانًا.
تأثيرات مناعية ومضادة للالتهاب
أظهرت مراجعة علمية نشرتها Phytotherapy Research عام 2022 أنّ الفلافونويدات المستخلصة من الزعرور تساهم في خفض مؤشرات الالتهاب المزمن، مثل عامل النخر الورمي وإنترلوكين-6 (IL-6)، وكلاهما مرتبطان بتطوّر الأورام.
وفي عام 2025، بيّنت دراسة في Cancer Immunology Insights أنّ مركّب الكويرسيتين — وهو من المكونات الأساسية في الزعرور — ينظّم مسارات مناعية حساسة عبر التأثير على بروتينات رئيسية مثل AKT1 وEGFR وMMP9، وهو ما يشير إلى دوره المحتمل في إضعاف الأنواع العدوانية من سرطان الثدي مثل الثلاثي السلبي (TNBC).
من التراث اللبناني إلى البحث العلمي:
ينتشر الزعرور الأحمر في مناطق لبنانية عدّة مثل شمال لبنان واعالي الضنية وعكار، كما جبل لبنان والبقاع والشوف، ويُعدّ جزءًا من التراث النباتي والغذائي المحلي.
ورغم حضوره الشعبي، فإن قيمته العلمية لم تُستثمر بعد كما يجب. فلبنان يمتلك المقومات البيئية والعلمية التي تؤهله لأن يكون مركزًا إقليميًا في أبحاث الطب النباتي التطبيقي، خصوصًا في ظلّ تزايد الاهتمام العالمي بالمنتجات الطبيعية ذات الأساس العلمي.
التعاون بين الأطباء، والباحثين في علم الأدوية والبيولوجيا الجزيئية، يمكن أن يفتح الطريق نحو إنتاج مستحضرات علاجية أو غذائية (Nutraceuticals) قائمة على مستخلصات الزعرور الأحمر، تُستخدم كمكمّل للعلاج التقليدي وتخضع لمعايير علمية دقيقة.
خاتمة: “شجرة الأمل” بين الطب والعلم
تحت الاسم الذي أطلقه عليها د. أحمد قرعلي – «شجرة الأمل» – تقف شجرة الزعرور الأحمر كرمز للطبيعة اللبنانية وكمصدرٍ واعد للعلاج المستقبلي “تخرج من الصخرة الصماء، وتعانق السماء” وفق تعبير الدكتور قراعلي.
ورغم أنّ الدراسات الحالية لا تزال في مراحلها ما قبل السريرية، فإنّ المؤشرات العلمية واضحة: هذا النبات الغني بمضادات الأكسدة والفلافونويدات يستحق أن يكون جزءًا من مسار الطب التكاملي في المستقبل.
فالزعرور الأحمر ليس دواءً معتمدًا بعد، لكنه رمز للبحث والأمل.. شجرة تنمو في الجبال اللبنانية بهدوء، وقد تحمل في أوراقها وثمارها بذور مستقبلٍ أكثر رحمة في علاج السرطان.

من اعالي قرى الضنية – شجرة الزعرور الأحمر ..
Lebanon on time جريدة الكترونية مستقلة