جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / السنيورة:لتحقيق التكامل الاقتصادي والانمائي والتوازن الاستراتيجي في منطقتنا العربية
5be42f2f5a5b2_G04T3868

السنيورة:لتحقيق التكامل الاقتصادي والانمائي والتوازن الاستراتيجي في منطقتنا العربية

افتتح المنتدى العربي للبيئة والتنمية “أفد” مؤتمره السنوي الحادي عشر، برعاية رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ممثلا بالرئيس فؤاد السنيورة، في فندق البريستول، تخلله إطلاق تقرير عن تمويل التنمية المستدامة في البلدان العربية.

شارك في المؤتمر وزراء ونواب وديبلوماسيون ورؤساء منظمات معنية بالبيئة وصناديق تنمية إقليمية وعالمية، بينها البنك الدولي والاسكوا والفاو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الإسلامي للتنمية والصندوق الكويتي، في حضور 400 مندوب من 40 بلدا، يمثلون الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية والقطاع الخاص، إلى جانب 50 طالبا من الجامعات العربية.

بدران
بعد تقديم من راغدة حداد، تحدث رئيس مجلس أمناء “أفد” رئيس الوزراء الأردني السابق الدكتور عدنان بدران، الذي أكد أن “المطلوب من الحكومات العربية إدارة الموارد البشرية والمالية والطبيعية بكفاءة عالية، والقضاء على الترهل الحكومي والفساد، وإنشاء شراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق أهداف التنمية المستدامة”. كما دعا إلى “إحلال السلام من خلال الديبلوماسية النشطة لحل النزاعات القائمة في دول المنطقة، وتحويل النفقات الباهظة لشراء الأسلحة إلى تمويل الاقتصاد الأخضر ودعم التنمية المستدامة، بما يؤدي إلى فتح فرص عمل جديدة للحد من البطالة”.

السنيورة
ثم تحدث الرئيس السنيورة، فقال: “لكم يسعدني أن أتحدث إليكم بمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي الحادي عشر للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، والذي يتضمن إطلاق تقريره السنوي للعام 2018، والذي يتطرق هذا العام لموضوع هام يتعلق بتمويل احتياجات التنمية المستدامة في البلدان العربية. ويأتي هذا في أعقاب اعتماد اهداف التنمية المستدامة Sustainable Development Goals في العالم، وهي التي تحتوي على سبعة عشر هدفا في أجندة دولية تعتبر نهجا متكاملا لتحقيق التنمية التي يفترض بالمجتمع الدولي أن يعمل على تحقيقها مع حلول العام 2030.”

اضاف: “هذه الأجندة الدولية تنطبق انطباقا كبيرا على ما تحتاجه منطقتنا العربية، وهي بذلك تشكل خارطة طريق لتحقيق التنمية في المجتمعات العربية. وتتراوح موضوعاتها ما بين محاربة الفقر والجوع والمرض، إلى الحد من التأثيرات السلبية والمدمرة لتغييرات المناخ، فضلا عن أنها تعالج المسائل المتعلقة بالمياه والطاقة، وحماية البيئة وتأمين النمو الاقتصادي المستدام، وتلبية الحاجة لتحسين نوعية التعليم وضمان تلاؤمه مع حاجات الاقتصاد وتوقعات الأجيال الصاعدة، إلى قضايا المساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمعات، والمسائل المتعلقة بتحقيق التضامن الداخلي والسلام العام، وضمان الحوكمة في إدارة الشؤون العامة للبلاد العربية. وذلك فضلا عن أنها تؤكد على أهمية تعزيز الجهود في البلاد العربية، لكي تسود العدالة، وتتحسن مستويات احترام الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، وصون كرامته، وتحسين نوعية الحياة لديه”.

وأعلن انه “في كل شأن من تلك الشؤون المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة يمكننا أن نتبين مقدار الحاجة الماسة لبلداننا ومجتمعاتنا العربية، للالتزام بتلك الأهداف السبعة عشر ولتحقيق إنجاز محسوس في التقدم على مسارات تحقيقها مع حلول العام 2030، وذلك تجنبا للمخاطر التي يحملها استمرار التقاعس عن تبني وتطبيق البرامج الإصلاحية الضرورية التي يفترضها تحقيق ذلك الإنجاز. إن غياب التبني لتلك الأهداف يعني استمرار الأوضاع على حالها أو تدهورها أو عدم التقدم بالشكل والقدر الصحيح لمعالجة ما تمثله تلك المشكلات والمصاعب الحالية وما سيؤدي إليه تفاقمها وتداعياته في المستقبل”.

وقال: “ان ما يهمني هنا أن أشير بداية إلى أنه ومن ضمن تلك الأهداف السبعة عشر، المتكاملة مع بعضها بعضا، فإنني أرى أن هناك ضرورة للاشارة إلى ثلاثة أهداف أساسية لكونها تشكل ثلاثية أساسية في الكثير من المناطق في العالم، وخاصة في عالمنا العربي. وهي ثلاثية الطاقة والمياه والغذاء. وهذه الثلاثية وفي كل مجال منها تشكل بالنسبة للمنطقة العربية مصدرا من مصادر القلق الشديد على المستقبل لما تحمله معها من تحديات مترابطة ومتداخلة، وما تتضمنه وتتسبب به من مشكلات ومن تفاقم للاختلال الاستراتيجي القائم في المنطقة العربية ومن حولها في هذه الشؤون.
إن هذا الأمر، وبحد ذاته يدلل أيضا على مدى الحاجة الماسة لتوفير الطاقات والموارد المادية اللازمة، وفوق ذلك تأمين الإرادة الحازمة والملتزمة للخروج من تلك المآزق التي يتسبب بها استمرار وتفاقم الاختلال في تلك العوامل. وهذا من دون التقليل من أهمية تأمين الطاقات والموارد المالية والكفاءات والإمكانات والبرامج والتنظيمات الإدارية اللازمة لكي تصبح الأهداف الأخرى للتنمية المستدامة أيضا قابلة للتحقق في المنطقة العربية خلال المرحلة الزمنية المطلوبة”.

اضاف: “فعلى سبيل المثال، وفي مسألة المياه، فإن المنطقة العربية تشكل بمساحة اليابسة فيها قرابة 10% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، وعدد السكان فيها يزيد قليلا عن خمسة بالمائة من عدد سكان العالم ولكن هذه المنطقة تمتلك ما يقل عن 1% من مصادر المياه العذبة المتجددة في العالم. غير أن ما يزيد هذه المشكلة تعقيدا وحدة، أن ما يزيد عن 56% من مصادر تلك المياه العذبة تأتي من مصادر عابرة للحدود الدولية. وذلك ما يعطي صورة قاتمة عن طبيعة المشكلات التي تعيشها المنطقة العربية في هذا الصدد. وهذا ما يشكل أيضا عقبة كأداء في قدرة الدول العربية المعنية على بسط سلطتها والتحكم الحر في مصدر أساسي من مصادر الحياة بالنسبة للمواطنين والمقيمين في العديد من أقطار العالم العربي ولاسيما بالنسبة لدول مثل السودان ومصر والعراق وسوريا”.

وتابع: “أما في مسألة الغذاء، فإن المنطقة العربية تعاني من مشكلة مستعصية، فهي ماتزال تعتبر بين أكثر المناطق في العالم استيرادا للغذاء. وهذا العامل أيضا يؤشر إلى حجم المشكلات التي تتناسل في هذا الخصوص لتضيف مزيدا من التعقيد والاستعصاء على الحال التي وصلت إليه المنطقة العربية على مسارات تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
صحيح أن هناك وفي بعض المناطق مثل السودان مثلا، إمكانات زراعية هائلة ولكنها ماتزال كامنة وبحاجة إلى إنشاء بنى تحتية كبيرة وإلى تطوير وإجراء إصلاحات بنيوية عديدة، بما في ذلك في إدارة الموارد المائية المتاحة بشكل منظم وكفء. وذلك ما تحتاجه أيضا معظم بلدان العالم العربي لتجنب الهدر الكبير الحاصل في استخدام المياه، لتتم الاستفادة من كامل الفرص الكامنة. إنه وعند القيام بها، فإن ذلك ربما يسهم في تحقيق تقدم على مسار توفير كميات إضافية من الغذاء لذلك الكم الكبير والمتعاظم من الأفواه في العالم العربي والتي تنتظر أن يصار الى تلبية حاجاتها في العقد القادم”.

ورأى أن “الكثير من تلك المشكلات، لا يمكن معالجتها من دون الإقدام على اعتماد إصلاحات أساسية وجذرية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية للتلاؤم مع المتغيرات وبما يستنهض دور القطاع الخاص ويرفع من مستويات الإنتاجية والتنافسية في الاقتصاد الوطني”.

وقال: “أما بالنسبة للطاقة، فإن بعضا من الدول العربية، وتحديدا دول الخليج العربي والعراق والجزائر وليبيا، تتمتع بكميات هائلة كبرى من الطاقة المستندة إلى الوقود الأاحفوري (Fossil Fuel)، وتعتمد في اقتصادها على تلك الموارد الطبيعية بشكل كبير جدا. إلا أن هناك مناطق أخرى في العالم العربي تندر فيها مصادر الطاقة وهو ما يشكل بالنسبة لتلك الدول مشكلة مالية واقتصادية واجتماعية كبرى تحد من قدرتها وبشكل كبير على توفير الموارد المالية اللازمة للقيام بما هي بحاجة إليه لتحقيق الحد الأدنى من النهوض فكيف إذا ما أضيف إلى ذلك ما تحتاجه من موارد مالية للتقدم على مسارات تحقيق أهداف التنمية المستدامة لديها”.

اضاف: “ومع إدراك الاختلاف في طبيعة المشكلات التي تعاني منها دول المنطقة العربية، فإن تلك المشكلات لم تعد تقتصر على الدول غير النفطية، بل أصبحت تطال بالفعل جميع الدول العربية الأخرى. فبالنسبة للدول النفطية، فقد أصبح الاستعمال المفرط والاعتماد الكامل على الوقود الأحفوري مصدرا أساسيا من مصادر الدخل في أكثر الدول العربية المنتجة للنفط يتسبب بخلل اقتصادي كبير في تلك البلدان، مما يزيد من تعرضها للانتكاسات والصدمات الاقتصادية والمالية الناتجة عن التقلبات الحادة في الأسعار العالمية للنفط والغاز. وهذا بالإضافة على كونه يتسبب بانبعاث متزايد لثاني أوكسيد الكربون لديها المسبب للاحتباس الحراري، ويحدث ذلك تغييرا كبيرا في المكونات البيئية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن منطقتنا العربية قادرة على توفير طاقة جديدة نظيفة وخضراء تعتمد على الشمس في كثير من المناطق العربية، بما يعنيه من وجود إمكانات وفرص أفضل لتوليد المياه الصالحة للشرب وللري”.

وأردف: “يأخذني هذا كله سريعا إلى مسألة شديدة الأهمية، تتعلق بقضية التغير المناخي، وتتعلق بالاحتباس الحراري الذي تنضوي آثاره السلبية على كوارث ضخمة تتهدد الجنس البشري بشكل عام، وتتسبب بمخاطر جيوبوليتيكية مخيفة.
إن هذا التغير يحمل معه تهديدا خطيرا للبلدان العربية والتي تقع في منطقة هي الأكثر تأثرا بالنتائج السلبية للتغير المناخي. إذ يمكن ان تتعرض تلك المناطق إلى تراجع كميات المتساقطات المطرية، وإلى زيادة موجات الحر، وارتفاع درجات الحرارة واشتداد العواصف الرملية والتصحر. وبالتالي إلى جفاف بعض المناطق وإفقارها واجتياح البحر للمناطق الساحلية، وربما خلوها من السكان. ذلك مما قد يطلق شرارة خطيرة لإثارة الاضطرابات الاجتماعية، ولحركة هائلة للانتقال والنزوح البشري مع الإشارة إلى التداعيات السياسية والاجتماعية الخطيرة الناتجة عن ذلك”.

وقال: “هذا الخطر بدأ يذر بقرنه في أكثر من بلد في العالم وهناك مؤشرات واضحة إلى أن هذه المشكلة، ومع استمرار عدم إيلائها الاهتمام الذي تستحقه، قد بدأت تتخطى الخطوط الحمر. ذلك يعني أنها أصبحت بالفعل تشكل تهديدا كبيرا لعدد من البلدان في المنطقة العربية ولأجيالها القادمة، ويستدعي ذلك تنبها واعيا وسريعا لأهمية التصدي للتدمير المنهجي الجاري للبيئة في أكثر من بلد عربي. وبالتالي إلى ضرورة المسارعة من جهة أولى لإجراء الإصلاحات السريعة والجذرية على أكثر من صعيد في السياسات والبرامج والأساليب، كما والعمل ومن جهة ثانية، من أجل تدبير الموارد المالية الهائلة اللازمة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة.

أولا: في اعتماد نهج الإصلاح
إن الأمر الأساس الذي يجب أن يصار الى استخلاصه في هذا الصدد، هو أهمية الإدراك السريع من قبل الحكومات والمجتمعات العربية إلى أن هناك مشكلات خطيرة ومستعصية تستوجب توجيه الطاقات والجهود للعمل على التصدي لها، بما يعني بداية ضرورة توفير الإرادة الملتزمة واللازمة لخوض غمار الإصلاح اللازم.

دعوني هنا أنتهز هذه الفرصة لأؤكد أن الإصلاح الذي تحتاجه دولنا العربية لتحقيق النهوض، هو أمر قد أصبح واقعا وواجبا علينا أن نؤمن به وأن نعيشه وأن نمارسه. فالإصلاح هو بالفعل عملية مستمرة، ورحلة دائمة تقتضي المسارعة إلى اعتمادها والمثابرة على الاستمرار في اعتمادها. لأن استمرار التقاعس والتأخير في تبني البرامج الإصلاحية المطلوبة سوف يشكل هما مقيما وكبيرا على المنطقة العربية وعلى أجيالنا القادمة، ويحمل تلك الأجيال في المستقبل كلفة أكبر وألما ومعاناة أشد. وهذا فضلا عن أنه يزيد من حدة اتساع الفجوة الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية بين العرب والعالم من حولهم”، معتبرا “ان التلاؤم مع التغيرات والتحولات الحاصلة يتطلب اعتماد نهج الإصلاح الحقيقي والجذري والذي يقتضي بدوره تأمين الإرادة السياسية والمجتمعية، وكذلك الجرأة والشجاعة في تبني وتنفيذ السياسات والمعالجات الاقتصادية والإنتاجية والمالية والإدارية، وذلك من أجل:

1) الإسهام في تحقيق استخدام أفضل وأرشد وأكثر كفاءة وأكثر عدلا للموارد البشرية والطبيعية والإمكانات المتاحة وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية.
2) المساعدة والتشجيع على إجراء تعديلات في أنظمة دعم الأسعار من أجل تحقيق إدارة أفضل للموارد الطبيعية والإمكانات المتاحة ولاسيما في قطاعي المياه والطاقة.
3) الإسهام في تقديم الحوافز الإضافية اللازمة لتعزيز الإنتاجية ولزيادة حجم الإنتاج المحلي في الاقتصادات الوطنية.
4) المساعدة والتشجيع على بذل جهد أكبر من أجل تنويع مصادر الدخل لدى العديد من الاقتصادات العربية. ولاسيما تلك التي تعتمد على مصادر محدودة من الموارد الطبيعية.
5) إجراء الإصلاحات الضرورية لتطوير وتعديل الأنظمة الضريبية بما يعزز مصادر الدخل لدى الخزانات العامة لأغلب الدول العربية وبما يسهم في تصحيح مالياتها العامة.
6) الإسهام في الحد من الاستهلاك وترشيد الأنماط الاستهلاكية، وبالتالي ترشيد الإنفاق غير القابل للاستدامة.
7) الإسهام في التخفيف من حدة الفروقات المتعاظمة بين فئات الدخل المختلفة في المجتمعات العربية، وفي تأمين وتحقيق توزيع أعدل للثروة وللمداخيل، لكي تصبح الأوضاع المالية والنقدية والاجتماعية أكثر استدامة.
8) العمل على تأمين موارد مالية عامة وخاصة إضافية يمكن توجيهها من أجل دعم أنشطة التنمية المستدامة.

ثانيا: في تدبير التمويل
ما من شك أن حجم المبالغ التي تحتاجها عملية الالتزام بمتطلبات تحقيق أهداف التنمية المستدامة كبيرة وكبيرة جدا. وتظهر هنا مدى حراجة تدبير تلك المصادر المالية المطلوبة ولا سيما في هذه المرحلة بالذات التي تشهد فيها مصادر التمويل العامة والخاصة في العالم العربي انحسارا في المبالغ المتاحة حتى لدى بعض الدول المرتفعة الدخل، وخاصة لدى تلك الدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري كمصدر أساسي من مصادر الثروة. فإذا كانت هذه هي الحال بالنسبة للدول الغنية والمرتفعة الدخل، فكيف يكون الحال بالنسبة إلى الدول الأخرى المتوسطة، وكذلك المنخفضة الدخل، والتي تواجه في معظمها تحديات معيشية وإنمائية ضخمة، تنوء هي الآن بحملها. فكيف إذا أضفنا إلى ذلك مشكلات تلبية احتياجات الالتزام بمتطلبات تحقيق أهداف التنمية المستدامة وما تتطلبه من جهود ومقدرات والتزامات.
من ذلك، يتبين أنه أصبح لزاما على القطاع المصرفي العربي أن يدرك أنه لم يعد بمقدوره مواكبة المتغيرات والتحولات الجذرية الحاصلة في مفهوم وأساليب التنمية المستدامة من دون اعتماد أدوات وأساليب جديدة ومبتكرة لتأمين التمويل المطلوب على مدى السنوات الخمس عشرة القادمة.

وبالتالي فإن هناك حاجة ماسة لوضع الأطر التنظيمية والرقابية والسياسات المالية العامة لتشجيع القطاع الخاص والقطاع المصرفي على المشاركة في اعتماد الخطط البعيدة المدى لولوج باب الاقتصاد الأخضر. وذلك يعني ضرورة إنشاء علاقة تعاون ومشاركة ما بين المؤسسات العامة والخاصة المحلية والدولية. وهناك حاجة أيضا إلى تضافر جهود الحكومات وصناديق التنمية في العالم العربي وبالتعاون مع المؤسسات الدولية، ومع القطاع المصرفي المحلي والدولي من أجل تدبير وتأمين الاستثمارات الضخمة المطلوبة.

وقال: “هناك منطق جديد يجب أن يسود لدينا من أجل أن لا يتسلل اليأس والإحباط إلى نفوسنا إزاء تلك التحديات الكبرى التي تواجهها مجتمعاتنا العربية، ألا وهو منطق تحويل المشكلات إلى فرص مستجدة. وذلك في طريقة تعامل الدول العربية مع مسألة الالتزام بأهداف التنمية المستدامة. ويكون ذلك في تحويل جزء من الفجوة الكبيرة في التمويل إلى فرص ومجالات عمل وأعمال تجارية جديدة وإيجاد منافع اقتصادية وبيئية واجتماعية، جديدة في المجتمعات العربية. ومنها ما يمكن له أن يسهم في تفاعلات وتعاون أفضل بين القطاعين العام والخاص، بما يسهم أيضا في الحد من تكلفة تنفيذ تلك البرامج”.

اضاف: “في هذا المضمار، فإن علينا أن ندرك أن الانتقال التدريجي نحو الاقتصاد الأخضر أو الصديق للبيئة سيتطلب التشجيع على إعادة توجيه استثمارات جديدة في القطاعين العام والخاص، إلى المجالات الرئيسية ذات الأولوية، وذلك عبر التحفيزات التي يمكن أن تقدم للأسواق المالية. وبالتالي فإن اعتماد السياسات الصحيحة والمتكاملة للتنمية المستدامة كفيل بتحقيق الأهداف الموضوعة والتي يجب أن تكون مستندة إلى قواعد اقتصاد السوق بما يضفي على تلك السياسات والخطط والبرامج مقبولية اقتصادية واجتماعية وبيئية”.

وأكد انه “مع الإدراك المتزايد للترابط الكبير بين جميع تلك العوامل، والحاجة لفهم التعقيدات الكثيرة التي تواجهها مختلف الدول العربية على مسارات تحقيقها لأهداف التنمية المستدامة، فإن هناك أهمية كبرى في استمرار الحرص على إيجاد التماسك والتنسيق بين مختلف السياسات المالية والاقتصادية والنقدية، التي ينبغي اعتمادها والتي تستطيع واستنادا إلى هذا التماسك والتنسيق النجاح في التحفيز والتشجيع والإسهام في تحقيق تلك الأهداف، ولا سيما في دعم الاستثمارات الجديدة والمبتكرة والصديقة للبيئة”.

وقال: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، إنه ما لم يتم هذا التغير والالتزام في تحقيق تلك الأهداف، فإننا وبأيدينا نرمي بأنفسنا وبمستقبل أولادنا وأجيالنا القادمة نحو التهلكة. وهذا ما يحملنا مسؤولية انسانية وضميرية إذا لم نقم اليوم بما ينبغي علينا القيام به”.

وتابع: “إنني لا أنفي أن جهودا قد بذلت في سائر المجالات على مدى العقود الماضية، ولكنها كانت دائما غير كافية. من جهة أخرى، فإن النتائج المرجوة لا يمكن ان تتحقق ما لم تتآزر جهود دولنا العربية لتحقيق تلك الأهداف عبر المزيد من التكامل الاقتصادي، والتكامل في السياسات الإنمائية، والتكامل في السياسات المتعلقة بتأمين التوازن الاستراتيجي في منطقتنا العربية وفي علاقتها مع المحيط، والتكامل بين القطاع العام والقطاع الخاص وفي توفير الموارد المالية اللازمة لذلك. هذا فضلا عما يقتضيه تحقيق الاستقرار اللازم لتحقيق النهوض من جهود لإحلال السلام في منطقتنا العربية وإحلال دولة القانون والنظام والعدالة وحكم المؤسسات في أوطاننا العربية”.

وختم مؤكدا “ان جملة هذه الأمور تستدعي منا تبصرا وإعلاء للصوت وتوجيها للجهود من أجل استعمال الموارد الناضبة أو المتاحة استعمالا بيئيا سليما يؤدي الى تحسين مستويات الحفاظ على البيئة والتقليل من الإساءة للمناخ على كوكبنا بما يضمن لأجيالنا القادمة مجالا للعيش بكرامة وبصحة جيدة ومستوى عيش كريم، وتكافؤ وكفاءة في فرص التعليم والعمل والأمل المحق والمستحق بالمستقبل”.

الراجحي
وألقى وزير المشاريع الكبرى في تونس توفيق الراجحي، كلمة أشار فيها إلى أن الدستور الجديد كرس الحق في البيئة السليمة. وقال: “ان تحديات التنفيذ فرضت وضع استراتيجية تمويل التنمية المستدامة في تونس، وذلك بتعزيز موارد صناديق الخزانة المخصصة للبيئة، مثل صندوق إزالة التلوث وصندوق التحول الطاقي، وبالشراكة بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من التعاون المالي الدولي”.

التقرير
ثم قدم الأمين العام للمنتدى نجيب صعب التقرير السنوي للمنتدى، مفندا مهمة المنتدى بدعم السياسات والبرامج البيئية الضرورية لتنمية العالم العربي، استنادا إلى العلم والتوعية. وقال: “بينما شخصت تقارير “أفد” العشرة السابقة وضع البيئة العربية واقترحت حلولا ساهمت في تطوير السياسات البيئية في المنطقة، جاء الآن وقت التنفيذ. وهذا يستدعي إيجاد مصادر تمويل ملائمة”. وعرض لأعمال “أفد” سنة 2018، والأثر الذي تركته في السياسات البيئية العربية، خصوصا في مجالات تحفيز كفاءة المياه والطاقة بتعديل أنظمة دعم الأسعار، وتنويع الاقتصاد مع ادخال الطاقة المتجددة على نطاق واسع، والمشاركة الإيجابية في المساعي الدولية لمواجهة تغير المناخ”. ودعا إلى “تنمية تحترم كرامة الإنسان وتقوم على المشاركة والعدالة”.

وأظهر التقرير أن المنطقة العربية تحتاج إلى أكثر من 230 بليون دولار سنويا مخصصة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. أما الفجوة التمويلية السنوية فقدرت بأكثر من 100 بليون دولار. كما بين أن الخسائر في النشاط الاقتصادي بسبب الحروب والصراعات في المنطقة العربية منذ العام 2011 بلغت نحو 900 بليون دولار، وهذا سيعيق تنفيذ أهداف التنمية، لتداخلها مع متطلبات إعادة الإعمار. كما بين أن الفساد تسبب بخسارة توازي المبالغ المطلوبة لسد فجوة الاستثمار في التنمية، والمقدرة بمئة بليون دولار سنويا.

ولفت التقرير إلى انحسار مصادر التمويل العامة والخاصة في المنطقة العربية. ففي مقابل كل دولار يدخل من خلال تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، يتم إعادة استثمار نحو 1.8 دولار فعليا في الخارج، إما بواسطة تدفقات الاستثمار المباشر إلى الخارج، أو من خلال تحويل الأرباح التي يحققها المستثمرون الأجانب. وفي الوقت نفسه، تظل المنطقة مقرضة للبنوك الأجنبية، حيث كانت ودائع العملاء العرب لدى البنوك الدولية الرئيسية أعلى باستمرار من القروض المقابلة للعملاء العرب من هذه البنوك. ودعا إلى العمل على عكس اتجاه الاستثمارات إلى المنطقة العربية، ما يستدعي إصلاح السياسات المالية والنظام الضريبي ومكافحة الفساد وإعطاء حوافز وتسهيلات لتشجيع الاستثمار واستخدام الموارد بكفاءة.

جائزة العمر البيئية
بعد ذلك، أعلن صعب عن تقديم “جائزة العمر البيئية” إلى مدير عام صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) سليمان الحربش، الذي تولى قيادة الصندوق بين 2003 و2018، “تقديرا لعمله خلال 15 عاما على إدخال البيئة والتنمية المستدامة في صلب اهتمام صندوق أوبك، وهو من قاد ادخال القضاء على فقر الطاقة كواحد من أهداف التنمية في الأمم المتحدة”. وأشار إلى أن “فترة رئاسة الحربش للصندوق تميزت بازدياد كبير في القروض والمنح التي تم منحها لمشاريع تتعلق بالبيئة والطاقة المتجددة على نحو خاص”.

وقال الحربش في كلمة ألقاها عقب تسلمه الجائزة: “إن الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة شرط مسبق وحيوي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وإن حملتنا من أجل القضاء على فقر الطاقة هي من أهم إنجازاتنا، وهي سابقة لمبادرة الأمم المتحدة المتعلقة بالطاقة المستدامة للجميع”. وأوضح أن “مكافحة فقر الطاقة تستند إلى استراتيجية ذات أركان ثلاثة هي حشد التأييد وتوسيع العمليات في الميدان والشراكات”.

وكان “أفد” منح الجائزة سابقا إلى العالم المصري الراحل محمد القصاص (2008) ورئيس المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية، عبد الرحمن العوضي (2016).

الجلسات
وتابع المؤتمر يومه الأول في أربع جلسات تم فيها تقديم نتائج تقرير “أفد” ومناقشة أبرز توصياته. فبحث ممثلو صناديق التنمية العربية والدولية سبل التعاون لتعبئة موارد إضافية تقود إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وشددوا على أن الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لا تتطلب كلها أموالا جديدة، بل تعتمد بشكل كبير على تحويل وجهة التمويل من المشاريع التقليدية إلى أخرى تقوم على مبادئ الاستدامة. وخصصت جلسة لتمويل الطاقة المستدامة، دعت إلى اعتماد أدوات جديدة مثل السندات الخضراء والصكوك، وشددت على أهمية استقطاب استثمارات القطاع الخاص في الطاقة المتجددة. وتحدث ممثلون عن قطاع الأعمال عن الفرص التجارية التي يوفرها التحول إلى التنمية المستدامة، شرط وجود الحوافز والتشريعات والقوانين الملائمة.

وكانت منظمة التعاون الدولي والتنمية عقدت جلسة خاصة قدمت فيها تقريرا أعدته عن دور تمويل المشاريع والبرامج المتعلقة بتغير المناخ في دعم خطط التنمية المستدامة عامة.