جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / السنيورة: استنقاذ الدولة واستعادة الثقة بها هما موضوعا التضامن العربي
5b0812439d816_

السنيورة: استنقاذ الدولة واستعادة الثقة بها هما موضوعا التضامن العربي

اعتبر الرئيس فؤاد السنيورة “ان الموضوعين الرئيسيين للتضامن العربي هما: أولا، استنقاذ الدولة الوطنية واستعادة الثقة بها وضمان سيادة الحكم الصالح والرشيد فيها والتأكيد على الالتزام بمبادئ القانون والنظام، وثانيا، إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين، وهما عاملان رئيسيان في صنع الاستقرار بل إن الاستقرار لا يمكن تصوره بدون الوصول إليهما”.

كلام السنيورة جاء في مداخلة له في مؤتمر “الامن في خضم الانحلال” الذي انعقد في بيت المستقبل في بكفيا وفي ما يلي نص المداخلة:
“يمر الوطن العربي في هذه الآونة بأزمات طاحنة، يزداد تفاقمها بسبب التغيرات والتحولات الجارية في هذه المنطقة والعالم. وربما ليس من المبالغة القول بأنها تمس عددا من بلدانه وتهددها بالتفكيك على أسس طائفية ومذهبية. وهذه الأزمات، وبقدر ما تشكل مرحلة ألم ومرارة، فإنها أيضا مرحلة اختبار وامتحان. فأوقات الأزمات هي أيضا أوقات يمكن للنخب الناهضة أن تستخدمها لطرح رؤى وتصورات مستقبلية جديدة بما يسمح بتحويل الأزمات إلى فرص لمواجهة المخاطر ولتحقيق التغيير والعودة إلى التلاؤم مع المستجدات والتحولات”.

أضاف: “إن هذه الأزمات الطاحنة تطرح قضيتين مهمتين تمثلان مصدرا لتغذية وتعميق حالة التراجع والانحسار للأمن والاستقرار في المنطقة العربية وهما: أولا، وجود أقطار عربية باتت مهددة بالانزلاق إلى مصاف الدول الفاشلة، بل إن بعضها مهدد بالتفكك والتشرذم ككيانات سياسية. وثانيا، تمدد أدوار الفاعلين السياسيين من غير الدول الذين يمارسون العنف. وتعد التنظيمات الجهادية الإرهابية العابرة لحدود الدول، وفي مقدمتها “تنظيم داعش”، التجسيد الأبرز لهذه الظاهرة.
إن المتابع لمصير ونتيجة معالجة الأزمات المستحكمة في العديد من دول المنطقة العربية ولاسيما في العراق واليمن وسوريا وليبيا يتبين له كيف أن أغلب الحلول المطروحة ما تزال تراوح مكانها لناحية الفشل في التوصل الى صيغ ناجحة. والسبب وبشكل أساسي في قصور تلك المعالجات المطروحة للأزمات المستحكمة، التشرذم والتفتت الذي تعيشه تلك المجتمعات على أكثر من مستوى، مما دفع بتطور الأمور في عدد من تلك البلدان وسوريا على وجه الخصوص الى تحولها ساحة للصراعات الإقليمية والدولية وإلى نشوء مناطق نفوذ دولية وإقليمية فيها”.

وقال: “في مواجهة مخاطر التمزق والتفكك، ما هو السبيل للخروج من تلك المآزق؟
لقد أثبتت التجارب السابقة وطبيعة المخاطر السائدة استحالة نجاح الحلول المطروحة في ظل ازدياد حالة التشظي والانقسام والانحلال، وبالتالي عدم قدرة أي بلد عربي بمفرده على مواجهتها. ذلك يعني أن فكرة التكامل العربي والعمل على تجميع موارد القوة العربية هو ربما السبيل الوحيد لضمان البقاء بداية وصيانة الأمن القومي العربي وتحقيق الأهداف المرجوة.
حتى العام 2014، كانت الحلول المقترحة تتخذ عناوين تتعلق بمرحلة الانتقال إلى الديموقراطية بعد الثورات. إنما بعد ذلك، ولاسيما بعد التعملق المريب والخطير لمنظمة داعش ولظواهر التطرف والعنف الأخرى، فقد اختفت معظم تلك العناوين، إلا عنوان وممارسات مقاتلة الإرهاب، وإلى ضرورات الاستمرار من جانب المؤسسات الدينية والمفكرين والمثقفين والسلطات في العمل على مكافحة التطرف. صحيح أنه ما يزال الأمران، أي مقاتلة الإرهاب، ومكافحة التطرف ضروريين جدا. لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه وبإلحاح أيضا: كيف نستنقذ الدولة الوطنية العربية؟”.

وأردف السنيورة: “من جهة أولى، فإنه لما لا شك فيه، أن المشكلة الأساس في المنطقة العربية، هي المشكلة الفلسطينية، وأن قضية فلسطين مازالت هي قضية العرب الأولى، وأن تبنيها من قبل مختلف الشعوب العربية هو أحد أشكال التعبير عن الهوية العربية. فما جرى ويجري من اعتداء وتنكيل واقتلاع للفلسطينيين من ديارهم على النسق الذي يستمر عليه الاحتلال الإسرائيلي في ممارساته الإجرامية في القدس والضفة الغربية، وقطاع غزة، وكذلك في محاولاته المستمرة من أجل تصفية القضية الفلسطينية برمتها، يقتضي عملا عربيا تضامنيا لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، ولتعزيز الصمود لدى الفلسطينيين أينما كانوا. كذلك فإنه يقتضي عملا جادا وعقلانيا ومنظما من أجل تظهير طبيعة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتظهير ممارساته الفاقعة للتمييز العنصري من أمام الرأي العام الدولي. هذا من جانب، وكذلك ومن جانب آخر لتظهير فكرة المبادرة العربية للسلام كحل منطقي وعادل ودائم للمشكلة الأساس في الشرق الأوسط واستمرار الثبات عليها، ومن دون تنازلات إضافية، بكونها المفتاح الأساس لحل الكثير من المشكلات في المنطقة العربية.
من جهة أخرى، وفي قراءة متأنية وواقعية لما حل بالعرب، في الكثير من بلدانهم، من هزائم ونكبات وما تلاها من ردات فعل، فقد كانت هناك محاولات عديدة في العالم العربي من أجل الرد على تلك الهزائم المتلاحقة التي تعرض لها الإنسان العربي وتعرضت لها الدول والمجتمعات العربية. ولقد اتخذت الردود على تلك الهزائم في وقت مضى شكل الانقلابات العسكرية والأنظمة الديكتاتورية، التي أثبتت في المحصلة أنها قاصرة عن ان تعالج تلك المشكلات المتضخمة والمتفاقمة بداية في حل المشكلة الأساس، وهي استعادة الأرض (الأرض الفلسطينية). كما أنها لم تعالج بشكل صحيح وفعال مسألة استعادة الكرامة للانسان العربي. وأنا أعني بالكرامة كل ما له علاقة بالحريات والحقوق الأساسية سواء أكانت سياسية، أم اجتماعية، أم اقتصادية، أم ثقافية. فلقد تفاقمت النتائج السلبية التي نجمت عن السياسات التي اتبعتها بعض الحكومات العربية لجهة ممارسات الإقصاء السياسي والاجتماعي والتضييق على المجال العام وعلى الحريات المدنية والسياسية في عدد من تلك البلدان. ذلك بالإضافة إلى عدم التبصر بتداعيات الانفجار السكاني، وعدم القدرة على تلبية الحاجة المتزايدة للتنمية واستدامة النمو الاقتصادي في العديد من المجتمعات العربية. إن تفاعل تلك الإخفاقات فيما بينها أدى الى مزيد من التهميش لقطاعات واسعة من المواطنين في تلك الدول وعدم تمكين تلك القطاعات من المشاركة والإسهام في تقرير مستقبلها، وبالتالي عدم القدرة على الإسهام في معالجة مشكلاتها الحالية والقادمة. ولقد ترافق مع ذلك كله تداعيات الثورة التكنولوجية العظمى في قطاع الاتصالات التي كسرت حواجز الزمان والمكان وحواجز الدول والجماعات وحواجز الصمت والخوف مع ما يترتب عن ذلك كله من تداعيات”.

وتابع: “على الرغم مما سبق إليه القول، فإنه وبرأيي ماتزال هناك إمكانية لنجاح المقاربات في تطوير بوصلتنا التي يمكن أن تهدينا إلى طريق المعالجات. فبعض الدول العربية الكبرى، ولاسيما تلك التي تتمتع بالاستقرار والقدرة على الحركة وصناعة القرار الوطني والقومي، قادرة، بالتضامن والتعاون والتكامل الأمني والاقتصادي فيما بينها على المبادرة إلى وضع وتعزيز الخطط ذات الأبعاد الاستراتيجية المستندة الى نظام المصلحة العربية. وأن تعمل على بناء وتعزيز الأمن القومي العربي حماية وتحصينا لأمنها في الوقت ذاته. ذلك بما يمكن تلك الدول أن تؤثر إذا أجمعت في ما بينها على أمرين اثنين أساسيين: الأول في مواجهة التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية المضطربة أو المهددة بالاضطراب مثل سورية وليبيا واليمن والصومال. والأمر الثاني، العمل في الدواخل المضطربة من أجل التوصل إلى وقف النار وإلى وقف العنف، وإجراء المصالحات، والتمهيد لإعداد دساتير جديدة، والمساعدة على إجراء انتخابات ديمقراطية، والإسهام في إعادة بناء الجيوش الوطنية والقوى الأمنية الأخرى.
وعندما نقول في البند الأول: ضرورة مواجهة التدخلات، فنحن لا نعني التسبب في حروب أو مواجهات جديدة، بل نعني التبصر والتنبيه إلى المخاطر الشديدة الكامنة والمحدقة بمنطقتنا العربية إذا لم يجر الحؤول دون وقوع تلك المخاطر. وكذلك ضرورة إدراك أهمية التضامن فيما بينها، وبالتالي تعزيز القدرة لديها على التعاون من أجل التفاوض بشيء من الندية والعقلانية مع القوى الكبرى، وهي التي صارت الراعية أو الغاضة النظر عن استشراء وإدامة الاضطراب الداخلي المدمر. إنه وعندها يمكن التقدم تدريجيا على مسارات التهدئة وتعزيز الاستقرار نحو تحقيق التطور السلمي في المنطقة”.

وقال: “في هذا الصدد، هناك ضرورة لاتخاذ موقف واضح وصريح وحازم أيضا، من الدولة الإقليمية الجارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية يقوم على التأكيد على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل الذي يجب ان يحكم العلاقة العربية الإيرانية بما يؤدي إلى الحد من التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية. تجدر الإشارة هنا إلى وجوب التنبه أيضا إلى أن إيران لا تستطيع الاستمرار في الامتداد والتخريب الذي تسببت وتتسبب فيه حتى الآن، وذلك على قاعدة واقعية تتمثل بتداعيات إرغامات التعب والإنهاك والضيق الذي يتسبب به ذلك التورط المتمادي والمنفلش من جهة والتداعيات الناتجة عن العقوبات الدولية المفروضة عليها من جهة ثانية. أكان ذلك على اقتصادها أو على سياساتها ونسيجها الاجتماعي. إن هذا يقتضي اعتماد دبلوماسية مبادرة تستند إلى موقف عربي متماسك يبين المخاطر التي قد تحدث إذا استمر الحال على ما هو عليه من تدخل وتخريب – وكشرح في ذات الوقت – للفرص والمنافع القائمة على تنمية المصالح المشتركة جراء المبادرة إلى التعاون البناء بين الدول العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
كذلك الأمر فإن هناك حاجة لتوضيح العلاقات التي تربط بين العالم العربي وتركيا وأهمية التأكيد على مبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعلى قاعدة تنمية المصالح المشتركة.
انه وفي حالتي إيران وتركيا، فإن المصالح المشتركة القائمة والكامنة هي كثيرة وكثيرة جدا ولا بد من التركيز والبناء عليها”.

ولفت السنيورة الى “ان الدول العربية المشرقية الأكثر مسؤولية في هذا الشأن هي المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية بكونهما الدولتان العربيتان الأكبر. ويمكن أن يشترك في هذا الجهد دول عربية أخرى مثل الكويت، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة الأردنية الهاشمية، وكذلك أيضا المملكة المغربية في المغرب العربي. ولكل من تلك الدول علاقات مقبولة إلى جيدة مع الأطراف الكبرى المتناحرة أو المتنافسة على المنطقة، بما في ذلك الدول الإقليمية والكبرى، بما يسهم في اكتساب ثقة الأطراف المتباينة والعمل معها من أجل حضها على الاستماع إلى صوت العقل، وكذلك من أجل التعقل والإدراك العميق للمصالح المشتركة فيما بينها في الحاضر والمستقبل. ثم إن لكل من هذه الدول الإقليمية والدولية مصالح قوية جدا في العمل على تعزيز الاستقرار في الدول المضطربة للحؤول دون التداعيات السلبية الناتجة عن تفاقم مشكلات المهاجرين والهجرة غير الشرعية، وبسبب تفشي الإرهاب وصعود الأنظمة الفاشية والشعبوية. إن هذا يبين الحاجة المتعاظمة للمحاذرة من تداعيات التردي السياسي والأمني والاقتصادي في تلك الدول المضطربة على أوروبا وغيرها من دول العالم المتقدم.
إنه ومع الإدراك الكامل للتداعيات السلبية لعدم الاستقرار هذا على دول الجوار الأوروبي وما بعده وحاجتهما إلى تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي، لكننا نبقى نحن العرب أصحاب المصلحة الأولى في استعادة الاستقرار لبلداننا ولمنطقتنا. وبالتالي حاجتنا للسعي من أجل الحؤول دون وقوع المزيد من الخسائر البشرية والتدمير المتعاظم لإمكانات وقدرات الحاضر والمستقبل. ولذلك ينبغي العمل على تعزيز فرص الاستفادة من فكرة المصالح المشتركة. إنه وفي سبيل بلوغ ذلك يصبح التضامن العربي ضرورة حياة واستمرار.
أما الأمر الآخر فيتعلق بالهدف الحيوي جدا من وراء التضامن والتواصل مع الدول الكبرى. وهو استعادة الاستقرار بالدواخل المضطربة بالتدريج، وتأمين انتقال سلمي بقدر الإمكان بعد توسطات وقف النار. ويكون ذلك بالعمل على المصالحات، وصناعة مناطق آمنة يمكن أن تتحدد وتمكن بالتالي من عودة المهجرين قسرا إلى ديارهم وذلك أشد ما ينطبق على سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال والسودان. وكذلك أيضا التشارك مع بعض تلك الدول في إنجاز دساتير تكون محتضنة لكل المكونات في تلك الدول المضطربة ولا تكون مهمشة لأي منها. وأيضا، وأيضا ضامنة لمصالح تلك المكونات في الحاضر والمستقبل. كذلك من أجل الإسهام في الإقدار على إجراء الانتخابات الديمقراطية، والتفكير والتدبير الرؤيوي والمتبصر والمنتج في آن بشأن إعادة الاعمار، وإعادة بناء الجيوش الوطنية، وتأمين حدود الدول، والإنجاز التجريبي للحكم الصالح والرشيد”.

وقال: “لا شك أن هذه كلها عملية هائلة وشديدة العسر وطويلة المدى، كما تدل عليه التجارب في أكثر من منطقة في العالم، لكن الرهان عليها لا بديل عنه، لأنه متعلق ببقاء الدول، وباستمرار عيش الناس والحفاظ على كرامتهم، وإنسانيتهم، وانتمائهم العربي.
إن الموضوعين الرئيسيين إذن للتضامن العربي هما: أولا، استنقاذ الدولة الوطنية واستعادة الثقة بها وضمان سيادة الحكم الصالح والرشيد فيها والتأكيد على الالتزام بمبادئ القانون والنظام، وثانيا، إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين. وهما عاملان رئيسيان في صنع الاستقرار. بل إن الاستقرار لا يمكن تصوره بدون الوصول إليهما.
ولا شك أن التمهيد الجوهري لما نحن بسبيله هو تقوية العمل العربي المشترك، بعد أن كادت الجامعة العربية تهلك، تحت وطأة النزاعات والانقسامات.
إن هذا يوصلنا إلى العوامل الأخرى لاستعادة الاستقرار، وإعادة بناء الدولة الوطنية العربية، وهي أمور ضرورية. وتأتي ضرورتها من أنها هي التي تثبت الاستقرار، وتفتح الآفاق لمستقبل آخر لدولنا ومجتمعاتنا العربية. وأقصد بذلك ثلاثة أمور: بناء دولة القانون والمؤسسات والمشاركة السياسية، وتوفير العدالة الاجتماعية بالتنمية وحكم القانون، وتطوير أنظمة التربية والتعليم، وتجديد الخطاب الديني”.

وأردف: “يتصل الأمر الأول مباشرة بالمواطنة وحقوقها وأولوياتها وآلياتها. فالإحساس بالأمن والمساواة أمام القانون، وصون الحقوق الأساسية، كل ذلك يحقق استقرارا يستعصي على التصدع، وبخاصة إذا اقترن بالسعي الحثيث لإحقاق عدالة اجتماعية من طريق النمو والتنمية المستدامة، والاصغاء للحاجات المتنامية للفئات الاجتماعية الأكثر فقرا وعوزا. فلو نظرنا، إلى الاضطرابات التي حدثت في المنطقة العربية في السنوات الماضية، لوجدنا بين أسبابها البارزة: الاجتماع على المظالم، والمعاناة من الفقر والعوز وتفشي الفساد السياسي وغير السياسي وتردي مستويات الإنتاجية والإنجاز. وعندما يحدث الاضطراب، يصبح أمر استمراره أو توقفه رهنا بردود فعل السلطات، ووجود فئات داخلية وخارجية تريد استغلاله لمصالحها وأهدافها. وكثير من تلك المشكلات، وباعتقادي، كان يمكن تلافيها بسيادة حكم القانون وبالانفتاح وتعزيز المشاركة، وبالإصغاء للحاجات التنموية لكافة المناطق ولكافة المكونات الاجتماعية وبالتصدي الصحيح المستمر والمتناسق لعوامل الفساد والعمل على وقف التراجع في معدلات النمو والتنمية المناطقية، وبالتالي العمل نحو الانتقال المثابر إلى مرحلة النمو والتنمية المستدامة.
أما الأمر الثاني، فيشمل الابعاد التربوية والتعليمية والثقافية. هناك تقصير كبير وعدم تكافؤ هائل في التعليم بل وترد في نوعية مخرجاتنا التعليمية في الكثير من الدول العربية. ولذلك يبرز مدى إلحاح الحاجة إلى توسيع فرص التعليم وتحسين جودته في معظم الدول العربية، وبخاصة في بلدان الاضطراب الحالية. الحقيقة أنه قد أصبح الخروج من هذه الحالة صعب وصعب جدا، ويكاد يضاهي في صعوبته عمليات إعادة الإعمار. إنما لا مخارج ممكنة من المعاناة وانسداد الأفق إلا بتطوير التعليم الذي صار أساسيا في نهوض المجتمعات والدول، والذي يكون على الدول العربية القيام به هو العمل على تطوير التعليم بطرائقه وأدواته وغاياته وإتاحته للجميع والتأكد من جودته وتلاؤمه مع حاجات إيجاد فرص العمل الجديدة للأعداد الكبيرة من الشباب، ومع حاجات الاقتصاد في حاضره والإعداد لمقتضيات تطوره المستقبلي.
الأمر الثالث ويتعلق بالعمل من أجل حض المؤسسات الدينية على الاهتمام بتجديد الخطاب الديني، الذي يركز ويشجع على العلم والتعلم ويؤكد على ثقافة العمل والإنتاج. ويشجع أيضا على التفكير النقدي في مجتمعاتنا من أجل تغيير الرؤية للعالم لدى أجيالنا القادمة والعمل على تصحيح المفاهيم التي جرى تحريفها، والحؤول دون نشوء أجيال جديدة على التطرف وعلى معاداة دولنا الوطنية والانشغال بنشر العنف في العالم. وبالتالي العمل على إيضاح مساوئ العنف بالداخل وتجاه الخارج، وتوضيح تأثيرات ذلك على الاستقرار، وعلى صورة الإسلام في العالم”.

وختم السنيورة: “إن السبيل الوحيد، وهو بنظري السبيل الصحيح، هو في عدم الاستكانة وعدم اليأس وعدم القبول بانكسار إرادتنا ولا انكسار إرادة الأمة، أو القبول بالتحول إلى السلبية والعنف القاتل. فعلى مدى تاريخنا الماضي والحاضر لم يكن الأمل وحده وعلى أهميته الكبرى، هو ما كنا نحتاجه وكنا نعود إليه وننتصر به ومعه، في مواجهة المحن والأزمات. إن الذي كان نصيرنا في الماضي وسيكون نصيرنا الآن وفي المستقبل هو الشجاعة في مواجهة الحقيقة، وفي استخلاص الدروس الصحيحة لفشلنا وتقاعسنا وفي العودة إلى تصويب بوصلتنا نحو ما يجب أن نقوم به. وبالتالي في العمل على تزخيم تلك الإرادة الصامدة والثابتة والمثابرة في مجالاتها حتى يتم لنا ما نريد وتريده شعوبنا العربية.
ويكون ذلك حتما بالعودة إلى العروبة المستنيرة والمنفتحة وبالإصرار على انتمائنا العربي الجامع وأولوية قضيتنا الكبرى فلسطين. وعلى أساس الاعتراف المتبادل بعضنا ببعض والابتعاد عن سياسات التدخل والسيطرة، والتقدم على مسارات الإصلاح، وكذلك التكامل والتعاون الاقتصادي، وتعزيز المصالح المشتركة بين دولنا وشعوبنا العربية، وتعزيز التعاون الأمني بين الدول العربية بعضها مع بعضها الآخر، بما يسهم أيضا في استعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة العربية، ويعزز مناعة المنطقة في وجه التدخلات الإقليمية والدولية”.