جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / السنيورة : هناك استعصاء وإصرار على أن تكون الحكومة العتيدة تكنوسياسية
السنيورة

السنيورة : هناك استعصاء وإصرار على أن تكون الحكومة العتيدة تكنوسياسية

اعلن الرئيس فؤاد السنيورة في حوار مع جريدة “الدستور” المصرية، “انه ومنذ اتفاق الدوحة الذي حصل بعد اجتياح “حزب الله” لمدينة بيروت، فقد لجأت الأحزاب اللبنانية إلى اعتماد أسلوب جديد في إدارة الحكم في لبنان وهو أسلوب الحكومات الائتلافية. هذا النوع من الحكومات هو ظاهرة موجودة في الأنظمة الديمقراطية في العالم. ولكنها ظاهرة استثنائية في النظام الديمقراطي. وهي يتم اللجوء إليها في ظروف استثنائية وعندما تواجه الدولة مأزقا معينا (مشكلات كبيرة، حروب، وباء، فيضان). مشكلات من هذا القبيل، عندها يصار الى اللجوء لتأليف الحكومات الائتلافية وبالتالي تجتمع غالبية الأحزاب الأساسية في حكومة واحدة. وهي حكومة موقتة لتعالج مشكلة محددة ولتستقيل بعدها. وعند ذلك تعود الأمور إلى طبيعتها أي إلى ما ينبغي ان تكون عليه الحكومات في النظام الديمقراطي، وذلك بأن تكون هناك أكثرية تحكم وأقلية تعارض”.

وقال السنيورة: “هناك حاجة حقيقية إلى حكومة من اختصاصيين مستقلين نزيهين في علاقاتهم مع الدولة ومع المواطنين وهؤلاء كثيرون. وبالتالي فإن القيام بتأليف مثل هذه الحكومة المؤلفة من الاختصاصيين المستقلين هي حالة استثنائية مثلها مثل الحكومات الائتلافية التي هي أيضا حالة استثنائية”.

واضاف: “أن “حزب الله” لم يقدم المثل الصالح بأدائه خلال السنوات الماضية على انه يحترم الصيغ التي يتم التوافق عليها، وذلك كما جرى في حكومات الائتلاف الوطني. فلقد تم التوافق بين الجميع في تلك الحكومات السابقة على احترام صيغة النأي بالنفس عن الخلافات العربية. كذلك كان قد صدر إعلان بعبدا في إحدى جلسات الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان وتم التوافق ما بين الجميع بمن فيهم “حزب الله” إصدار إعلان بعبدا لجهة تحييد لبنان عن تلك الصراعات. لقد كان “حزب الله” أول من تنكر لذلك الإعلان ولتلك الصيغة. برأيي انه ينبغي على “حزب الله” العودة إلى احترام تلك القواعد. وباعتقادي أنه بناء على ذلك لربما يمكن التقدم على مسارات إعادة جسور الثقة مع الفرقاء كافة”.

وردا على سؤال حول موقف الرئيس الحريري مما يجري الآن في لبنان؟ اجاب: “الرئيس الحريري وبعد محاولات عديدة قام بها من أجل اقناع جميع الأطراف المعنيين بان الوسيلة الوحيدة للخروج من هذه المآزق والمشكلات المتراكمة والمتفاقمة هي في الإقرار أولا بوجودها في لبنان. وبالتالي العمل على التجاوب مع مطالب شباب وشابات الانتفاضة الشعبية. إلا أنه وعلى ما يبدو ليس هناك من نية حقيقية حتى الآن لدى المعنيين في التجاوب مع مطالب أهل الانتفاضة. كذلك لا يبدو أن هناك استعدادا لسلوك الطريق الذي يؤدي الى القيام بالإصلاحات الحقيقية التي كان وما يزال يحتاجها لبنان. وبرأيي أن طريق الإصلاح هي الطريق الوحيدة التي تأخذ لبنان واللبنانيين نحو استعادة الثقة ما بين المواطنين اللبنانيين وبين دولتهم، وبينهم وبين المجتمع السياسي في لبنان. فالشباب والشابات من أهل الانتفاضة يطالبون بحكومة يكون أعضاؤها من غير الحزبيين. وبرأيي أن هذا الشرط يجب أن لا يسري على رئيس الحكومة العتيدة الذي ينبغي ان يكون سياسيا له تجربة في الحكم وفي العمل السياسي. والسبب في ذلك يعود لطبيعة الحكم في لبنان الذي ليس نظاما رئاسيا بل هو نظام ديموقراطي برلماني.

وتابع السنيورة: “في حقيقة الأمر، لقد أصبح واضحا أن هناك استعصاء وإصرار على أن تكون الحكومة العتيدة حكومة تكنوسياسية. وكذلك إصرار على حشر بعض الأسماء من السياسيين في الحكومة الجديدة. إلى جانب ذلك، عدد آخر من القيود والعراقيل التي لا تأتلف مع ما يشدد عليه أهل الانتفاضة من الشباب ولا تتلاءم مع دقة وحراجة الحالة التي أصبحنا عليها في لبنان. المشكلة أن الإصرار على تلك الشروط مستمر بالرغم من كل المحاولات التي بذلها الرئيس الحريري من أجل إقناع جميع المعنيين ابتداء من فخامة الرئيس، وكذلك مع قادة الأحزاب بأن تأليف الحكومة الجديدة يكون أعضاؤها من الاختصاصيين المستقلين هو الطريق الصحيح الذي يؤدي الى الإخراج التدريجي للبنان من الأزمة الخطيرة التي تعصف به”.

وقال: “لذلك، وفي خضم تلك الشروط والاستعصاءات وجد الحريري نفسه في وضع غير قابل للمعالجة. ذلك ما دفعه إلى العزوف عن قبول اي تكليف. وبالتالي فقد أبدى الحريري أنه ليس مستعدا لان يصار إلى تسميته وبالتالي تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة. لذلك، فإني أرى أن ما وصلت إليه الأمور الآن يدخلنا في نفق مشكلات جديدة في لبنان.

وعن ان المواطن فقد الثقة في الدولة، قال: “لقد فقد المواطنون اللبنانيون الثقة بدولتهم وبالمجتمع السياسي وذلك بسبب الممارسات السياسية الخاطئة وبسبب الاستمرار في اعتماد سياسة الاستعصاء وعدم القبول باعتماد الإصلاحات التي يحتاجها لبنان وهذا على الأقل منذ حوالي 20 عاما. ولقد جرى ذلك بالامتناع عن إجراء الاصلاحات اللازمة التي يحتاجها لبنان واقتصاده وإدارته العامة، وكذلك الإصلاح في سياساته الداخلية والخارجية لمعالجة الخلل الحاصل. وهي بالفعل الإصلاحات التي يحتاجها لبنان لكي يتكيف ويتلاءم مع المتغيرات والتحولات الجارية على أكثر من صعيد محلي وإقليمي ودولي. ليس ذلك فقط، ولكن المشكلة أصبحت تتعدى ذلك، فإنه ومنذ اتفاق الدوحة الذي حصل بعد اجتياح “حزب الله” لمدينة بيروت، فقد لجأت الأحزاب اللبنانية إلى اعتماد أسلوب جديد في إدارة الحكم في لبنان وهو أسلوب الحكومات الائتلافية. هذا النوع من الحكومات هو ظاهرة موجودة في الأنظمة الديموقراطية في العالم. ولكنها ظاهرة استثنائية في النظام الديموقراطي. وهي يتم اللجوء إليها في ظروف استثنائية وعندما تواجه الدولة مأزقا معينا (مشكلات كبيرة، حروب، وباء، فيضان). مشكلات من هذا القبيل، عندها يصار الى اللجوء لتأليف الحكومات الائتلافية وبالتالي تجتمع غالبية الأحزاب الأساسية في حكومة واحدة. وهي حكومة موقتة لتعالج مشكلة محددة ولتستقيل بعدها. وعند ذلك تعود الأمور إلى طبيعتها أي إلى ما ينبغي ان تكون عليه الحكومات في النظام الديمقراطي، وذلك بأن تكون هناك أكثرية تحكم وأقلية تعارض. من الطبيعي أنه من حق الاقلية ان تعبر عن رأيها ومن حقها أن تنتقد وأن تعمل على تصويب الأداء الحكومي. عندها تستقيم الممارسة الديمقراطية للحكم من خلال المساءلة والمحاسبة وإمكانية حجب الثقة.

واضاف السنيورة: “أنا مع فكرة الحكومات الائتلافية ولكن فقط لظروف محددة ولوقت محدد. نحن الآن قد مضى علينا في لبنان أكثر من 11 عام ونحن نعاني من هذه المشكلة المستعصية ونعاني من استمرارها بالشكل وبالأداء الذي شاهدناه في لبنان حتى الآن. ما يعاني منه لبنان اليوم هو في أسلوب التعاون أقرب منه إلى التواطؤ ما بين الاحزاب المشاركة في هذه الصيغة. فهي تتقاسم فيما بينها ومع بعضها بعضا السلطة من أجل أن تحظى بمغانم السلطة. وبالتالي فقدت وتفقد العملية الديموقراطية جوهر وجودها ودورها الحقيقي. لأن تلك الأحزاب تتفق وتتقاسم فيما بين بعضها بعضا مغانم السلطة وان استمروا في الظاهر في توجيه الشتائم والاتهامات نحو بعضهم بعضا ولكنهم وفي الواقع يتوزعون المغانم وذلك على حساب المواطنين وعلى حساب الدولة اللبنانية التي أصبحت عرضة للتناتش وللالتهام والافتراس من قبل الدويلات الطائفية والمذهبية والأحزاب والميليشيات. هذه هي المشكلة التي ادت الى هذا الوضع الذي أصبح عليه لبنان وإلى هذا التردي الذي أصبح يشكو منه الحكم في لبنان. وبالتالي إلى فقدان الثقة لدى المواطنين في الدولة والمجتمع السياسي، وإلى التردي الاداري والاقتصادي والمالي والنقدي ومن ثم إلى تفشي الفساد والإفساد”.

وعن عدم رضى الرئيس الحريري على تشكيل الحكومة قال: “ان الرئيس الحريري طالب بما يعتقده صوابا. وأنا اؤيده في هذا الموضوع. هناك حاجة حقيقية إلى حكومة من اختصاصيين مستقلين نزيهين في علاقاتهم مع الدولة ومع المواطنين وهؤلاء كثيرون. وبالتالي فإن القيام بتأليف مثل هذه الحكومة المؤلفة من الاختصاصيين المستقلين هي حالة استثنائية مثلها مثل الحكومات الائتلافية التي هي أيضا حالة استثنائية. فعند تأليف الحكومة الجديدة من الاختصاصيين المستقلين، فإنها سوف تشكل فرصة للسياسيين الذين يصرون أن يكونوا وزراء في كل حكومة تتألف في لبنان ويصرون على الاحتفاظ بحقائب معينة كي يرتاحوا قليلا ويمارسوا العمل السياسي من خلال وجودهم في مجلس النواب، أي أن يمارسوا عمليات التشريع والانتقاد والرقابة. وهذا ليس إعفاء لدور السياسيين. ذلك يعني أن العمل السياسي لا يقتصر فقط على أن يكون أولئك السياسيون وزراء في الوزارات المختلفة. بل هم يستطيعون أن يمارسوا دورهم في التشريع والرقابة لفترة يستطيع خلالها لبنان من تجاوز أزماته المستعصية بسبب أداء أولئك السياسيين”.

وتابع: “لبنان بحاجة لذلك لأنه يمر بظرف استثنائي. وأنا أشدد على ذلك، ولا سيما وأن تجربة أولئك السياسيين في الحكومات الائتلافية قد أثبتت فشلها بسبب تلك الممارسات التي عانى ويعاني منها لبنان. ولو أن أولئك السياسيون نجحوا في أدائهم لما كان لبنان وصل الى ما وصل اليه اليوم. لبنان اليوم يواجه حالة من الفشل والغريب أن أولئك الذين فشلوا يريدون أن يجبروا لبنان واللبنانيين مرة اخرى على ان هم وحدهم الجديرون بأن يتولوا أمور إدارة لبنان واللبنانيين. ولا أعتقد أن من مصلحة الجميع أن يصار إلى تكرار تلك التجارب المريرة”.

وعن دور إيران و”حزب الله” في لبنان، اجاب: “اعتقد ان “حزب الله” متوجس من هذه الصيغة وذلك كما يقول هو. وأظن ان توجسه يزداد بسبب ما يجري الآن في العراق وإيران. إلا أنه ومن جهة أخرى دعني أقول لك أن “حزب الله” لم يقدم المثل الصالح بأدائه خلال السنوات الماضية على انه يحترم الصيغ التي يتم التوافق عليها، وذلك كما جرى في حكومات الائتلاف الوطني. فلقد تم التوافق بين الجميع في تلك الحكومات السابقة على احترام صيغة النأي بالنفس عن الخلافات العربية. كذلك كان قد صدر إعلان بعبدا في إحدى جلسات الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان وتم التوافق ما بين الجميع بمن فيهم “حزب الله” إصدار إعلان بعبدا لجهة تحييد لبنان عن تلك الصراعات. لقد كان “حزب الله” أول من تنكر لذلك الإعلان ولتلك الصيغة. برأيي انه ينبغي على “حزب الله” العودة إلى احترام تلك القواعد. وباعتقادي أنه بناء على ذلك لربما يمكن التقدم على مسارات إعادة جسور الثقة مع الفرقاء كافة”.

السؤال هنا، كيف نطمئن “حزب الله”، أقول بان هذه الحكومة المؤلفة من اختصاصيين بالإمكان ان يكون فيها أصدقاء ل”حزب الله” من الاختصاصيين، وبالتالي يمكن ان يطمئن “حزب الله” لوجود تلك الشخصيات. هذا مع العلم بأن “حزب الله” لديه مع حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” والأحزاب الصغيرة الأخرى إمكانية إسقاط الحكومة العتيدة إذا اراد وان يسحب منها الثقة. وبالتالي فإن الامر ليس مستصعبا للتوصل إلى بعض المخارج. المشكلة التي يجب ان يعترف بها الجميع أن هذا الوضع الذي وصل إليه لبنان يشكل حالة متفلتة من أي ضوابط، وذلك يؤدي إلى تعريض لبنان واللبنانيين لمخاطر هائلة إذا لم يتم تدارك تلك المشكلات والمخاطر”.

وتابع السنيورة: “لقد انتفض أولئك الشباب وهم شكلوا بانتفاضتهم أهم مبادرة نهضوية لنشوء دولة المواطنة في لبنان. ماذا كان الجواب من “حزب الله” على ذلك؟ لقد لجأ “حزب الله” بداية لاتهام هذه الحركة الشبابية ساعة بالخيانة وأخرى بالعمالة. وفي المقابل، عبرت تلك الانتفاضة عن نفسها بتلك المواقف الواضحة بأن اللبنانيين حرصاء على الخروج من مربعاتهم الطائفية والمذهبية إلى الفضاء الرحب للوطن. فكان أن لجأ هو وغيره من الأحزاب الطائفية إلى العنف لكي يدفع اللبنانيين مرة جديدة إلى مربعاتهم الطائفية. هؤلاء الشباب أكدوا على أن المواطنين في لبنان يريدون الخروج من تلك المربعات الطائفية والمذهبية إلى فضاء الوطن الرحب ويريدون أن يحصلوا على حقوق المواطنة في دولة المواطنة. باعتقادي أن هذه الانتفاضة هي أفضل واهم الظواهر التي مر بها لبنان منذ مئة عام”.

واضاف: “اللبنانيون كانوا دائما ضحايا لأولئك السياسيين وتلك الأحزاب الطائفية الذين عملوا ويعملون على حشر اللبنانيين في مربعات طائفية ومذهبية. كما أن أولئك السياسيون يخوفون اللبنانيين من الآخر وبالتالي يدفعونهم الى حالة من التطير من شركائهم في الوطن. هؤلاء الشباب قالوا كلمتهم بأن هذه الممارسات أدت إلى هذا التردي في إدارة الشؤون العامة في لبنان وهم يطلبون ان يصار إلى التعامل مع المواطنين اللبنانيين على أساس أنهم مواطنون لهم حقوق يجب ان تحترم بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو المذهبية. مسيحيين كانوا أو مسلمين. موارنة أو سنة أو شيعة، جميعهم مواطنون. واتفاق الطائف ينص على هذا الامر، ويبين في كيفية التحول الى دولة المواطنة. وبناء على ذلك، يطالب الشباب بالعودة الى الاصول التي غادرتها تلك الأحزاب الطائفية والسياسيون المتعصبون”.

“لقد جرى التنكر للقانون وللدستور ولاتفاق الطائف ولاستقلالية القضاء ولمصلحة الدولة التي ينبغي ان تحترم والتي ينبغي أن تكون هي السلطة الوحيدة في لبنان. كما تم التنكر أيضا لمبادئ إعادة الاعتبار للكفاءة والجدارة في تحمل المسؤوليات في الدولة اللبنانية. السياسيون يتوجسون مما يقترحه الشباب من أهل الانتفاضة لأنهم اعتادوا على تحويل الدولة الى مزارع يحققون المكاسب على أنواعها. ويستفيدون منها ويداوموا على استمرار بقائهم استنادا إلى مجموعة المصالح التي بنوها، ولا سيما أنهم حولوا علاقتهم مع المواطنين إلى علاقات زبائنية يتعاملون معهم ويقدمون لهم الخدمات، التي يفترض بها ان تقدمها الدولة لهم من دون منية. إلا أنهم يمننونهم بها لكي يسترهنونهم ويعززون تلك العلاقة التي ينشئونها معهم على هذا الأساس لاستدامة انتخابهم ووجودهم”.

وسئل انه من الممكن ان تتحول في لبنان الى حرب أهلية؟ اجاب: “أعتقد أن هناك البعض ممن يرددون تلك المخاوف. ولكن يجب أن نعلم أنه وباستثناء “حزب الله” لا أحد يملك السلاح بما يمكنه من شن الحروب، واللبنانيون لا يريدون اللجوء مرة جديدة إلى السلاح. وهم قد أيقنوا ان هذه الطريقة لا تؤدي الى أي نتيجة، بل تؤدي الى المزيد من التدمير للبنان. فلبنان ومنذ 45 سنة وهو يعاني من حروب تشن عليه من الخارج، وكذلك من حروب داخلية، أي منذ سنة 1975. وهو قد تعرض الى اجتياحات اسرائيلية عديدة في الأعوام 1978- 1982- 1993- 1996- 2006، وإلى احتلالات إسرائيلية. ناهيك عن التهديدات المستمرة التي يتعرض لها لبنان من إسرائيل. ذلك إلى جانب الدمار الذي لحق بلبنان واللبنانيين نتيجة الحروب الداخلية والى سيطرة الاحزاب وتسلطها وكذلك إلى ما نتج عن الوجود السوري في فترة ماضية. ذلك إضافة إلى ما ألحقه الاحتلال الإسرائيلي بلبنان من دمار وخسائر وهو الذي أطبق على لبنان لسنوات طويلة ومايزال. كل ذلك أدى الى إنهاك لبنان واللبنانيين وإنهاك الاقتصاد اللبناني والحد من قدرته على الصمود في وجه الصدمات. ومع كل ذلك حاول اللبنانيون وبأقصى ما يستطيعونه من اجل ان يبقى لبنان صامدا ويتخطى الازمات المنهالة عليه. إلى ان جاءت هذه الازمة الأخيرة التي انبثق عنها هذا البارق من النور الذي ظهر من خلال أولئك الشباب اللذين عبروا عن مواقفهم في هذه الطريقة الواضحة والصريحة والتي اعتقد أنها من اهم ما جرى في لبنان خلال المئة عام الماضية”.

وعن امكانية استمرار هذا الفراغ السياسي، قال: “كلا، ولكن ما يمكن تحقيقه اليوم بكلفة معينة لا يمكن تحقيقه بذات الكلفة غدا. أي ان الأمر سيكون أكثر كلفة وأشد ألما كل يوم نتأخر فيه عن اعتماد الحلول الصحيحة. وهذا ما يجب على الجميع ان يتبصر به”.

وسئل عن ان هناك اجندات خارجية داخل المشهد اللبناني الحالي كما يقول البعض؟ اجاب: “أقول هنا امرا مبدئيا، هو ان الله يقول في القرآن الكريم: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. الأمر هو لدى اللبنانيين وفي تمكينهم وإقدارهم، وكذلك حرصهم على أن يتولوا شؤون امورهم من دون تدخلات الآخرين، وان لا يعتمدوا أو يراهنوا على تدخلات الآخرين. هذه الصورة الوطنية أعطاها أولئك الشباب كصورة ناصعة ونموذجا جيدا لكيفية العودة الى ما فيه مصلحة لبنان والى ما هي مصلحة جميع المواطنين. وذلك في ان يكون لدى اللبنانيين حكم رشيد وحوكمة صحيحة وتنبه الى مصلحة لبنان وحرص عليها. وكذلك تآلف صحيح فيما بين جميع المكونات اللبنانية ومع العالم العربي لان لبنان جزء من هذا العالم العربي. بالتالي يجب أن تكون سياسات لبنان الخارجية مبنية على تعزيز هذه المصالح ومستندة إلى هذه الأسس”.

وعن قبوله رئاسة الحكومة اذا عرضت عليه، قال: “بالنسبة لي، هذا أمر طويته، وأنا أرشح الرئيس الحريري. وهو قد اعتذر. والآن علينا ان ننتظر لنرى ماذا سيقول النواب. لأن لهم وحدهم الصلاحية حسب الدستور في ان يسموا من يقترحونه لتولي هذه المسؤولية. علينا ان نعود الى الكتاب الذي هو الدستور الذي ينظم علاقات الناس والدول فيما خص علاقاتها مع شعوبها. هذا ما ينبغي ان يقوم به رئيس الجمهورية وهو الذي تلكأ حتى الآن عن القيام بذلك وهو يخالف الدستور ويعمد الى محاولة اضاعة الوقت في هذا الشأن من أجل ان يصل الى تركيبة حسب ما يراها هو وهذا ما لا يتيحه له الدستور القيام به. بل عليه ان يبادر الى اجراء الاستشارات النيابية الملزمة. وان يقوم بها ويحترم نتائجها. وهذا الامر يتوجب على فخامة الرئيس أن يقوم به الآن. لبنان أحوج ما يكون الآن إلى هذا الدور الذي ينص عليه الدستور لما يستطيع ويجب ان يقوم به فخامة رئيس الجمهورية. هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، وهو فوق كل السلطات وعليه ان يتصرف بهذا الشكل. ما نتمناه ان يكون الجميع قد استوعبوا هذه الدروس الهامة والخطيرة الآن وهذا ما نتمناه.

وعن موقفه من تحالفات (وزير الخارجية) جبران باسيل في الوقت الحالي وخصزصا بعد اقتراح اسم الوزير الصفدي، اجاب: “أنا اعتقد أن الشعب اللبناني عبر عن رأيه بالوزير جبران باسيل وبما يقوم به تعبيرا صادقا وصريحا وربما مسفا. والإسفاف هنا غير مقبول. ولكن اللبنانيين عبروا عن حنقهم وغضبهم وعدم رضاهم عن الأساليب التي يتبعها (الوزير) جبران باسيل في ممارسته السياسية. أما بالنسبة للوزير الصفدي، فقد آثر هو الانسحاب من هذه المعمعة السياسية”.

وفي الختام وجه رسالة للمواطن اللبناني، تمنى فيها “أن يظل لبنان حريصا على دوره وبأن يستمر في كونه لبنان الرسالة التي تحدث عنها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. فلبنان هو رسالة ليس فقط لأبنائه بل لمحيطه العربي وأيضا للعالم. رسالة العيش المشترك والاعتراف بالآخر وقبوله. هذا هو لبنان، ولبنان جزء من هذا العالم العربي الذي ينتمي إليه. وعلى لبنان أن يعطي هذا النموذج الصحيح في ممارسة العيش المشترك لدى الجميع والتي يجب ان يحافظ عليها. وينبغي على الحكومة اللبنانية أن تؤكد في ممارستها للحكم على قواعد الحوكمة والحكم الرشيد لإدارة الشؤون العامة. وكذلك على القيام بالإصلاحات التي تجعل لبنان مواكبا لحركة العالم من حوله. هذه هي الطريق الوحيدة لاستعادة الثقة بين اللبنانيين ومع حكوماتهم ودولتهم ومجتمعهم السياسي”.