جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / الضريبة الأقسى لم يشعر بها الناس بعد
المجلس الأعلى للدّفاع- الحكومة ملتزمة تحرير الأراضي اللّبنانية كافّة

الضريبة الأقسى لم يشعر بها الناس بعد

قد تكون تداعيات السلّة الضرائبية التي فرضتها الحكومة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب مقبولة على مستوى الاسعار التي لا يمكن القول انها ارتفعت بنسب دراماتيكية، ولو ان كل زيادة، مهما كانت بسيطة، تؤذي ذوي الدخل المحدود. لكن «الضريبة» الحقيقية التي «تقطع الظهر»، ولم تظهر تداعياتها بوضوح حتى الان، هي تلك المتعلقة بالاقساط المدرسية.
تعرف الحكومة، أو هكذا يُفترض، ان قرار ارسال الاولاد الى المدرسة الخاصة لا يرتبط بالترف، ولا هو مجرد اختيار شخصي بين مدرسة رسمية ومدرسة خاصة. بل ان اختيار المدرسة الخاصة، والموافقة على تحمّل الاعباء المالية، هو قرار بين الفشل والنجاح. وهذه هي الحقيقة مهما حاول البعض التنظير وتجميل الواقع بالماكياج.

المدرسة الرسمية فاشلة، حتى لو تخرج منها عباقرة يحتلون المراتب الاولى في الامتحانات الرسمية، والمدرسة الخاصة ناجحة، حتى لو مرّ فيها تلامذة فاشلون. انها مسألة قاعدة عامة لا تلغيها الاستثناءات، بل انها الاستثناءات التي تؤكد القاعدة.

كم مرة سمع المواطن خطابات سياسية تتحدث على ضرورة دعم التعليم الرسمي ليصبح موضع ثقة المواطن. هذه الخطابات والمطالبات لا تصنع نجاحاً عاماً في التعليم الرسمي، تماما كما ان فشل بعض المدارس الخاصة التجارية، لا يصنع فشلا عاما في قطاع التعليم الخاص.

تستطيع الحكومة اليوم أن تكرّر ما يقوله المسؤولون المتعاقبون منذ عشرات السنين حول ضرورة دعم التعليم الرسمي وتحويله الى قطاع ناجح يضاهي التعليم الخاص. وتستطيع الحكومة ان تدّعي ان هذا هو الحل الوحيد لأزمة التعليم، لكن هذه الادعاءات لا تصنع نجاحاً.

تعرف الحكومة بلا شك ان الطبقة الوسطى ليست وحدها من يتحمّل اعباء ارسال الاولاد الى المدرسة الخاصة، بل ان قسما كبيرا ممن يمكن تصنيفهم فقراء يختارون التعليم الخاص، وبعضهم يحرم نفسه من ادنى مقومات الحياة من اجل ارسال اولاده الى مدرسة تضمن مستقبلهم بشكل أفضل. آخرون يبيعون ارضا ورثوها اباً عن جِد من اجل تعليم الاولاد.

وهذا يعني ان ضريبة الاقساط المدرسية هي أقسى ضريبة فُرضت على المواطنين جراء السلسلة. حتى لو سلمنا جدلاً بأن كل من يختار التعليم الخاص على اساس انه افضل من التعليم الرسمي وأضمن لمستقبل الاولاد مخطئ، فمن واجب الدولة ان تراعي هذا الخطأ، وتتعاطف مع مواطن يبيع بيته من اجل تعليم اولاده.

هل تكافئ الدولة هذه التضحية التي يُقدِم عليها اللبناني، بأن تفرض عليه بطريقة غير مباشرة ضريبة تعليم اضافية تتراوح حسب المؤشرات القائمة، بين 30 و40 في المئة زيادات على الاقساط؟

هذا الموضوع يحتاج معالجة، ولا يمكن تحميل الناس هذا العقاب المدمّر.

لكن المشكلة هنا، ان الجهة التي يطالبها الناس بالانصاف، أي الدولة، هي الجهة نفسها التي فقدت مصداقيتها في عيون الناس وفرّطت في سمعتها. وهنا نسأل: كيف للدولة أن لا تفقد سمعتها اذا كانت بعض الوزارات تصدر القرارات في المساء وتتراجع عنها في الصباح.

مثالٌ على ذلك، مسألة الفاليه باركينغ التي شغلت الناس. مَنّنت بعض الوزارات الناس بأن تعرفة الفاليه صارت مُراقبة ومُحدّدة بخمسة الاف ليرة فقط. لم تلتزم الشركات بالقرار. في البداية، كان العذر ان القرار لم يُنشر في الجريدة الرسمية.

وبالمناسبة، اخذ نشر هذا القرار على غير العادة وقتا طويلا قبل ان ينشر وكأن المقصود التراجع عن القرار من دون الاعلان عن ذلك. لكن، وبعد وقت طويل نُشر القرار وتنفس المواطن الصعداء ليفاجأ في اليوم التالي بأن القرار تغيّر وصارت تعرفة الخمسة الاف غير مُلزمة في بيروت، وبالتالي بقيت تعرفة العشرة آلاف على حالها.

ونحن نسأل لماذا هذا الاستثناء. اذا كان الاستثناء مبرراً فعلاً، من خلال وثائق قدمها اصحاب شركات الفاليه في العاصمة، لماذا لم يؤخذ هذا الواقع في الاعتبار قبل إصدار القرار بدلا من صورة التخبّط التي ظهرت بها الدولة بعد التراجع عن قرارها.

نموذج آخر للتخبّط وتشويه السمعة. أصدرت الوزارات المعنية قرارا بتوحيد تعرفة مولدات الكهرباء، ومراقبة الفواتير لحماية المواطن من خلال فرض تركيب عدادات على كل المولدات. وحددت مهلة زمنية لبدء التطبيق.

ماذا كانت النتيجة؟ فئة من اصحاب المولدات نفذت القرار وركّبت العدادات. فئة اخرى لم تلتزم ورفضت تنفيذ القرار. ماذا فعلت الوزارات المعنية؟ ببساطة قررت ان من ركّب عدادا لمولده عليه ان يصدر فواتيره حسب العداد. ومن تمرّد على القرار يستطيع ان يصدر فواتيره كما كان يفعل في السابق.

وصارت وزارة الطاقة مضطرة اليوم الى اصدار تعرفتين بدلا من الواحدة. والادهى ان الوزارات المعنية فتشت عن تبرير لتخبطها من خلال القول ان المسألة تقنية وانه تبين لها انه لا يوجد عدد كاف من العدادات في السوق لتركيبها على كل المولدات. عذرٌ أقبح من ذنب.

وهنا يعود السؤال نفسه الذي طُرح في موضوع الفاليه باركينغ. أولم يكن من الأجدى دراسة الملف ومعرفة عدم وجود عدادات كافية قبل اصدار القرار وعدم تطبيقه وفقدان السمعة.

مع الاشارة الى ان مسألة توفر العدادات غير مُقنعة، لأن الناس سمعوا جميعاً اصوات بعض اصحاب المولدات، وقد جاهروا بأنهم يرفضون القرار ويرفضون تطبيقه. انها مهزلة تقود الى نتيجة واحدة : الدولة فقدت سمعتها، ولا شيء يعوّض هذه الخسارة.

(الجمهورية)