جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / المؤسسات العامة تتحلّل بفعل الأزمة وتضع الكيان في مهب التلاشي
31

المؤسسات العامة تتحلّل بفعل الأزمة وتضع الكيان في مهب التلاشي

 
كتبت باسمة عطوي في “نداء الوطن”:

إثنا عشر قطاعاً حيوياً أصابها التعطيل بشكل كلّي أو جزئي والمستمرة منها فـ «بطلوع الروح»

كثيرة هي المؤشرات التي تدل على تحلّل المؤسسات العامة في لبنان، بفعل الإنهيار الذي بدأت معالمه منذ العام 2019، وهو مستمر لدرجة أنه يهدد وجود الكيان اللبناني ككل، في ظل عدم مبادرة أهل السلطة إلى اتخاذ إجراءات تطوّق هذا الإنهيار وتضع البلاد على سكة التعافي. بل على العكس أدارت الطبقة السياسية منذ بداية الأزمة أذنها الطرشاء، لكل التحذيرات الدولية والنداءات الداخلية، بأن ما يحصل يفوق القدرة على الصمود، وأن كلفة التحلل الحالي والإنهيار الآتي، باهظة جداً على اللبنانيين في معيشتهم، لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.
عند رصد التحركات والإضرابات الحاصلة، منذ بداية العام الحالي في قطاعات رسمية تسيّر شؤون اللبنانيين، نجد أن الواقع المرير الذي تعيشه هذه القطاعات اليوم، لم تشهده حتى في سنوات الحرب، ولم يُصبها الشلل الذي أصابها منذ بدء الأزمة الاقتصادية، حتى في زمن القصف وانقسام البلد إلى شطرين. والادلة عديدة منها إعلان قيادة الجيش في حزيران العام 2020، عن إلغاء اللحوم من وجبات جنودها لعدم قدرتها على تغطية كلفة نفقاتها، والتظاهرات المتكررة التي نظمها مرضى السرطان، بسبب عدم توفر الدواء في وزارة الصحة، وذوو الاحتياجات الخاصة بسبب عدم دفع وزارة الشؤون الإجتماعية المستحقات للمؤسسات التي تُعنى بهم. وفي آب الماضي تبلّغ لبنان تجميد عضويته في منظمة الجمارك العالمية، بسبب عدم دفع المستحقات المتوجبة عليه.

قبل الاضراب الحاصل في القطاع العام والجسم القضائي حالياً، كانت هذه المؤسسات عاطلة عن العمل منذ اندلاع الازمة. ومنها مؤسسات على تماس مباشر بقضايا المواطنين، لا سيما الضمان الصحي والمستشفيات الحكومية، ودوائر تسجيل السيارات والدوائر العقارية والأحوال الشخصية، ومصالح المياه وإدارات الكهرباء. واختصر الموظفون حضورهم إلى مكاتبهم ليصبح يومين في الأسبوع. أما الخدمات الضرورية لتسيير المرفق العام، من الكهرباء وأوراق وأحبار وقرطاسية، فهي غائبة في معظم الإدارات، والتقنين في المازوت لا يسمح بتشغيل المولدات. حتى إخراجات القيد كانت نادرة في الفترة السابقة، والطوابع المالية بعد أن انقطعت لفترة وُجدت، ولكن بسعر مضاعف وبالتقنين.

وبناءً على كل ما تقدم يُمكن رصد مظاهر التحلل والتلاشي، في 11 مؤسسة وقطاعاً عاماً مدنياً وعسكرياً، تشكل هيكل الدولة اللبنانية، وتنذر( في حال بقي الوضع على ما هو عليه)، بأنه سيسقط على رؤوس اللبنانيين أولاً، والسياسيين ثانياً علماً أن أداءهم «الاحتيالي»، مسؤول عن كل الويلات الاقتصادية التي نعيشها اليوم.

1 – الإدارة العامة والإضراب

منذ 13 حزيران الماضي، ينفذ حوالى 30 ألف موظف إضراباً مفتوحاً، للمطالبة بتصحيح رواتب القطاع العام وزيادة قيمة التقديمات الاجتماعية. ويبلغ عدد موظفي القطاع العام حوالى 320 ألفاً، موزّعين على الوزارات والمستشفيات الحكومية، والجامعة اللبنانية والمؤسسات العسكرية والأمنية.

وبغض النظر عن أحقية مطالبهم، فإن أضراراً فادحة تطال مصالح المواطنين نتيجة هذا الاضراب، والشلل الذي أصاب مختلف إدارات الدولة ومؤسساتها، بالاضافة الى ضرر في مصالح الدولة أيضاً التي ستتراجع إيراداتها بشكل أكبر وأسرع، علماً أن هذه المؤسسات لم تكن بكامل إنتاجيتها في الأساس قبل هذه الأزمة. بمعنى آخر الادارات العامة ومؤسسات الدولة، هي القاطرة الاساسية للإقتصاد. وعندما تعمل كما هي الحال اليوم بنسبة لا تتخطى الـ 5 في المئة، سيكون لهذا الأمر تداعيات كثيرة أهمها المساهمة في الركود الاقتصادي، لا سيما أن كل الرخص والمعاملات الإدارية، الخاصة بالمواطنين يجب أن تمر بالإدارات العامة.

كما أن شلل الإدارات والمؤسسات العامة، يؤثر على حسن سير البنى التحتية، من كهرباء ومياه وإنترنت، فكلما تراجعت هذه القطاعات، شكّل ذلك مزيداً من اختناق القطاع الاقتصادي في البلاد. وبحسب تقارير شركة «الدولية للمعلومات»، فإن كلفة الخسائر المباشرة يومياً تبلغ 12 مليار ليرة (حوالى 480 مليون دولار)، فضلاً عن الخسائر غير المباشرة على القطاع الخاص والحركة التجارية. وتشير تقديرات نقابية إلى خسائر تراوح قيمتها بين 100 و150 ألف دولار يومياً، بسبب التأخير في تخليص معاملات البضائع العالقة في الحاويات داخل مرفأ بيروت، جرّاء الإضراب.

2 – قطاع الكهرباء

العتمة الشاملة، تجربة اختبرها اللبنانيون أكثر من مرة على مدى العامين الماضيين، بسبب توقف معامل مؤسسة كهرباء لبنان، عن الانتاج لنقص في الفيول وعدم وجود إعتمادات مالية تسمح بشراء شحنات إضافية. ويمكن القول إن أبرز المؤشرات على انهيار المؤسسات العامة، هو قطاع الكهرباء الذي كلّف خزينة الدولة نصف العجز المالي الاجمالي للبلاد، بحسب تقرير صدر في تموز الماضي عن البنك الدولي تحت عنوان: «مخطط بونزي يتسبب بمعاناة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة للشعب اللبناني».

ويُظهر التقرير أن تحويلات وزارة المالية الى مؤسسة كهرباء لبنان، تراوحت في الفترة ما بين 2016-2019، بين 924 مليون دولار و1.66 مليار دولار سنوياً. واعتباراً من العام 2020، بلغ العجز التراكمي الناتج عن كهرباء لبنان 40 مليار دولار، وذلك عائد الى ارتفاع تكاليف التشغيل مقابل الايرادات المنخفضة.

ويشرح التقرير أن النقص المزمن في الاستثمارات، في قدرات الإنتاج الإضافية وارتفاع خسائر الشبكة، أدى الى تقييد مؤسسة كهرباء لبنان وعجزها عن تلبية الطلب على الطاقة في البلاد، واعتمدت سياسة قطع التيار الكهربائي لإدارة الطلب على شبكتها، وصل في العام الحالي إلى 22 ساعة يومياً، أو الى إنقطاع تام لأكثر من 15 يوماً بسبب نفاد مادة الفيول، وغياب الاعتمادات المالية اللازمة لشرائها. ونتيجة لذلك، إعتمد المواطنون على المولدات المملوكة للقطاع الخاص، التي تعمل بالديزل لتعويض النقص الحاصل من تغذية كهرباء لبنان، والحصول بذلك على 24 ساعة من الكهرباء.

ويورد التقرير أن اجمالي حجم سوق المولدات الخاصة التجارية، القائمة على الاشتراكات يقدّر بـ1.1 مليار دولار، تغطي 1.08 مليون عميل يقدّر شراء الكهرباء لديهم بـ4 تيراواط بالساعة. ويقدّر السوق الخاص المكون من واردات الوقود وتوزيعه، ومبيعات المولدات وخدمات الصيانة بنحو 2 مليار دولار. كما يقدر الحجم الإجمالي للقوى العاملة المرتبطة، بعمليات مولدات الديزل الخاصة بحوالى 13,200 شخص. كل هذه المليارات كان من المفروض أن تصب في خزينة الدولة، لولا الأداء الفاسد لأهل السلطة في إدارة هذا الملف.

3 – الإتصالات:

منذ 31 آب الماضي دخل قطاع الاتصالات في الاضراب ولا يزال، بسبب إضراب عمال وموظفي شركة «أوجيرو»، التي تدير قطاع الاتصالات في لبنان، للمطالبة برفع أجورهم، بعدما فقدت قيمتها الشرائية بسبب الانهيار المالي في البلاد.

وبدأت سنترالات الاتصالات في مناطق لبنانية عدة، بالخروج عن الخدمة تباعاً، مع ما يعنيه ذلك من إنقطاع للاتصالات وخدمة الإنترنت، كما سجل توقف شبه تام في إرسال شركتي الخلوي alfa وmtc.

كذلك أصدرت شركتا توزيع الإنترنت IDM وCyberia ، بياناً أعلنتا فيه توقف خدمة الإنترنت لدى العديد من المشتركين في العاصمة اللبنانية بيروت وغيرها من المناطق، حيث تقدّم الشركتان الخدمة.

وأدى توقف الاتصالات إلى انقطاع خطوط طوارئ بالغة الأهمية في البلاد، مثل رقم طوارئ الصليب الأحمر.

4 – الإستشفاء:

كثيرة هي الاسباب التي تدفع إلى القول، إن قطاع الاستشفاء في لبنان يسير إلى الهاوية، بعد أن شكّل على مدى أعوام طويلة مستشفى المنطقة. أولها النقص في المعدات الطبية والعجز عن صيانتها، وثانيها إنقطاع أدوية أساسية، وثالثها أزمة الرواتب للمرضين والاطباء، مما يفقد القطاع الاستشفائي مقوّمات صموده، وتدخل معه صحّة المريض في دائرة الخطر.

بحسب المتابعين لهذا الملف، 120 مستشفى خاصاً و33 مستشفى حكومياً، تفتقد لأدنى مقوّمات الصمود للاستمرار بتأمين الخدمات الصحية للمرضى. ويفسر المعنيون بالقطاع الطبي هذا التراجع إلى وجود مشكلتين أساسيتين: الأولى آنيّة وتتعلق بتعطّل معدّات طبيّة، وبقائها على تلك الحالة لأشهر، بسبب أن كلفة إصلاحها باهظة وبالدولار، فيما هناك صعوبة في تأمين الكاش. أمّا المشكلة الثانية، والتي لا تقلّ خطورة عن الأولى، فتكمن في أن المستشفيات تستهلك المعدّات الموجودة لديها، ونظراً إلى الصعوبات الاقتصادية لن تكون قادرة على استبدالها، بمعدات جديدة في المستقبل، أي ستضطرّ إلى استخدام معدّاتها القديمة.

ويدخل تأمين الدواء والمحروقات أيضاً كجزء من الأزمة. إذ يعلن مسؤولون في مستشفيات خاصة، أن أدوية أساسيّة لا تزال غير متوافرة، وأسعار بعض الأدوية باتت تفوق قدرة المستشفيات على شراء كميات منها لتفادي انقطاعها، ومنها مثلاً على سبيل المثال عبوة البنج، التي كان سعرها 230 ألف ليرة واليوم وصل سعرها إلى 6 ملايين ليرة. كما أن التكاليف الباهظة التي يتكبّدها المستشفى لتأمين الكهرباء تعيق إمكاناته لتخزين كميات الأدوية نفسها التي كانت تُخّزن سابقاً.

يُضاف إلى ذلك تدنّي قيمة الرواتب، التي دفعت بالكثير من الأطباء والممرضين، والعاملين في هذا القطاع إلى الهجرة. والنقص الأساسي اليوم هو في أعداد الأطباء، ولا سيما أطباء الكلى وجراحة الشرايين، وجراحة الأعصاب والأمراض الجرثومية وغيرها، ما يدفع الطبيب إلى المداومة في مستشفيات عدّة.

5 – عدم السيطرة على سوق القطع من قبل مصرف لبنان

بعد أن وصل سعر الدولار في السوق السوداء، العام الماضي إلى 33 ألف ليرة، عمد مصرف لبنان إلى التدخل الواسع في سوق القطع، من خلال ضخ الدولار وبيعه بلا سقوف بسعر المنصّة. لكن المركزي قرّر لجم تدخّله لاحقاً، والحد من وتيرة استنزاف الدولارات التي يملكها في احتياطياته، بعد أن ثبتت عدم قدرته على لجم سعر دولار السوق السوداء.

المؤشّرات العمليّة التي تدل على ذلك، أن الموسم السياحي الواعد الذي مرّ على لبنان هذا الصيف، وأدخل ما يقارب 3 مليارات دولار فريش إلى أسواقه، لم يمكّن مصرف لبنان من ضبط سيطرته على سوق القطع لعدة أسباب، أولها عدم تمكنه من إستيعاب حركة القطع في السوق الحرة، من خلال وسيط منظّم وشفّاف وشرعي للتداول بالعملة الصعبة. ومنصة صيرفة، التي أنشأها المصرف للعب هذا الدور، تحوّلت إلى أداة لبيع الدولار بأسعار صرف مدعومة، لحلقة ضيقة من المستوردين.

ويشير المختصون إلى أن التفاوت بين سعر هذه المنصة، وبين سعر السوق الموازية، يدفع تلقائيًّا عمليات بيع الدولار إلى الاتجاه، نحو السوق الموازية ذات السعر الأعلى، ما يفقد المنصة القدرة على لعب دور الوسيط في عمليات التداول، وتحديد سعر الصرف الفعلي، ونتيجة لذلك استمرت السوق الموازية غير الشرعية، في لعب دور الوسيط الفعلي الذي يحدد سعر الصرف بالنسبة للبنانيين.

السبب الآخر الذي ساهم في فشل المركزي في ضبط سعر الصرف مؤخراً، تمثّل في بعض الإجراءات التي قام باتخاذها خلال موسم الاصطياف. وقراره تقليص نسبة الدولارات التي يقوم بتأمينها، لمستوردي مادة البنزين، عبر منصة صيرفة من مئة بالمئة إلى 55 بالمئة، من قيمة المواد المستوردة، وذلك بشكل متدرّج. وبذلك، أحال المركزي نسبة وازنة من الطلب على الدولارات، لإستيراد هذه المادة إلى السوق الموازية، وهو ما زاد من الضغط على سعر صرف الليرة فيها.

6 – التهرب الضريبي وزيادة التهريب:

منذ بدء سياسة الدعم للمواد الاساسية والمحروقات والادوية، التي أقرتها حكومة الرئيس حسان دياب في بداية الازمة، إرتفعت وتيرة التهرب الضريبي والتهريب عبر المعابر غير الشرعية، علما انها كانت ناشطة قبل الازمة ولكن ليس بالوتيرة نفسها. ومع الحديث عن رفع الدولار الجمركي مؤخراً، فإنه من المتوقع أن تكون تداعياته زيادة التهرب الجمركي، والتهريب عبر المعابر غير الشرعية، ربما إذا تبيّن أن هناك فروقات كبيرة في أسعار بعض السلع بين لبنان وسوريا.

حالياً يدفع المستوردون رسوم الجمارك على بضائعهم،على سعر 1500 ليرة للدولار الواحد، في مقابل سعر للدولار في السوق التجارية يزيد على 35 ألفاً. وتشير التقديرات إلى أن التجار والمحتكرين زادت أرباحهم خلال الأزمة بنحو ملياري دولار فوق أرباحهم التقليدية.

وإذا اعتمد سعر جديد لما يسمى الدولار الجمركي عند 20 ألف ليرة، سيجد تجار ومخلصون جمركيون (بالتعاون مع رؤساء مصالح وكشافين في الجمارك)، الأساليب المناسبة للتهرب الجمركي الذي يحرم الخزينة الإيرادات المرجوة المفترض تخصيصها لزيادة رواتب القطاع العام.

هناك نوعان من التهرب الجمركي في المعابر الشرعية ولا سيما المرفأ، إما عبر وضع البضائع التي يتم استيرادها من قبل التاجر، في خانة البضائع الأقل كلفة جمركياً، في حين أنها في الحقيقة من البضائع التي تستوجب نسبة رسوم أعلى. وهذا الامر يتم بالتعاون مع المخلص الجمركي وبالاتفاق مع أحد رؤساء المصالح والكشّافين، لقاء مبالغ مالية يتم الاتفاق عليها مسبقاً. وهناك أيضاً إدخال بضائع تتمتع بميزة «الوكالات الحصرية» من قبل تاجر لا يملك هذه الوكالات، بحيث يعمد التاجر بالاتفاق مع المصدر الاجنبي الذي إشترى منه البضائع، إلى تغيير نوعها على المستندات، وبالتنسيق مع شركة الشحن التي توقع على فواتير التاجر. أما دور المخلص الجمركي ورئيس المصلحة والمعاين والكشّاف، فهو القبول بختم شركة الشحن وتصريحاتها عن نوع البضاعة، من دون أن يعمدوا إلى فتحها والتأكد من نوعها، على أن يحصل كل طرف على حصته من الأرباح غير الشرعية.

اما التهريب عبر الحدود البرية، فالطحين المدعوم هو المادة الاكثر تهريباً حاليا. فسعر الطن هو مليونان و300 ألف ليرة، بينما يباع في سوريا وفي السوق السوداء في لبنان بنحو 800 دولار فريش، والرقابة غير موجودة بشكل أساسي، لا على مستوى وزارة الاقتصاد التي تسلم الطحين للأفران والمطاحن، ولا على المستوى الأمني لإقفال هذه المعابر المعروفة بأسماء أصحابها وهي نشطة منذ بداية الازمة، وتُدار من قبل مافيا- لبنانية – سورية وبتغطية سياسية وقضائية وأمنية معينة.

7 – الجامعة اللبنانية:

تختزل الجامعة اللبنانية واقع التعليم العام المتلاشي في لبنان، من خلال كادر بشري منهك من الانهيار، وطلاب خارج الصفوف بفعل الاضرابات المتكررة، ومبانٍ مقفرة بسبب سوء الخدمات، ودولة عاجزة عن الدفاع عن مؤسسة، تشكل الملاذ الأخير لتعليم أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة.

وخلال العامين الماضيين فقدت الجامعة اللبنانية كثيراً من كوادرها البشرية، إما بسبب الاستقالة أو مغادرة المتعاقدين كلياتهم، من أجل العمل في الخارج، حيث العروض المادية والمهنية أفضل. وفقد أستاذ الجامعة الشغف بالعمل، لأن ساعة المتعاقد تبلغ 65 ألف ليرة (حوالى دولارين فقط) للمعيد، و83 ألفاً للأستاذ المساعد، و100 ألف ليرة للأستاذ.

تبلغ موازنة الجامعة 364 مليار ليرة لبنانية، وكان هذا المبلغ يشكل حوالى 230 مليون دولار، وتراجعت قيمته إلى حوالى 14 مليون دولار، لذلك فإن الجامعة، تعاني للاستمرار، وتحتاج إلى قرابة 12 مليون دولار كنفقات تشغيلية أولية، وستسوء الخدمات باستمرار، بوجود صعوبات في المجالات كافة من المختبرات إلى القرطاسية.

8 – المدارس الرسمية

هناك خوف حقيقي من أن يخسر طلاب المدارس الرسمية عامهم الدراسي الرابع، وهم يتحضرون حالياً للدخول في العام الدراسي الجديد 2022 – 2023، لأنهم ببساطة يدفعون ثمن التداعيات الكارثية للعام الدراسي الماضي، الذي لم يُختتم نهائياً بعد، بسبب تأجيل وتسويف وتأخير.

دواعي هذا الخوف عديدة، منها تأجيل وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، بدء الأعمال التحضيرية والتسجيل في الثانويات والمدارس الرسمية، من 5 أيلول 2022 إلى 15 منه، محدداً الثالث من شهر تشرين الأول موعدًا لبدء العام الدراسي 2022 – 2023.

التأخير جاء بسبب تداخل موعد إجراء الدورة الثانية الاستثنائية، من الامتحانات الرسمية 2021 – 2022 بعد تأجيل طويل، نتيجة إضراب موظفي القطاع العام في لبنان، وضمنهم موظفو وزارة التربية. الأمر الذي أخّر أيضا مواعيد التصحيح، والإجراءات الإدارية المتعلقة بإصدار النتائج.

السبب الثاني للخوف، هو الانتفاضة التربوية للأساتذة والمعلمين في القطاع الرسمي، مطالبين بتحسين أوضاع المعلمين المعيشية والمالية، وبمساواتهم مع غيرهم من الموظفين في القطاع العام.

ويحيط بالعام الدراسي الجديد أيضاً عوائق لوجستية عدة، أبرزها يتمثل في تأمين الأموال لصناديق المدارس، حيث أن هناك صناديق لم تتلق أي أموال من اعتمادات وزارة التربية منذ 3 سنوات. كما أن الاعتمادات المفتوحة بالليرة اللبنانية، ما عادت اليوم تكفي حاجات المدارس ومتطلبات التعليم بعد إنهيار قيمة العملة، وبالتالي من غير المعلوم ما إذا كانت المدارس قادرة على تلبية التكلفة التشغيلية، أم لا.

9 – الجيش

حين أعلنت قيادة الجيش اللبناني في حزيران 2020، أنه لن يتم بعد الآن تقديم اللحوم للجنود في وجبات الطعام، عُقد في تموز العام نفسه مؤتمر دولي، بهدف الحصول على تبرعات غذائية للجيش إلى جانب إمدادات طبية، وقطع غيار لمعدات طبية ووقود، وآخرها كان إعلان وزارة الخارجية القطرية في حزيران الماضي، عن دعم مالي بقيمة 60 مليون دولار للجيش اللبناني، ليتمكن من تأمين حاجاته الاساسية ومنها دفع رواتب العسكريين.

هذه هي الحالة التي تعيشها كل المؤسسات العسكرية وليس الجيش وحده. أي إنتظار التبرعات لإطعام عناصرها، ومنحهم 100 دولار أميركي يضاف إلى راتبه بالليرة اللبنانية، بعد أن أدت الازمة إلى خسارة هذه الرواتب 90 بالمئة من قيمتها، وتسببت بإرتفاع حالات الفرار من الخدمة، والإجازات، والتقاعد المبكر.

ويتغاضى قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية حالياً، عن اشتغال الجنود بأعمال إضافية، وهو شيء محظور في العادة، لكنه أصبح مقبولاً بصورة غير رسمية مع تدني الرواتب.

10 – القضاة

يستمر معظم قضاة لبنان في الإضراب الشامل المفتوح عن العمل، الذي أعلنوه قبل أيام في كل قصور العدل والمحاكم على الأراضي اللبنانية، احتجاجاً على ما اعتبروه «تجاهل المسؤولين لمطالبهم المحقة».

يعمل في لبنان حاليا قرابة 560 قاضياً، ومن تداعيات هذه الخطوة غير المسبوقة في الجسم القضائي، هو توقف قضاء الملاحقة، أي النيابات العامة، وقضاء التحقيق، ما قد يوقف النظر بوضع أي موقوف، وهكذا نكون أمام حالة غير مسبوقة تهدد النظام العام. فالضابطة العدلية غير قادرة على اتخاذ قرار حجز حرية الموقوف، أو المشتبه به أو مرتكب جرم ما، كون النائب العام المناوب ليس على السمع، لإعطاء إشارته لتحديد مصيره.

كما أن القضاء هو أساسي أيضاً بالنسبة للمعاملات الخاصة بالقطاع الاقتصادي، كمعاملات فض النزاعات، فكلما تراجع، أثر ذلك في المستثمرين، وأدّى أيضاً إلى تراجع النمو.

11 – الدبلوماسيون

لا تستطيع الدولة اللبنانية دفع نحو 40 مليون دولار، كلفة البعثات من ضمنها رواتب الدبلوماسيين، وهذا يعني أن لبنان بات دولة عاجزة عن الإنفاق على حضوره الخارجي. وبات الدبلوماسيون ينفقون منذ أشهر على بدل سكنهم، والتأمين الصحي والمدارس ومعيشتهم من مدخراتهم. لكنهم يلوحون في تنفيذ إضراب تحذيري.

ويسأل المتابعون لهذا الملف إذا كانت المشكلة في افلاس الدولة، ففي هذه الحالة على المسؤولين أخذ القرار لكيفية تمثيل لبنان وحجمه، وعليها أقله وضع خطة لكيفية إقفال بعض السفارات، رغم أن لبنان بحاجة لافتتاح المزيد من السفارات لا إقفال الحالية.