جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / “بواخر” هنري كيسينجر..
19_2022-637928004179705269-970

“بواخر” هنري كيسينجر..

خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبة 
ماذا لو عاد وزير خارجية أميركا الأسبق الراحل هنري كيسينجر الى لبنان، وطرح على المسيحيين تلك الفكرة “السوريالية” التي راودته أبّان الحرب الأهليّة اللبنانية، وتقضي بإحضار السفن الكبيرة الى الشواطئ وترحيلهم الى دول العالم، خلاصاً من مأزق الحرب التي استمرّت حوالي عقدين من الزمن؟
قد تعلو بعض الأصوات في الدفاع المستميت عن الفينيقيين والأجداد و”هل كم أرزة العاجقين الكون”، وبعض الأصوات تقول بأنّ المسيحيين لا يتخلّون عن الدولة العربية الوحيدة التي تعود فيها رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان حصراً إلى الطائفة المارونية، وأنّ البطريركية والزعامات المسيحية تتشبّث بالتراب والتراث والجبل القريب من البحر، وبكلّ أهازيج الميجانا والعتابا وفيروز ووديع الصافي وإرث الأخوين رحباني، وبعنفوان كميل شمعون ونظافة فؤاد شهاب وصلابة ريمون إدّه وحكمة بيار الجميّل الجدّ وشجاعة بيار الجميل الحفيد الشهيد..ربّما يكون صحيحاً كلّ ما سبق وكلّ ما يقال عن الدور المسيحي المميّز في لبنان، ولكن يبرز السؤال الأكبر:ماذا بقي من كلّ هذا المجد المسيحي، إذا صحّ التعبير؟
من “القائد الرئيس” فؤاد شهاب الى ميشال عون، ومن كميل شمعون وبيار الجميّل الى جبران باسيل، ومن حزب الكتائب والكتلة الوطنية إلى التيّار الوطني الحر:يا ربّي، ما كلّ هذا الإنحدار!
ماذا بقي من موقع رئاسة الجمهورية، وماذا بقي من رمزيّة قصر بعبدا؟ صار الفراغ مالئ الدنيا وشاغل الناس، على حدّ قول الشاعر الكبير المتنبّي.صار “الرئيس” يُصنع في حارة حريك وعين التينة وميرنا الشالوحي.صار جبران باسيل “صانع المحتوى”.يقبل أو لا يقبل، له شروطه التي لا تُقاوم، بيده مفتاح “حقوق المسيحيين” يستعمله عند الحاجة، وفي المكان الذي يراه مناسباً لحساباته الصغيرة والخاصة والضيّقة.صار “جبران” هو الفيتو، وهو التقاطع، وهو الذي يدير شؤون الساعة بوزراء أمثال موريس سليم وأمين سلام ووليد فياض وما شابه من “دمى” لا تفقه شيئاً في السياسة وفي إدارة البلد وفي “مجد لبنان”..من موقع الموارنة الأوّل في لبنان وفي المشرق، لم يبقَ سوى خيال الرئيس وفراغ الكرسي يأكله الغبار والركاكة، كما يأكل التضخّم لقمة عيش المسيحيين وغير المسيحيين، ويأكل الفساد أحلام من تبقّى من اللبنانيين العالقين، بلا حيلة ولا قدرة، في هذا الوطن الممزّق!
حاكمية مصرف لبنان التي عرفت ميشال الخوري وإدمون نعيم ذات مرحلة، سقطت بفضل حروب العونيين الدونكيشوتيّة التي لا تنتهي في قبضة المخضرم رئيس المجلس نبيه برّي:من حقوق المسيحيين..إلى حركة المحرومين، ومن الحاكم رياض سلامة إلى نائب الحاكم وسيم منصوري!
قيادة الجيش تسير بخطى وئيدة صوب الهاوية.قد يكون العماد جوزيف عون آخر الضبّاط المحترمين.ها هو جبران باسيل يفتّش عن بديل يشبهه في استباحة كلّ ما بقي من روح في هذه المؤسسة.لا يهمّ الأمن، لا يهمّ المؤسسة التي تحتفظ بالحدّ الأدنى من الدولة والقانون، لا يهمّ من يمسك بزمام القيادة الجديدة:المهمّ أن يسقط جوزيف عون العصيّ على العقل العوني الإستئثاري المتوحّش!
من مقولة “أنا أو لا أحد” التي أطلقها ميشال عون تاركاً القصر الجمهوري فارغاً لمدّة سنتين و7 أشهر، الى مقولة “من بعدي الطوفان” في سياسته القائمة اليوم، حيث يعمّ الطوفان كلّ المؤسسات وكلّ المقوّمات، وصولاً الى “جهنّم” التي وعد بها اللبنانيين، وقد صدق في وعده!
ماذا لو عاد كيسينجر بعرضه القديم للمسيحيين:بواخر ورحيل؟ أظنّ أنّ أحداً لن يستهجن عرضه، ولن يصفه أحد بالطرح السوريالي، بل أنّ صفوف المسارعين الى المرافئ ستكون مذهلة، وأنّها لن تقتصر على المسيحيين، بل ستعمّ جميع اللبنانيين، دون تردّد ولا إستثناء!

1