جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / تفجير القضاء بعد تفجير المرفأ.. محاولة انقلاب على سهيل عبّود؟
KASER_ADEL (1)

تفجير القضاء بعد تفجير المرفأ.. محاولة انقلاب على سهيل عبّود؟

 

كتب نجم الهاشم في نداء الوطن-

منذ نزل مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا في 20 أيلول 2021 إلى قصر العدل والتقى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود وطلب «قبع» المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، لم تتوقّف محاولات تطيير التحقيق في هذه القضية بشكل كامل وصولاً حتى إلى تطيير القاضي عبود وتفجير القضاء بكامله من أجل تطيير التحقيق في تفجير المرفأ.

ما يحصل في القضاء في المدة الأخيرة لم يحصل له مثيل حتى في أيام الوصاية السورية وحتى في أيام القاضي عدنان عضوم الذي يحاول البعض تشبيه هذه المرحلة بالمرحلة التي كان فيها وزيراً للعدل ومدّعياً عاماً للتمييز خلفاً للقاضي منيف عويدات والد مدّعي عام التمييز الحالي القاضي غسان عويدات. لم يحصل أن جرت محاولة لضرب مجلس القضاء الأعلى من الداخل لتحقيق أهداف سياسية متعلقة بوقف التحقيق في قضية المرفأ تحت ستار تعيين قاضٍ رديف للمحقق العدلي الممنوع من التحقيق بتدخل سياسي.

بدل العمل على تذليل العقبات أمام القاضي البيطار يبدو أنه يتم العمل على تنفيذ انقلاب على رئيس مجلس القضاء الأعلى. من هذه الخلفية لا تعود مسألة توقيف الناشط وليم نون مجرد مسألة تتعلق بقضية شخصية بل بملف القضاء بشكل كامل وبالتحقيق في قضية تفجير المرفأ. المسألة ليست سرية ولا تجري بطريقة التفافية غير مباشرة بل بشكل معلن ومن دون أقنعة. طالما تمّ اتهام القاضي سهيل عبّود بأنّه هو من يحرِّك أهالي ضحايا تفجير المرفأ ويستقبلهم ويطلب منهم الإستمرار بالتحرّك حتى لا يتمّ طمس معالم الجريمة. وطالما اتُّهِمَ بأنّه هو من يحمي القاضي طارق البيطار ويمنع «قبعه» ويكلِّف قضاة محسوبين عليه للبتّ بطلبات كفّ يد البيطار لكي يعود إلى التحقيق. ولذلك كان هو هدف الهجمات.

فقد تمّ تعييره بأنّ الرئيس السابق ميشال عون هو الذي عيّنه في هذا المنصب أو قَبِلَ بتعيينه ولكنّه انقلب عليه ولم ينفِّذ طلباته منذ تقدّم بالتشكيلات القضائية التي رفض عون توقيعها وأصرّ عليها عبّود. ولذلك أيضاً تمّت المطالبة بـ»قطع رأسه» وتطييره من هذا الموقع بعدما أثبت استقلالية في اتخاذ القرار وشكّل حاجزاً أمام التدخلات السياسية من دون أن يكون متدخّلًا في تحقيقات تفجير المرفأ. ولذلك وجّه «التيار الوطني الحرّ» تظاهرات إلى منزله وشنّ هجمة سياسية عليه في مكتبه بالتزامن مع طلب وزير العدل القاضي هنري خوري انعقاد مجلس القضاء الأعلى لتعيين محقق عدلي رديف للقاضي طارق البيطار. كان المطلوب تخويف عبّود لكي يقبل بهذا القرار الجاهز للتوقيع مع الإسم المقترَح ومع القرارات التي يجب أن يتَّخذها والمتعلِّقة بإخلاء سبيل الموقوفين في هذه القضية، وفي طليعتهم مدير عام الجمارك بدري ضاهر الذي تثير مسألة الإصرار على إطلاقه الكثير من الشكوك حول طبيعتها وخلفياتها.

القضاة الأربعة

الإصرار على تعيين قاضٍ رديف يخفي أبعاد المحاولة لتطيير التحقيق. في رأي الرئيس عبّود أن الموقوفين كلّهم أو بعضهم يحقّ لهم أن يتقدّموا بطلبات إخلاء سبيل ولكن بحسب الواقع ليس القاضي طارق البيطار هو المسؤول عن توقيف التحقيق ولا يمكن أن يكون الحلّ بتعيين قاضٍ آخر رديف له بطريقة مخالفة للقانون بل بتسهيل عودته إلى متابعة التحقيق في هذا الملف. لقد تمّ منعه أولاً من خلال دعاوى الردّ وكفّ اليد ومخاصمة الدولة، ثمّ تمّ قطع الطريق عن حلّ هذه المسألة قضائياً عن طريق منع وزير المال يوسف الخليل بقرار سياسي توقيع التشكيلات القضائية التي تكمِّل عقد هيئة محكمة التمييز التي يجب أن تبتّ بهذه الدعاوى ضدّ البيطار. ولكي تكتمل هذه السلسلة تمّ طرح موضوع القاضي الرديف على قاعدة أنّه إذا كان البيطار لا يستقيل، وإذا كانت إقالته وتعيين قاضٍ آخر محله بطريقة قانونية ليسا ممكنين، فليكن هذا الأمر عن طريق خط عسكري لا يمرّ بأي قانون.

ولذلك فشلت المحاولة في المرة الأولى بعد دعوة وزير العدل ثم فشلت في المرة الثانية مع الدعوة التي وجهها أربعة قضاة في مجلس القضاء الأعلى، هم حبيب مزهر وداني شبلي وميراي حداد والياس ريشا، لانعقاد هذا المجلس يوم الخميس الماضي لبتّ مسألة تعيين قاضٍ رديف في محاولة جديدة لتكرار ما فعله وزير العدل وأفشله رئيس مجلس القضاء الأعلى على رغم محاولات جمع هذا المجلس بغيابه.

القضاة الأربعة تمّت تسميتهم معاً أعضاء في مجلس القضاء الأعلى في 12 تشرين الأول 2021 في جلسة الحكومة حيث اطلع وزير العدل القاضي السابق هنري خوري مجلس الوزراء على تعيينهم وذلك بناء على اقتراحه وموافقة رئيسي الجمهورية والحكومة. وكأنّ هذا التعيين جاء لأهداف سياسية تتعلّق بشكل مباشر بتركيبة مجلس القضاء الأعلى وبملفّ تفجير مرفأ بيروت. إذ باءت محاولة هؤلاء القضاة بالفشل أيضاً نتيجة رفض القاضي عبّود هذا الطرح ونتيجة تظاهرات وتحركات أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت على الأرض مطالبين بعدم تعيين قاض رديف وبعدم طمس الجريمة وتطيير التحقيق وبعودة القاضي طارق البيطار إلى مزاولة المهمّة المكلَّف بها لتعود الأمور إلى مسارها الطبيعي.

ولكن هذه المحاولة من القضاة الأربعة لم تكن الأولى. في بداية تشرين الثاني 2021 بدت بصمة الولاء السياسي واضحة في الجلسة التي عقدها مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبّود وحضرها المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. بحيث تمّ تسريب معلومات عن هجوم شنّه مزهر على البيطار وكأنّه يضعه في معرض المتّهم وفق ما جاء في طلبات ردّه المقدمة من سائر المتهمين المدعى عليهم وهم النواب نهاد المشنوق وغازي زعيتر وعلي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانوس ورئيس الحكومة السابق الدكتور حسان دياب، ومن خلال هجوم «حزب الله» عليه واتهامه بتسييس الملفّ تمهيداً لتحميله المسؤولية في قضية استقدام باخرة نيترات الأمونيوم وصولاً إلى انفجار 4 آب. وقد ترافق هذا الهجوم مع محاولة القاضي مزهر وضع يده على ملف التحقيق.

بين مزهر والبيطار

لم يكن أحد يتوقع أن تنقلب الأمور بهذه الطريقة داخل الجسم القضائي لتسجيل سابقة خطيرة في التعاطي بين القضاة في تلك المرحلة. ربما كان من الجائز قانونياً في تشرين الاول2021 أن يكلِّف الرئيس الأول لمحاكم الإستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله القاضي حبيب مزهر النظر في دعوى البت بطلب القاضي نسيب إيليا رئيس الغرفة 12 في محاكم الإستئناف التنحّي عن النظر في الدعوى التي قدّمها أمامه الوزير السابق يوسف فنيانوس لردّ القاضي طارق البيطار باعتبار أنّه سبق له وبتَّ بمثل هذه الدعوى. ولكنّ كان من غير المفهوم وقتها كيف أن القاضي مزهر قفز إلى الدعوى الخاصة بكفّ يد القاضي البيطار متجاوزاً ما هو مكلّف به قانوناً.

الخطوة التي أقدم عليها مزهر وقتها تركت آثاراً سلبية داخل القضاء وانعكست ارتياباً مشروعاً لدى الرأي العام عندما سارع إلى إصدار قرار قبول الدعوى وتبليغ القاضي البيطار وقف التحقيقات، وطلبه من قلم مكتبه كمحقق عدلي تسليمه كامل ملف التحقيق الأمر الذي ترك علامات استفهام كثيرة قبل أن تنجلي في اليوم التالي بعض جوانب هذه القضية.

فقد حصل أنه في 28 تشرين الأول 2021 تمّ تقديم طلب رد القاضي نسيب إيليا. وفي اليوم نفسه طلب إيليا التنحي. تمّ تكليف الغرفة رقم 15 في محاكم الإستئناف التي يرأسها القاضي حبيب مزهر النظر في طلب تنحّي القاضي إيليا. تلقّف مزهر الموضوع واعتبر نفسه مكلّفاً البتّ في طلب التنحّي ثمّ في دعوى ردّ القاضي البيطار ذات الرقم 69 على 2021. هكذا ورد في متن القرار الذي صدر عنه وورد فيه أن القاضي حبيب رزق الله كلّفه ترؤّس الغرفة رقم 12 محلّ القاضي إيليا ولذلك قرّر التوسّع والبتّ في قضية طلب كفّ يد القاضي البيطار. التكليف كان ملتبساً وكذلك القرار الذي أصدره وبدا من خلاله أنّه يريد أن ينتهي سريعاً من القاضي البيطار وتحقيقاته ولذلك أرسل مباشِراً إلى منزله ليبلِّغه كفّ يده وطلب تسليمه كامل الملف. ولكن هذه المحاولة أُحبِطت أيضاً بكفّ يد القاضي مزهر وبقاء القاضي البيطار في موقعه وبقاء الملف تحت سلطته. ولذلك بدا وكأن ما قام به القضاة الأربعة هو تكملة لمحاولة الإلتفاف على التحقيق في قضية مرفأ بيروت وعلى القاضي سهيل عبّود.

البيان رقم واحد

لم يقتصر الأمر على هذا الحدّ بل تجاوزه إلى ما هو أخطر من مجرد الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس القضاء الأعلى من خلال البيان الذي تمّ إصداره باسم مجلس القضاء الأعلى يوم السبت الماضي خلال عملية توقيف وليم نون للتضامن مع القاضي زاهر حماده الذي أمر بتوقيفه والتحقيق معه، وهو البيان الذي تنصّل منه رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود وقال إنّه لم يحصل على الموافقة على نشره وأنّه كان مسوّدة بيان.

وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات حول الجدوى من تنفيذ ما يشبه الإنقلاب السياسي القضائي على الرئيس عبّود بعد العجز عن تطييره أو إخضاعه وإقناعه بكل الوسائل بتغيير موقفه وبعد محاولة قبع القاضي البيطار التي يبدو أنّ كل الوسائل تُستخدم في سبيل تحقيقها حتى لو كان يمكن أن تُشعِل حرباً أهلية كما حصل في الطيونة في 14 تشرين الأول 2021 بعد فشل محاولة تطيير القاضي البيطار بمسعى من القاضي حبيب مزهر.

ولكن يبدو أنّ هذه المحاولات لترهيب أهالي شهداء وضحايا تفجير المرفأ لم تنجح من خلال التحقيق معهم تباعاً بينما لا تتمّ ملاحقة المتّهمين الرئيسيين المدعى عليهم إذ يتعرض القضاء بشكل عام لتجربة مصيرية بعد اعتكاف دام ستة أشهر وخلال حضور الوفد القضائي الفرنسي الألماني واللوكسمبورغي للتحقيق في قضايا تبييض الأموال وللإطلاع على مآلات التحقيق في قضية مرفأ بيروت. بينما يلوذ القاضي المعني بهذا القضية بالصمت متحصّناً بسرية التحقيق في وقت تستمرّ المحاولات لقبعه ولقبع التحقيق حتى لو كان الثمن تطيير قصر العدل والعدالة. هذا القصر الذي يضرب بالحجارة من الداخل وهي حجارة أكبر وأخطر من الحجارة التي ألقاها بعض المتظاهرين من أهالي ضحايا المرفأ للمطالبة بالعدالة ومعرفة الحقيقة وعدم الإفلات من العقاب.

المصدر: نداء الوطن