جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / حرب “أجندات” في عرسال
عرسال

حرب “أجندات” في عرسال

منذ أيام، والبلد يغلي بعملية عسكرية في عرسال، وسط تكهنات وشائعات عن موعد انطلاقها والسيناريو الذي يمكن أن يتحكّم بها. الواضح الوحيد هو أنّ الجيش يريد القضاء على أبرز معاقل الإرهاب، وأمّا خيارات الآخرين فمعظمها غامض ومتضارب.
لا يمكن في أيّ شكل عَزل المعطيات التي تتحكم بعرسال ورأس بعلبك وجرودهما عن مسار الصراع بين المحاور الإقليمية. فأساساً عمدت القوى التي تقاتل الرئيس بشار الأسد في سوريا إلى تحويل عرسال وجرودها المتصلة بالقلمون السوري معقلاً لها تستخدمه في الاتجاهين: نحو سوريا ونحو الداخل اللبناني.

وتمّت الاستفادة من الهوية المذهبية للبلدة السنّية في بحر النفوذ الشيعي لتحويلها موطئاً للنازحين السوريين السنّة الذين يعارضون الأسد في غالبيتهم. وكذلك، جرى نَصب أكبر مخيمات النازحين خارج البلدة.

وخضعت هذه المخيمات، والبلدة في بعض المراحل، لنفوذ قوى سورية، ومنها «داعش» و«النصرة» التي استطاعت أن تفرض أحكامها في قلب عرسال، ما أدى إلى بروز موجة عارمة من النفور بين أبنائها الذين باتوا أقلّ من ثلث السكان (40 ألفاً مقابل 80 ألف سوري).

اليوم، يريد أهالي عرسال السنّة أن يتخلصوا من الوضع القائم، وأن يستعيدوا حياتهم بعيداً عن تداعيات الصراع السوري. لكنّ الجماعات السورية التي أتيح لها أن تؤسس لنفوذ في البلدة وجرودها لا تجد مصلحة في نزع هذه الورقة من يدها. ولذلك، هي تريد أن تلعب ورقة النازحين والمخيمات في داخل البلدة وخراجها لممارسة ضغط على لبنان.

فالأجندة التي تعتمدها هذه الجماعات في عرسال مرتبطة بالنزاع في سوريا والعراق، أي بمسار الحرب الشاملة التي تستهدف «داعش» ورديفاتها.

ومن هنا، يخشى كثيرون أن تعمد الجماعات الإرهابية العاملة هناك إلى استخدام أوراق ضاغطة على لبنان، ومنها:

– تنفيذ عمليات إخلال بالأمن في مناطق لبنانية مختلفة.

– تعبئة النازحين السوريين وتأليبهم على الحكومة اللبنانية.

– محاولة اللعب على وتر التناقضات الطائفية والمذهبية والاجتماعية في لبنان.

في المقابل، يتحدث خصوم «حزب الله» عن أجندة له في عرسال. فهم يقولون إنّ «الحزب» عازم على فرض نفوذه على تلك المنطقة من دون منازع. فحتى اليوم، شكّلت البلدة عقبة كبيرة في وجه هذا النفوذ، وقطعت جزءاً واسعاً من شرايين الاتصال التي يرغب «الحزب» في الاحتفاظ بها في الداخل اللبناني وبينه وبين سوريا.

في تقدير هؤلاء الخصوم، يريد «الحزب» إنهاء «حالة عرسال» كجزيرة في وسط منطقة نفوذه. وكان يبحث دائماً عن المخرج الذي يسمح له بالقيام بذلك من دون استثارة أيّ حساسية في منطقة تشهد غلياناً مذهبياً.

اليوم، مع القرار المتخذ دولياً بإنهاء «داعش» وسائر التنظيمات الإرهابية، يجد «الحزب» نفسه قادراً على تنفيذ «أجندته»، على غرار ما يفعل حلفاء إيران الآخرون في العراق وسوريا.

ففي العراق، قام الجيش بتحرير الموصل من «داعش» بدعم حليف إيران، «الحشد الشعبي»، وبتغطية عسكرية دولية، وأميركية تحديداً. وفي سوريا، يقوم التحالف بضرب «داعش» ورديفاتها بمشاركة الأسد والتنظيمات الداعمة الحليفة لإيران، ومنها «حزب الله».

وكذلك، قام الطيران السوري بتوجيه ضربات لمواقع «داعش» و«النصرة» في جرود عرسال، بدعم من «حزب الله» في الداخل السوري، فيما كان الجيش اللبناني يسدّد ضرباته للإرهابيين في تلك المنطقة، بدعم أميركي.

يستنتج المحللون أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب التي قررت مواجهة التمدد الإيراني في الشرق الأوسط، لا تعترض براغماتياً على دور حلفاء إيران في القضاء على «داعش». وهذه النقطة يَجد «الحزب» وحلفاؤه أنفسهم قادرين على استثمارها.

البعض يعتقد أنّ «الحزب» يرغب في تحويل أي عمل عسكري يجري في تلك المنطقة لمصلحته. وثمّة من يرى أنّ السيناريو الأكثر فائدة له هو اندلاع قتال يدوم أسابيع هناك، ولا يُحسَم سريعاً، بحيث تتشكل قوة ضغط تؤدي في النهاية إلى خروج المسلحين وعودة أكبر نسبة من النازحين.

وستكون عودة هؤلاء إلى مناطق معينة، بالتنسيق مع نظام الأسد، وليس بالضرورة إلى مناطقهم الأصلية. وربما يكون ذلك منسجماً مع عملية التوزيع الديموغرافي التي تنتظر مستقبل سوريا.

إذاً، هناك «أجندات» متصارعة تنتظر عرسال ورأس بعلبك وجرودهما، وكل منها يشكّل جزءاً من روزنامة أوسع إقليمياً.
وفي كل هذا الخضمّ، ما الدور الذي ينتظر الجيش اللبناني من العملية الاستباقية لضرب معاقل الإرهاب في المنطقة؟

يريد الجيش أن ينفّذ عملية عسكرية نظيفة، ملتزماً واجبه الوطني في حماية المواطنين جميعاً من الإرهاب، بلا أي تمييز، وبناء على تكليف المؤسسة الدستورية. وهو يرغب في الاستفادة من الدعم الدولي لإثبات جدارة لبنان الرسمي في مواجهة الإرهاب.

ولذلك، هو سيعمل على تنفيذ العملية وفق المعايير المهنية السليمة، ومن دون أي اعتبار آخر. وسيحاول أن يتجاوز منطق «الأجندات» المتصارعة ليفرض «الأجندة» الوطنية الواحدة.

ولذلك، قد يتأخر انطلاق العملية أو لا يتأخر، وفقاً لمقتضيات هذا المعيار الوطني. وهنا التحدّي في إعطاء الجيش ما يحتاج إليه من دعم وطني ليقوم بمهمته.

(الجمهورية)