Lebanon on time – محسن السقال
ازدحام لا يشبه الراحل، من صدق المحبة إلى ضجيج المناسبة. غاب الجسد، وحضر المزايدون. جاء من لا يعرفه، وغاب معظم من يشبهه، جمهور غريب عن نبض فنه وأفكاره، ومشهد مشحون بالتأويل والمصالح، حتى ضاع المعنى الحقيقي للوداع.
وحدها السيدة فيروز، وأفراد عائلته، وقلة من المحبين، شكلوا الصورة الصادقة للمصاب الجلل… أما الباقي، فكان استعراضا واستغلالا على هامش الرحيل.
لا يختلف اثنان على عبقرية زياد الرحباني، فنه المتمرد، وأسلوبه النادر الذي جعل منه حالة فنية استثنائية في المشهد الثقافي اللبناني والعربي، لكن مشهد الحشود في وداعه الأخير فتح باب التساؤلات والنقاشات، لا حول مكانة زياد، بل حول معايير النجومية وصدق التعبير الشعبي في لحظة الرحيل، لماذا لم تحظ الصبوحة، أم الفنانين، بوداع يليق بتاريخها وبحجم ما قدمته من فرح للبنان والعالم العربي؟ ولماذا لم تهتز الساحات حين ودعنا وديع الصافي ونصري شمس الدين وملحم بركات وسواهم من عمالقة الطرب والمسرح والدراما…
ربما اخترق زياد، بفكره المختلف، أجيالا جديدة تميل إلى التمرد، لكن الحضور الكثيف بخاصة السياسي في مأتمه بدا أحيانا مشوبا بشيء من الاستعراض والاستغلال.. هل كانت كل هذه الجموع وفية فعلا لمسيرته وشاهدت مسرحياته واستمعت الى اغانيه، أم أن الإعلام و” مهوسي الترند” اتوا لتسجيل حضور على حساب الرحيل.. وهل كان البعض ينعى زياد الذي يعرفه حقا، أم زياد الذي يناسب خطابه السياسي أو صورته الشعبية.. فالراحل انتقد الطبقة السياسية بكل أطيافها، لكن كل طرف اجتزأ من أرشيفه ما يناسب مصلحته السياسية او الظهورية، “ليبكيه” على طريقته.
لو قدر لزياد أن يشهد ما حدث، لالف مسرحية كاملة تهز ضمائرنا، وربما غنى ساخرا من هذا “الدجل” المحبوك بعناية، الرحمة لروحك يا أستاذ زياد، والعزاء الصادق للسيدة فيروز ولعائلتك الصغيرة… أما الفن، فسيظل يبحث عن صدق يشبهك.. وهذا الكلمات لا تصيب من احب وعايش الراحل الكبير ومن اراد ان يشاهد ايقونة لبنان عن قرب خلال المأتم.