خاص Lebanon On Time _ خالد أبو شام
في كل مرة تهتز فيها البلاد أمنيًا، تُستدعى طرابلس إلى ساحة الاتهام؛ لا بوصفها مدينة عادية في جمهورية منهكة، بل كأنها “المشتبه الدائم”، أو المتهم الجاهز لتلقي كل رواية مفبركة.
وحدها طرابلس، المدينة الثانية في لبنان، يُراد لها أن تبقى عالقة في مربع التشويه، أسيرة صورة نمطية صنعتها قنوات سياسية وإعلامية تعرف تمامًا ما تفعل، فليس جديدًا هذا السلوك، لكن الجديد، أن يتمادى بعضهم اليوم في محاولات تصوير طرابلس على أنها “حاضنة للإرهاب”، مدينة داعشية بالهوية، خطر كامن على الداخل اللبناني، وكأنها تعيش خارج التاريخ والجغرافيا، أو كأن مجتمعها مجرد غطاء لمشروع ظلامي، تلك صورة مدسوسة، يُراد ترسيخها في وعي اللبنانيين، بينما الواقع أبعد ما يكون عنها.
طرابلس ليست ساحة صراع مسلح، ولا منطقة خارجة عن سيطرة الدولة – كما يحلو للبعض أن يلمّح، فالأجهزة الأمنية حاضرة فيها، وتقوم بواجباتها، وأبناء المدينة، بغالبيتهم، يعيشون تحت سقف القانون؛ رغم كل ما يعانونه من فقر، وتهميش، وإقصاء، ولكن مع كل حادث أمني، سواء في طرابلس أو في مناطق أخرى، يتم استحضار خطاب قديم/جديد: “طرابلس المتطرفة”، “طرابلس القابلة للاشتعال”، “طرابلس النموذج الداعشي”.
وهكذا، تحوّلت المدينة إلى مرآة مشوّهة يُسقط عليها الآخرون عُقدهم السياسية والطائفية، دون أن يتوقفوا لحظة أمام واقعها الإنساني والاجتماعي، فحتى الحوادث الأمنية الأخيرة، التي طاولت مناطق مختلفة من لبنان وسوريا – ومنها تفجير كنيسة مار إلياس – لم تسلم المدينة من الاستخدام الإعلامي له، حيث تم توظيفه لإعادة إحياء سيناريو الشبهة والاتهام ضد طرابلس، وكأن في المدينة خلايا نائمة تتحرك بأمر مباشر.
الواقع أن من يحرّك هذه الروايات، ليس حريصًا على الأمن، بل مستفيد من الخوف، ومن يعيد تدوير التهمة، ليس صاحب مشروع وطني، بل باحث عن عدو يعلّق عليه فشله السياسي. أما الزعران الذين يُستخدمون كذريعة في بعض الأحياء، فهم حصيلة تقاطع مصالح وأدوار؛ وليسوا انعكاسًا لهوية المدينة، ولا لأهلها.
طرابلس، المدينة التي قدّمت للبنان تاريخًا من العلم، والتجارة، والانفتاح، تُواجه اليوم معركة وجودية؛ ليست مع التطرف، بل مع الصورة الملفقة عنها، والإصرار على وسمها بصفات لم تكن لها يومًا، هو أخطر أشكال العنف الرمزي، فقبل أن يطالها الإرهاب، يطالها الظلم، وقبل أن تُتَّهَم، تُستهدف معنويًا وسياسيًا وهذا ما يجب أن يُقاوَم، فالمدينة تقاتل كي تُرى كما هي: مدينة تنبض بالحياة… لا تشتعل بالكراهية.