جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / عن أي “طاولة حوار” يتحدث بري؟ وما هو طبقها الرئيس؟
2bd196f6-6149-46c7-9949-70e2a8374edb

عن أي “طاولة حوار” يتحدث بري؟ وما هو طبقها الرئيس؟

جورج شاهين
على وقع الضجيج الذي تسبّبت به الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء وتردداتها السياسية والدستورية والطائفية على بيوت الحلفاء وحلفاء الحلفاء، وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة علنية الى الحوار يوم الخميس المقبل بديلاً من الجلسة العاشرة لانتخاب الرئيس بعدما عبرت التاسعة منها من دون إنجاز المهمة المكلّف بها. وعليه، طرحت الاسئلة عن الظروف التي دفعت بري الى هذه الخطوة وما يمكن ان تنتهي إليه؟

لم يفاجأ أي مراقب سياسي او ديبلوماسي بالدعوة التي وجّهها بري الى الحوار على مستوى الكتل النيابية تحت قبة البرلمان. فقد سبق له ان شدّد على اهمية التوافق على انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية على خلفية القول ان «لا شيء يحصل إلا بالحوار». وتمهيداً لهذه الدعوة فقد استغل بري رده على اسئلة بعض النواب في الحلقة التاسعة من مسلسل جلسات الخميس لانتخاب الرئيس ليذكّر بأنه «منذ ما قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية» وهو «يحاول إجراء حوار للاتفاق على انتخاب الرئيس». وإلا «ليس امامنا عندئذ إلا الذهاب الى آخر السنة».

وقبل الدخول في التفاصيل المتصلة بالظروف التي أدت الى هذه الدعوة وحجم الرهان المعقود عليها، لا بد من التوقف امام بعض المؤشرات التي استبق بها بري دعوته، فقد ظهر واضحاً ان هناك تناغما مسبقا بينه وبين اكثر من مكوّن نيابي، فالمداخلات التي سبقت فتح صندوقة الاقتراع بالإنتخاب الذي افتقد صفته السرية لمجرد التوقف عند النتائج التي عبرت عنها الأوراق، سواء البيضء منها او تلك التي حملت اسماء علم متفرقة، تنمّ عن نيات البعض منهم والتي لا يمكن تفسيرها سوى مزيد من الاستخفاف بموقع رئيس الجمهورية وهيبته في وقت يتلازم حديثهم العلني عن أهمية الموقع المسيحي الاول في الدولة الى حد «تقديسه» والدفاع عن صلاحياته.

ولذلك، تم تفسير تذكير بري بأنه حاول جمع المكونات النيابية قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون للتذكير بالموقف المتشدد الذي عبّر عنه الاخير رفضاً لمثل هذه الخطوة وصولاً الى القول انه لا يحقّ لرئيس مجلس النواب استضافة مثل هذه الطاولة بهدف الحوار أيّاً كانت الظروف المؤدية إليها. وقد جرى ذلك على وقع الحديث عن امكان تحويلها الى لقاء «نيابي تشاوري» بدلاً من ان يكون تحت عنوان الحوار الذي يقع على مسؤولية رئيس الجمهورية لوحده. ولذلك، فقد انتهت مبادرة بري الى ما انتهت اليه من دون ان يستسلم للأمر الواقع الى ان وصل الى خلو في سدة الرئاسة وفي المرحلة التي سمحت له بتوجيه مثل هذه الدعوة في غياب رئيس الجمهورية.
وانطلاقاً من نظرية الخروج مما فرضته تلك المرحلة من فشل في تلبية الدعوة الى الحوار، فقد جاءت الدعوة المتكررة لبري بالأمس لتعطي انطباعاً آخر يوحي بأن مسلسل الاتصالات الجانبية التي واصلها قد وصلت الى خواتيمها السعيدة. ويستدل من ذلك «المناوشات الايجابية» التي شهدتها الجلسة التاسعة وخصوصا ما بين بري و«القوات اللبنانية»، وهو ما عبّرت عنه المداخلة الهادئة للنائب فادي كرم والجو الإيجابي الذي دلّ إليه رد بري الهادىء والمرحّب. فـ«القوات اللبنانية» هي القوة الأساسية الأولى التي جاهرت برفض دعوة بري السابقة الى الحوار قبل ان يقول رئيس الجمهورية ومحيطه كلمته في «حجب الحق» عن رئيس السلطة التشريعية بتوجيه مثل هذه الدعوة بوجود رئيس الجمهورية. وجاءت الموافقة الكتائبية الفورية بعد انتهاء الجلسة على لسان نائبها الياس حنكش قبل ان يقول رئيس الحزب مساء كلمته الفاصلة ترحيباً بالدعوة الى الحوار لتعطي انطباعاً بأنّ طاولة الحوار ستعقد الخميس المقبل، ما لم يعلن أي طرف آخر موقفا مفاجئا قبل هذا الموعد وهو أمر مستبعد فبقية الأطراف سبق لها ووافقت على تلبيتها.

وبناء على ما تقدم، وإن بقيت المواقف الايجابية على ما هي عليه فإنّ الاسئلة ستنتقل على الفور الى فهم ما يريده بري منها وما يمكن ان يطرحه لتكون مادة جديدة تقود الى الحوار الناجح فلا تعقد هذه الجلسة على أبواب عيدي الميلاد ورأس السنة لتزرع مزيداً من الشكوك لدى أوساط اللبنانيين في قدرة المسؤولين على انتاج حل يَقي البلاد ما هو متوقّع من أزمات مخيفة. ولعل أكثرها خطورة يقدر من خلال الوجع المنتظر من الانهيار المتمادي لسعر صرف الدولار الذي بات يقفز بعدة آلاف يومياً باتجاه الخمسين الفاً، وهو ما توقّعه خبراء كثر ما لم تواجهه المنظومة بقرارات سياسية تريح البلاد والعباد، وتعطي مؤشراً الى امكان التوصل الى سد الشغور الرئاسي في وقت قريب لِلجم ما هو متوقع من فتاوى دستورية واجتهادات ترفع من نسبة الانقسام الطائفي بين اللبنانيين واعادة انتظام المؤسسات الدستورية لتلقي العون الخارجي الموعود والمساعدات المرتقبة فور تحقيق أي من هذه الخطوات الايجابية.

على هامش هذا النقاش نُقل عن اوساط بري انه جدّد دعوته استناداً الى ما تقدم من مخاوف اثارتها جلسة مجلس الوزراء الاخيرة ورفعت تردداتها المذهبية الى السقف الاعلى، ليس على مستوى العلاقة بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» بمقدار ما أثارته على الساحة السنية من «نشوة» كان يتمناها ميقاتي لتعزيز حضوره عليها في ظل غيابه التام عن الساحة النيابية من دون احتساب ما يمكن ان يؤدي اليه الحشد المذهبي الذي يقوده «التيار الوطني الحر» من خلال التوجّه الى بكركي لِحضّها على مواقف تنادي بوقف الاستهتار بموقع رئاسة الجمهورية. على رغم من استبعاد ان تكون كل أسباب الدعوة الى مجلس الوزراء الوصول الى مرحلة الانقسام المذهبي بين التيار والسنة. فلا التيار يمثّل جميع المسيحيين ولا ميقاتي هو الناطق الوحيد باسم السنة وان اصطَفّت خلفه قيادات روحية سنية لمرحلة ظرفية ومحدودة. وان كان هناك من يسعى الى هذه الأجواء «الفتنوية» فإنه سيكتشف سريعاً ان المشكلة في مكان آخر.

وانطلاقاً مما تقدّم من سيناريوهات متفاوتة في شكلها ومضمونها، يبقى على المراقبين استكشاف الأجواء التي دفعت بري الى مبادرته الاخيرة ومدى جديتها. فقد اعتقد البعض انّ الارانب فقدت من كم الرئيس المقيم بنحوٍ دائم ومتواصل في عين التينة منذ اكثر من ثلاثة عقود، وأن الجزر المطلوب قد بلغ اسعاراً خيالية. إلا ان ما جرى أمس شكّل بارقة أمل بأن هناك ما شجّع بري على الدعوة قبل التثبّت مما يمكن ان يقدمه من طبق رئيسي على الطاولة، وهو أمر لا يقف عند «قدراته الحركية» فحسب، وإن صحّت الرواية التي تقول انّ «حزب الله» قد وَفّر له اولى الاطباق والتي يعتقد بأنها ستكون ولمرحلة تكتية تراجعاً عن ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الى حين ثبوت فقدان البديل.

المصدر: صحيفة الجمهورية