جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / اقتصاد / غبار الكسارات في البقاع… حين يعمّ الضرر الصحي والبيئي
29-09-17-KessaratBikAA

غبار الكسارات في البقاع… حين يعمّ الضرر الصحي والبيئي

إشتكى أهالي «المربّع» السكني سيئ الحظ (قب الياس وادي الدلم، المريجات، مكسة، حي البحصاصة)، من النتائج الكارثية على صحة عائلاتهم نتيجة غبار الكسارات «المتمركزة» منذ عقود في مرتفعات ضهر البيدر وتلال قب الياس المطلة على سهل البقاع.

في الوصف الميداني لواقع الحال، تغطي سماء هذا المربّع غمامة بيضاء منذ ساعات الصباح الأولى. وتداعياتها تتواصل نهاراً بسبب عمل الجرافات وسيارات الشحن المخصصة لنقل الحصى ومشتقاتها.

و«الغبار السام والقاتل» بحسب توصيف الاهالي، ليس له وقت محدد مرتبط بعمل كسارة واحدة. فالموضوع أخطر من ذلك بكثير بسبب من تحول قمم جبال قب الياس – وادي الدلم ومعها قمم ضهر البيدر المطلة على البقاع وعين دارة الى «مجمع» كبير لكسارات تعمل على مدار الساعة. كما ان عمليات نقل «الستوك» لا تتوقف خاصة وان «الاحتياط الاستراتيجي» لاصحاب الكسارات من مادة «الذهب الابيض» لا تنضب، ولن تنضب قبل القضاء على كل ما تبقى من تلك الجبال التي نتغنى بها.

والى «أعاصير» الغبار الضاربة للمجمعات السكنية المحيطة والبساتين والمزروعات، ودائما ضمن التوصيف الميداني، فإن قمم جبال قب الياس والجوار وصولا الى مرتفعات عين دارة، «تشبه فم تسعيني جعله تقادم الزمن من دون أسنان واضراس»، على ما قال أبو محمد، أحد سكان البحصاص.

ويأسف لما آلت أليه حال أهم جبال لبنان، فقد حولتها الكسارات الى مسطحات بيضاء بفعل «السرك» وعمليات التفجير والحفر العشوائي من دون أي وازع اخلاقي وحتى قانوني. ويسأل: «لماذا لا يلتزم هؤلاء القوانين والانظمة المرعية؟ وأين أصبح تنفيذ اهم شرط من شروط عمل الكسارات، وهي إعادة تشجير وتأهيل المواقع المستهدفة من بابازات الكسارات».

إلا ان شكوى «ابو محمد» تبقى متواضعة أمام هول «اجتياح» موجات الغبار للابنية السكنية في قب الياس والبحصاص. ويقول محمد الحاراتي: «نحن نعيش كارثة حقيقية منذ عقود، وهي بلغت اليوم مبلغا خطرا لا نعرف الى اين يأخذ الامن الصحي لعائلاتنا. ويشير الى وجود حالات كثيره لامستها امراض الربو بفعل تنشقنا للغبار على مدار الساعة. ويحيلنا الى اطباء المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو ستين الفا بين قب الياسيين ومقيمين وعدد مماثل من النازحين السوريين ما يعني وقوع نحو 120 الف مواطن ضحية يومية لتنشق الغبار».

ويتقاطع راي الحاراتي مع شكاوى عشرات المزارعين الذين حذروا من المخاطر الصحية الناتجة عن الطبقات المتشكلة من الغبار السميك على المزروعات كافة. المزارع أحمد المعلم وصف حال القطاع الزراعي بالكارثي اذا لم يوضع حد لعمل الكسارات سواء من خلال التنظيم أو رفع الأذى عن الجوار. ويرشدنا الى البساتين والحقول الواقعة بين الحديقة العامة واول منطقة الصفرا على الطريق العام، اذ يخال عابر الطريق لاول مرة ان «ثلجاً» تساقط فوق المنطقة.

ويوضح الاضرار الناتجة من تراكم الغبار على بساتين التفاح والأجاص والدراق وغيرها، ويتوقع تلف آلاف الاشجار في وقت قريب لانها اصبحت تنمو بشكل غير طبيعي اطلاقا.

والمعاناة تطال ربات البيوت، ايضا. تقول «أم الياس»: رغم الطقس الحار، فنحن ملزمون بالابقاء على نوافذ المنزل مقفلة تجنبا لتنشق الغبار وحفاظا على سلامة أثاث المنزل. واذا ما اردنا تغيير الهواء قليلا، فالضريبة غير عادية حيث نضطر الى تنظيف وشطف بيوتنا مرات عدة في النهار الواحد. ودعت من يهمهم الامر، من ادارات مسؤولة وناشطين بيئيين وجمعيات، الى زيارة قب الياس – وادي الدلم وبخاصة الاحياء الواقعة عند سفح جبل حيدرة ومندرة ومرتفعات ضهر البيدر وتلال حي البحصاص.

وتتحدى «ام الياس»، ومعها العديد من ابناء وادي الدلم والبحصاص، ان يتمكن الزائر من الوقوف لدقائق خمس في تلك المناطق في الاوقات التي تعمل فيها الكسارات أو فترة عمل شاحنات نقل البحص. والمعاناة في قب الياس تطال اهالي بلدتي مكسة والمريجات وصولا الى بوارج، اذ يلفت علي الميس (مكسة) الى الارتفاع المتزايد بعدد المصابين بأمراض الربو والحساسية. ويؤكد: نحن لا نتشق الهواء الذي تشتهر به قرانا وجبالنا، نحن منذ عقود لا نتنشق سوى غبار الكسارات وسخامها وفي المقابل هم يكدسون الثروات على حساب صحتنا وعلى حساب أمننا الغذائي. وطالب بالعودة الى المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات أو فرض شروط بيئية وصحية قاسية على اصحاب الكسارات تكون سلامة البيئة والناس في رأس اولوياتها وهذا امر سهل التطبيق اذا ما فرضت شروط تزويد «مجمع الكسارات» بفلاتر وتنظيم أوقات العمل وتحديد المساحات المستثمرة واعادة تحريشها وريها. وتابع: بالنسبة لمنطقتنا المنكوبة، وبالتحديد قمم جبال ضهر البيدر وبمهرية وعين دارة وقب الياس وغيرها، يجب توقف عمل الكسارات جميعها دون استثناء. نعم، لقد تعبت الجبال، هذا اذا بقي منها شيء. وتعبنا، واصابنا القرف من سلطة لا تحمي ناسها، من المتاجرين بصحة المواطن وببيئة الوطن.

امام هذا الواقع المقيم، والمستمر بقدرة اصحاب الكسارات وحماتهم على السواء، يصعب التكهن بامكانية حلول ناجعة تعيد للبيئة بعضا من حقها، وتعيد لسكان الجوار بعضا من حقهم أيضا بالعيش كما كانوا في بيئه سليمة ونظيفه تشبههم ولا تشبه غيلان الحجارة والحصى. وعليه فإن المربع السكني الذي يضم نحوا من مائتي الف مواطن، سيبقى غارقا في سحب الغبار ومعهم بساتين وحقول المنطقة. وستبقى الفاتورة الصحية والنفسية مرتفعة، مع العلم ان اهالي المنطقة لا يراهنون على اية مبادرة، بل يستعجلون فقط قدوم موسم المطر والثلج. فالطبيعة على ما يقولون، قادرة على رفع الأذى لاشهر قليلة قبيل عودة كسارات الأذى وتخريب البيئة وقهر المواطن الى العمل مطلع كل ربيع.
أحمد كموني – المستقبل