جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / قماشة الرجال الرجال
2017-04-09-16-51-07--592447159

قماشة الرجال الرجال

ثمة كرامات تأبى الضيم ولا تهاب الصراخ. يقول البعض لأصحابها: البراغماتية تفرض عليكم الكر والفر. كأن تنحني أمام عاصفة. كأن تنساق في ركاب الراكبين. لا بأس بصفعة من هنا أو بهدلة من هناك. المهم أن تحصل على منصب أو تحافظ عليه. فالكرامة حمّالة أوجه. ومنّ يسأل أساسًا عن كرامة. الجماهير تحب المواقع، تدوس على كرامتها وتلهث خلف أصحابها، تمامًا كما يلهث أصحابها خلف من يرفس كرامتهم مع اشراقة كل صباح.

بدا فؤاد السنيورة وحيدًا وهو يتلقى السباب في الجلسة الأخيرة. لم يتحرك أحدٌ من نواب الكتلة التي يرأسها للدفاع عنه. ربما كان بعضهم سعيدًا بهذه الإهانة، لكن الأكيد أنهم جميعًا عاجزون عن المبادرة خوفًا من الاشتباه بأي علاقة تجمعهم بالرجل، فالعلاقة بفؤاد السنيورة باتت تهمة يُصنفها تيار المستقبل في خانة الكبائر.

بعض نواب ووزراء التيار يُحاسبون على الشبهات والوشايات. يراقب أحمد الحريري وغيره كل تصرفاتهم وعلاقاتهم. يُسقط عليهم الاتهام تلو الاتهام. لا ثقة بأحد. جميعهم متهمون بالتآمر وطبخ الانقلابات في الغرف المغلقة، وما إن يخرج أحدهم منتصرًا لكرامته حتى يرجموه بما تيّسر من قدحٍ وذمٍ وبيانات تصوّب خطيئة لا تُغتفر.

مشكلة فؤاد السنيورة تكمن تحديدًا في كرامته المتجذرة. في صوته الصارخ. في رأيه وشجاعته وبسالته. لم يُظهر أي ليونة أمام ترغيب أو ترهيب. لم يذهب نحو عقد صفقات تحمي رأسه على حساب وطنيته وعروبته ومبادئه. بدا الرجل صلبًا ومغامرًا وصانعًا للسياسة وأدبياتها. بل أكثر من ذلك. أظهر أنه عصيّ على الكسر، وواهم من يظن أنه قادر على سحق إرادته أو تقزيم هامته ومس كرامته.

مشكلة فؤاد السنيورة هي عينها مشكلة أشرف ريفي وأحمد فتفت وخالد الضاهر وغيرهم الكثيرون. ما يجمعهم هو الاعتراض والرفض والتمايز، وهذه قماشة لا تروق لتيار المستقبل. يريدهم جميعًا أن يقدّموا فعل السمع والطاعة، فلا صوت يعلو فوق صوته، ولا رأي يختلف عن رأيه. أما التنوع وحرية التصرف والتعبير، فذاك شعار فارغ ومخصص حصرًا للاستهلاك الاعلامي والشعبوي.

رفض أشرف ريفي أن يكون دمية في يد هذا أو ذاك، أو أن يتجرع أمر اليوم قبل كل موقف أو تصريح. عبّر عن رأيه بكل تجرّد ووضوح، وتصرف بما يمليه ضميره وتحتمه كرامته. ثم راح يصرخ بكل حناجره: يريدون أن نبصم لهم بأصابعنا العشرة بلا اعتراض أو سؤال. يريدون أن يشطبونا من الحياة السياسية والوطنية لأننا تجرأنا على الرفض ورفع الصوت بوجههم ووجه غيرهم. يظنون أننا نستوي وبعض الرعاع والمتسلقين والمستوزرين. فاتهم أننا أهل كرامة وأهل دم. فاتهم أننا من قماشة الرجال الرجال.

بخروج أشرف ريفي، خسر التيار نبض الشارع وكرامة الناس، وبالخروج المتدرّج والنافر لفؤاد السنيورة يخسر التيار وجدانيته ومشروعيته وقلبه النابض. لاحقًا ستخرج البقية الباقية من الكبار، وسيبقى صغار النفوس والأحلام. حينها، وحينها فقط، يموت رفيق الحريري.

(قاسم يوسف)