جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / كيف أصبح الإنسان ذكيا؟
02-01-18-2-1-18-22-349x200

كيف أصبح الإنسان ذكيا؟

نشرت مجلة “الإيكونوميست” الأميركية تقريرا، تحدثت فيه عما اكتشفه الفيلسوف الأميركي والعالم المعرفي، دانيال دينيت، في كتابه الجديد “من البكتيريا إلى باخ والعكس: تطور العقول”، بعد أن أمضى قرابة نصف قرن من البحث في هذا الموضوع.

وقالت المجلة، في تقريرها إن الخلايا العصبية البشرية تتصل بشكل من الأشكال بخلايا الخميرة الصغيرة، التي تنحدر بدورها من ميكروبات أبسط تكوينا. وعلى الرغم من ذلك، تعد هذه الخلايا منظمة في شكل بنية تسمح بابتكار مآثر مدهشة.

وذكرت المجلة أن تطور الدماغ يعود إلى عملية الاصطفاء الطبيعي، التي جاءت في إطار نظرية داروين، والتي تشرح كيف تنشأ كائنات عضوية معقدة تدريجيا من خلال الحفاظ على الطفرات المفيدة والتخلص من الطفرات الضارة. وتتطلب العملية التطرق إلى نظرية داروين عن السببية بشكل مخالف، أي أن نجري تغييرات جريئة على مستوى نظرتنا إلى طبيعة الهندسة التكوينية والغرض والوعي؛ بغية الحد من قوة “الجاذبية الديكارتية”، أو ميل الإنسان إلى التفكير في العقل على أنه لغز وشيء غير مادي.

وأشارت المجلة إلى أن شعار “الكفاءة بلا فهم” من الشعارات الأساسية التي يرفعها دانيال دينيت. فمن وجهة نظره، مثلما يمكن لأجهزة الكمبيوتر إجراء عمليات حساب معقدة من دون أن تفهم الحساب، تستطيع المخلوقات أن تقوم بسلوك محدد بدقة عالية، من دون أن تدرك السبب وراء ذلك. ولا يخضع السبب الذي يقف وراء سلوك هذه المخلوقات، الذي بدر منها سواء للإفلات من مفترس أو لإغواء الجنس الآخر، لأي قيود على حد تعبير دينيت، نظرا لأنه راسخ في هندسة تكوين المخلوقات بشكل ضمني، في حين أنه ليس مجسدا في أدمغتها.

وفي هذا السياق، أوضح دينيت أن “الكفاءة من دون فهم، نشأت انطلاقا من الطابع الافتراضي في الطبيعة، الذي ينطبق حتى على الحيوانات العليا”. ولسائل أن يسأل: كيف نشأ الذكاء البشري؛ نظرا لأن الإنسان لا يملك قدرات خاصة تمكنه من الفهم؟ وقع تعزيز العقل البشري من خلال عملية التطور الثقافي، التي تعمل استنادا إلى الميمات، وتعد سلوكا قابل للنسخ. وخير مثال على ذلك، الكلمات التي ينتجها الإنسان.

وأوضحت المجلة أنه في البداية، انتشرت الميمات (الأفكار) بين الجماعات السكانية، كما تنتشر الفيروسات. وقد كان بعضها من الميمات المفيدة التي تكيف العقل البشري معها، وقام باحتضانها وتنميتها؛ نظرا لأن التطور الوراثي والتطور الميمي كانا يعملان معا. والجدير بالذكر أن الكلمات وغيرها من الميمات وفرت للإنسان إمكانيات جديدة تمكنه من التواصل، والتمثيل، والتأمل، ومساءلة الذات، ومراقبتها.

وأشارت المجلة إلى أنه من خلال استخدام لغة الكمبيوتر، وفر تطور الميمات “أدوات تساعد على التفكير”، التي حولت البشر إلى مصممين عاقلين، وساعدتهم على إحداث ثورة حضارية وتكنولوجية. وينظر دانيال دينيت إلى وعي الإنسان على أنه نتاج عوامل وراثية وميمات، حيث تؤدي الحاجة إلى التواصل أو حجب الأفكار إلى إيجاد “نبذة منقحة” عن العمليات المعرفية. وعادة، تكون العناصر الذهنية الراسخة في الوعي أقرب إلى الخيال منها إلى التمثيلات الدقيقة للواقع الداخلي.

وأكدت المجلة أن دينيت يتوقع أن تستمر أجهزة الكمبيوتر في التطور وامتلاك قدرات متزايدة، لكنه يشكك في أن تكتسب فهما حقيقيا في وقت قريب؛ لأنها تفتقر إلى الاستقلال الذاتي والممارسات الاجتماعية التي عززت عملية الفهم عند البشر. فضلا عن ذلك، يشعر دينيت بالقلق إزاء مغالاة البشر في تقدير ذكاء اختراعاتهم والاعتماد عليها اعتمادا مفرطا، وتآكل المؤسسات والممارسات التي يعتمد عليها فهم الإنسان نتيجة لذلك.

وفي الختام، بينت المجلة أن الجوانب التي تطرق إليها كتاب دانيال دينيت تدل على ثرائه، حيث يقدم دينيت تفسيرات واضحة للأفكار التي يسوقها مع أعمال تجريبية شيقة. وفي حين أن الكثير من مزاعمه مثيرة للجدل، حيث قد يتمكن من خلالها من إقناع بعض القراء، في حين قد يعجز عن إقناع البعض الآخر، إلا أن دينيت يحظى بسجل ممتاز يخول له التنبؤ بالتطورات التي ستحدث بالنسبة للعلوم الاستعرافية.