لكل شخص طريقته في الحفاظ على صحته الذهنية والبقاء في حالة من الصفاء النفسي ومغادرة القلق اليومي الذي تتسبب فيه الحياة بكل ما فيها من تفاصيل.

فإذا كان البعض يمارس التأمل أو اليوغا أو الصلاة، أو يقوم بعمل قوائم مفصلة لبرنامج الحياة اليومية، فإن هناك من يحافظ على التوازن بتربية الحيوانات الأليفة التي يجد معها الراحة النفسية.

غير أن ثمة حلا آخر يتعلق بالاحتفاظ بمذكرة ورقية يقوم الفرد بالتدوين عليها، من مشاعره وأفكاره ومخاوفه إلى كل شيء ممكن يخطر على البال، بحيث يساعده ذلك على التوازن الذهني.

تقول الكاتبة أبيجيل تشاندلر في مقال نشرته بصحيفة “مترو” البريطانية بعنوان “كيف تساعدنا المذكرات على المحافظة على صحتنا العقلية؟”، إنها بدأت شخصياً هذا الحل منذ عمر الـ 12 عندما قرأت عدداً من الكتب تشير إلى أن الفتيات يحتفظن بدفتر لليوميات، ما يجعلهن متوازنات نفسياً.

وتقول إنها حافظت على هذه العادة لعشرين سنة دون فاصل، بحيث تنهي نوتة لتبدأ في تعبئة الأخرى، ما جعل أكبر مشكلة في التخزين عندها تتعلق بكمّ هائل من المذكرات الورقية.

لكنها تشير إلى أنها قد لا تكتب يومياً، حيث تحافظ على ذلك بمعدل أسبوعي ثابت لمرة واحدة، وتقول: “هذا الوقت الذي أقضيه لكتابة مذكراتي كل أسبوع لا يقدر بثمن”.

من تفريغ إلى ترجمة للمشاعر

في البداية كانت الكتابة عبارة عن تفريغ لما وصلت إليه من أفكار أو تجارب، ولكن مع الوقت تطورت لتصبح ترجمة للمشاعر الداخلية والخاصة جدا، والسبر في أغوار الذات، خاصة مع احتدام ظروف الحياة والبحث عن حلول للمستعصيات من الأمور.

وتوضح أن الرجوع إلى بعض المذكرات في الماضي يكشف أنها كانت فعليا تعاني من قلق يتطلب حلولاً ومساعدة من نوع ما، وأدركت أن المشاعر السلبية كانت تأخذ منها أكثر مما تتصوره الآن.

في المقابل، فإن تقليب هذه المذكرات يكشف أن حياتها الشخصية لم تكن بالسوء الكبير حتى وهي تعاني أشد حالات الاكتئاب في بعض الظروف.

ضوء في نهاية النفق

وترى أبيجيل تشاندلر في استعراض تجربتها هذه: “إن الإنسان هو من يتحكم في ظروفه، فمن السهل عليه أن يحاصر نفسه إذا أراد والعكس صحيح. فأنت من يقرر حالتك النفسية عندما تريد أو لا تريد، أن ترى الضوء في نهاية النفق أم لا”.

وتمضي للتأكيد بأن اليوميات هذه تساعد في طمأنة الفرد، بأنه – مثلاً – كان على ما يرام قبل أسبوعين، وأنه على الأرجح سوف يستمر في هذا الوضع مرة أخرى قريبا.

تقول: “ولكن المهم أن هذه المذكرات ساعدتني في الحفاظ على توازني الذهني، وليس مطلوباً من الشخص سوى الجلوس لمدة ساعة مع كوب من الشاي وقلم لممارسة هذه الطريقة من تمرين الذهن على الكمال”.

وتقول: “أستطيع التركيز على أموري الشخصية، والترفيه ما أمكن في الأيام الأخرى، وبمجرد أن تظهر الصعوبات فإن الكتابة سوف تكون هي العلاج”.

الطابع العقلاني للأفكار

تبسيطاً للأمر، فهي ترى أن وضع الأفكار على الورق يساعد على رؤية الأمور بشكل منتظم، وبالتالي حلّ المشاكل بطريقة سلسة، بخلاف أن تبقى محشودة في الذهن بطريقة عشوائية، فالورق يعطي الأفكار طابعاً عقلانياً.

وتوضح كذلك أنه في حال الحاجة إلى قرار معين، في الحياة، مع صعوبة الفرز، فإن المذكرات تساعد في تمييز الإيجابيات والسلبيات ما يساعد في اتخاذ ما هو مناسب، وتشير إلى أن ذلك لا يأخذ وقتاً للوصول إلى القرار النهائي.. “فعندما انتهى من الكتابة، أدرك أين يكمن قلبي، في أي قرار معين”.

وتقول مضيفة: “إذا كانت لدي مشكلة أو قلقة بشأن أمر معين، أو أن شيئاً ما عظيماً سوف يحدث، فإنني أكتب مذكراتي في كثير من الأحيان، حيث أكشف فيها عن مشاعري وأصنفها لأكون أكثر قوة”.

الورق أكثر ثقة من الناس

تقول: “حيث إن عملي يتعلق بالكتابة، فأنا أكتب طوال حياتي والكتابة باتت عملا آلياً بالنسبة لي لكنه يشعرني بالمتعة. صحيح أنه في بعض السنين السابقة لجأت إلى الكلام المباشر لتفريغ المشاعر، إلا أن الثقة بالورق أكبر، فمن الأسهل أن تثق بالورق من أن تثق بإنسان”.

تضيف: “حتى لو أنني رغبت في الحديث مع صديق أو صديقة عن مشاكلي، فإنني قبل أن أفعل ذلك لابد أن أستعين بالمذكرات والورق للنفاذ إلى صلب الموضوع قبل الشروع في المهاتفة أو الكلام”.

وتختتم قائلة: “صراحة لا أظنني أستطيع التوقف عن تسجيل مذكراتي إذا حاولت ذلك، وربما أنني في حاجة إليها أكثر من أي وقت مضى، لأنها تحفظ صحتي العقلية أكثر مما أستطيع إحصاءه من المرات”.