جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / لقاء أولياء التلاميذ في طرابلس: محاولة تكتّل في مواجهة جشع المدارس
11-08-17-p06_20170811_pic1

لقاء أولياء التلاميذ في طرابلس: محاولة تكتّل في مواجهة جشع المدارس

اللقاء الذي جمع عدداً من أهالي التلاميذ في المدارس الخاصة في طرابلس والشمال، شكّل خطوة لم تعد معهودة في مواجهة الابتزاز الذي يمارسه أصحاب المدارس، من أجل فرض زيادة الأقساط وبالتالي تكبير أرباحهم الكبيرة أصلاً. هذه الخطوة الفريدة، إذاً نجحت مساعي تعميمها وتوسيعها وإقناع الأهالي بجدوى خوض المعركة، يمكن أن تساهم باستعادة بعض التوازن المفقود بين مصالح الأسر ومصالح أصحاب المدارس، ويمكن أن تفسح في المجال لإيجاد مقعد للجان الأهل على طاولة المفاوضات الجارية، التي لا تزال، حتى الآن، تستبعد ممثلي الأهل الذين سيدفعون الكلفة وحدهم

تحت عنوان «معاً لأقساط مدرسية مدروسة»، تداعى عدد من أهالي التلاميذ في المدارس الخاصة في طرابلس والشمال إلى لقاء حواري، مع خبراء وباحثين ونقابيين، عُقد في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس.

طغى هاجس الزيادة على الأقساط التي لوحت بها هذه المدارس الخاصة قبل انطلاق العام الدراسي المقبل، وجرت مناقشة القانون 515 / 96 الناظم لموازانات المدارس، وسبل المواجهة القانونية، ودور لجان الأهل، وتبادل التجارب، وتشكيل لجان متابعة لهذه الغاية.

باكورة نشاطات أخرى

يوضح منسق اللقاء، قحطان ماضي، لـ»الأخبار» أن هذا اللقاء هو باكورة نشاطات أخرى مقبلة سيجرى تنظيمها قبل انطلاق العام الدراسي، وسيتم تشكيل هيئة تنسيق ومتابعة لهذا الغرض، على أن يرافق ذلك تحركات وخطوات تصعيدية على الأرض. وقال: «سندعو لجان الأهل والأهالي لمشاركتنا هذه التحركات التي ستكون شرسة ضد كل مدرسة تعمل على رفع الأقساط».
بحسب ماضي، سيتم فضح المدارس الخاصة التي تهدد برفع أقساطها من دون حسيب أو رقيب (…) عبر دراسات موازانات هذه المدارس وتبيان عدم أحقية زيادة الأقساط، ولا سيما أن بعض المدارس زادت أكثر من 100 في المئة على أقساطها في السنوات الأخيرة، ما يدفع للسؤال: «هل هذه المدارس هي مؤسسات تجارية أم تربوية؟».
عرض أحمد عبد الله تجربته، فهو الناشط الذي قامت مدرسة روضة الفيحاء بطرد أولاده الثلاثة منها: جاد وأنس وإياد، وأبلغته عبر كتاب رسمي أنها لن تستقبلهم العام الدراسي المقبل بسبب انتقاده الدائم للمدرسة على وسائل التواصل الاجتماعي. قال: «يبدو أنهم يريدون بهذا القرار أن يربّوا الناس ويمنعوهم من رفض زيادة الأقساط، لكن نحن نريد أن ننصف الناس، لأن الموضوع وطني وليس شخصياً، وكي لا يعاقب تلاميذ آخرون مثل أولادي في حال انتقد أهلهم مدارسهم ورفضوا زيادة الأقساط». وافقه بسام الجمل، عضو لجنة الأهل الرديفة في مدرسة الروضة، الذي أبدى استنكاره لخطوة طرد التلاميذ، لأنه «إذا سكتنا فسيتكرر الأمر في المدرسة نفسها وفي مدارس أخرى،»، مقترحاً «تأسيس تجمّع يرعى مجالس الأهل في الشمال حتى لا يسمح بتدمير قطاع التعليم الخاص».

مشاريع تجارية تدرّ ربحاً

يلفت رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة السابق، نعمة محفوض، إلى أن «الموضوع وطني وليس خاصاً، والمشكلة هي أنه لا يوجد تعليم رسمي في مرحلة الروضة والحضانة ذو مستوى جيد، ما يضطر الأهالي لإرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة»، مستنتجاً أنه «لا سبيل للحدّ من زيادة الأقساط سوى دعم التعليم الرسمي ورفع مستواه، وأن الطلب على التعليم الخاص جعله يعمل على رفع معدل أقساطه السنوية».
يتهم محفوض أغلب المدارس الخاصة أنها «مشاريع تجارية تدرّ ربحاً أكثر من أي مشروع تجاري آخر»، مشيراً إلى أن المدارس الخاصة «تعمل على وضع الأهالي في مواجهة المعلمين، وأنها تبرّر زيادة الأقساط برفع أجور معلميها، علماً أن المعلمين لم يقبضوا أي زيادة على رواتبهم منذ قرابة 8 سنوات إلا زيادة غلاء المعيشة، برغم أن الأقساط زادت خلال هذه الفترة وبقيت رواتب المعلمين كما هي، ما يعني أن هذه الزيادة على الأقساط هي سرقة موصوفة، تشبه الفروقات الكبيرة في الأقساط بين مدرسة وأخرى، برغم أن رواتب المعلمين في جميع المدارس واحدة ومتقاربة».
يتهم محفوض ما يسميها «الطبقة السياسية» بأنها «حوّلت المدارس الرسمية إلى مزرعة وتنفيعات، وأنه أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي جرى التعاقد مع 900 أستاذ في مدارس الكورة الرسمية، برغم أن عدد الأساتذة في تلك المدارس أكثر من التلاميذ»، ومشيراً إلى أن «أغلب النواب والسياسيين يملكون مدارس ومؤسسات تربوية».

مبالغات مخيفة في الأقساط

الكلمة الرئيسية في اللقاء كانت للباحث التربوي والناشط في لجان الأهل البديلة، نعمة نعمة، الذي أوضح لـ»الأخبار» أنه «أجرينا أبحاثاً حول الأقساط المدرسية منذ نحو 4 سنوات، وتحركنا كأهل ضد الأقساط المدرسية والزيادات عليها، لأن كيفية وضع موازانات المدارس الخاصة غير واضحة ولا شفافة، وقد تبين أنه يوجد فيها مبالغات مخيفة في الأقساط، فبدأنا بتوضيح هذه الأفخاخ التي تنصبها المدارس الخاصة للأهالي، وعدم سماحها بالاطلاع على موازاناتها، التي تظهر أن نسبة الربح في الأقساط فقط تتراوح بين 40 و60%».
«نحن كلجان أهل خدعنا،
ولدينا رغبة في الانتقام ممن سرقوا مالنا بلا معرفتنا»
وأشار نعمة إلى أنه «برغم أن المدارس الخاصة وفق القانون هي مؤسسات تربوية لا تبغي الربح، ولذلك هي معفاة من الضرائب ومن ضريبة القيمة المضافة، ما يعني أن موازاناتها يجب أن تكون نهاية كل عام دراسي صفراً، لكن مع ذلك تحقق سنوياً أرباحاً تقدر بملايين الدولارات، وأن الأرباح الصافية التي تحققها المدارس الخاصة في لبنان، الإسلامية والمسيحية والعلمانية، تقدر بمليار دولار على أقل تقدير، ووزارة التربية تغطي للأسف أرباح المدارس الخاصة المسكوت عنها».
يسأل نعمة: «لماذا ترفع المدارس الخاصة أقساطها إذا كانت رواتب الأساتذة لديها لم ترتفع؟»، شارحاً أن «أي مدرسة خاصة فيها 1500 تلميذ، ويبلغ قسطها السنوي 3 ملايين ليرة، فإنها تجني ربحاً سنوياً صافياً لا يقل عن 2.5 مليون دولار»، وقدم نعمة في دراسته التفصيلية أمثلة كثيرة عن المخالفات والشكوك والتزوير في موازانات بعض هذه المدارس.
من هذه الأمثلة، وفق نعمة، أن «فواتير الهاتف الثابت في إحدى المدارس تبلغ سنوياً 120 مليون ليرة، وتخصص مبلغ 280 مليون ليرة لخدمات التنظيف، وتقدم مساعدات للتلاميذ المحتاجين لديها تبلغ 850 مليون ليرة، وتخصص 450 مليون ليرة لتطوير وتجهيز معداتها، وسعر مريولها المدرسي 50 دولاراً مع أن سعره في المعمل بسعر الجملة يبلغ 5 دولارات، وأيضاً سعر بدلة الرياضة التي يبيعونها للتمليذ بمبلغ 200 دولار بينما سعرها الحقيقي لا يتجاوز 50 دولاراً».

أين دور لجان الأهل؟

هذه الأمثلة دفعت نعمة للسؤال: «أين دور لجان الأهل في الرقابة على موازانات المدارس الخاصة، التي أنشئت لخدمة الناس لا استغلالهم؟»، مضيفاً: «نحن كلجان أهل خدعنا، ولدينا رغبة في الانتقام ممن سرقوا مالنا بلا معرفتنا، وعندما نفضح هذه المدارس نكون عندها قادرين على استعادة حقوقنا منها، لأن هذه المدارس تستغل حاجة الناس لتأمين تعليم جيد لأولادهم على حساب التعليم الرسمي الضعيف، ما يجعلها تعمل على إيجاد مجالس أهل مركبة وعلى قياس مصالح إدارات المدارس الخاصة».
وكشف نعمة أن «هناك قوانين تحمي حقوق الناس والأهالي يجب علينا اتباعها، منها المجالس التحكيمية التي ليست موجودة في أكثرية المدارس الخاصة، التي تفتعل مشاكل من أجل عدم تشكيلها».

وزير التربية: السلسلة ستنعكس حتماً على الأقساط

في ظل النقمة المتعاظمة على المدارس الخاصة التي هددت برفع أقساطها بنسب مرتفعة، سعى منسق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، الأب بطرس عازار، الى التخفيف من حدّة الاحتقان بإعلانه أن الاتحاد لن يغطي أي موازنة مدرسية مخالفة لأحكام القانون 515 المتعلق بأصول تحديد الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة غير المجانية، مطالباً بمعاقبة المخالفين باعتبار أن القانون هو عقد اجتماعي بين المدرسة والأهل والمعلمين والوزارة، ويجب احترام هذا العقد.
كلام عازار جاء خلال اجتماع الاتحاد مع وزير التربية مروان حمادة، أول من أمس. إذ نقل حمادة الى المجتمعين أجواء الكتل النيابية التي تطالب بعدم زيادة الأقساط بالمطلق، وتطرق إلى الزيادات التي حدثت في الفترة السابقة من دون صدور سلسلة. وشرح كيفية إسهام الدولة في سداد بعض أجزاء الأقساط في المدارس الخاصة والمجانية.
وعلى الرغم من الإيحاءات الكثيرة بوجود تلاعب في ميزانيات المدارس وعدم أحقية بعض المدارس بزيادة أقساطها، انتقد حمادة «الحملة التي تستهدف التعليم الخاص بغير حق»، معبراً عن حرصه على التوازن في تطبيق العقد بين الشركاء، أي إدارة المدرسة والمعلم.
الاتحاد لم يقدم في الاجتماع نتائج الدراسة التي قام بها لتقدير الزيادات على الأقساط المترتبة على سلسلة الرتب والرواتب التي أقرت أخيراً في المجلس النيابي، إنما جرى الاتفاق على عقد اجتماع للمدراء الماليين في المؤسسات، الأربعاء المقبل في الوزارة، لاستخراج المؤشرات بعد إجراء مقارنة بين أرقام دراسة الاتحاد ودراسة أخرى أعدتها الوزارة حول انعكاس قانون السلسلة في حال إقراره على الأقساط، والتي أظهرت، بحسب حمادة، «انعكاساً حقيقياً سنداً لمقتضيات القانون».
وشرح عازار كيفية تنظيم القانون 515 للموازنات المدرسية، مؤكداً ضرورة صون حقوق المعلمين في المدارس الخاصة والرسمية وعددهم نحو 50 ألفاً في القطاع الخاص وحده. ورأى أنّ «المؤسسات التربوية الخاصة هي التي صنعت تاريخ التعليم المشرف في لبنان ولا يجوز تهميشها ومهاجمتها واتهامها بما لا يليق بقائلها وبها».
واعتبر الوزير حمادة أن «كل نقطة في مذكرة الاتحاد جديرة بالدراسة ومنها رفع مساهمة الدولة في المدارس المجانية».

عبد الكافي الصمد – الاخبار