جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أمن و قضاء / هلوسة وإنتحار… هكذا كُشفت مخازن للمخدّرات
10201630173725503351020

هلوسة وإنتحار… هكذا كُشفت مخازن للمخدّرات

لم يكن ز. أ. سوى ناشط عادي في ترويج المخدرات على نطاقٍ ضيّق بين بيروت والكسليك، لكنّ توقيفه شكّل صيداً ثميناً لمكتب مكافحة المخدرات المركزي في وحدة الشرطة القضائية نظراً لِما اكتُشف من خلال هاتفه الخلوي… ومن هالِك الى مالك الى مخازن عدة للمخدرات تبيّن أنها تحتوي على بضائع بمئات الألوف من الدولارات، فما هي الرواية؟

القصة بدأت مع (ز. أ) الذي أوقِف بتهمة ترويج المخدرات، وتبيّن من خلال التحقيق معه أنّ أحد زبائنه هو شخص ملقّب بـ«ألكس» في العشرينات من العمر، لكن هذا الأخير لم يكن زبوناً عادياً يشتري المخدرات ليتعاطاها، بل ليروّجها في الملاهي الليلية ويبيعها للشبان والفتيات، وما اتّضَح لاحقاً أنّ «ألكس» هذا لم يحصر عمله مع (ز. أ) بل تبيّن أنه يشتري حبوب «أكستيسي» من الفلسطيني (ن. ه) (مواليد 1977) وهو الصيد الثمين الآخر.

الرحلة الى المخزن

ن.ه. هذا لم يكن إسماً بريئاً، بل يمتلك تاريخاً في الإجرام، ففي حقه مذكرة توقيف وبلاغ بحث وتحرٍ بجرم ترويج المخدرات وافتعال حريق في محلة فردان، إضافةً إلى بلاغ «نشرة حمراء» صادر عن الأنتربول في قبرص بجرم حيازة أسلحة وذخائر وسطو مسلّح، واعترف في التحقيق معه باستحصاله على المخدرات من أحد التجّار المتوارين عن الأنظار ويُدعى (ع. ز. إ)، الذي تبيّن من خلال المتابعة أنّ السوري (م. ص) من مواليد 1991 هو ذراعه الأيمن، وفي توقيت معيّن سيكون موجوداً في محلّة الدورة قرب مجمّع «سيتي مول»، فنصبت له دورية من عناصر المكتب مكمناً، فحاول الهروب بسيارته الرباعية الدفع، إلّا أنّ سرعة الإنقضاض عليه كانت كفيلة بشلّ حركته فأوقف ومعه اللبناني ش. ا. (1991)، وم. ا. (1991) المكتوم القيد، ليتبيّن أنّ هذه السيارة ليست سوى مخزن ضخم للمخدرات، إذ ضبط عناصر الدورية فيها: 1,245 كلغ من بودرة الكوكايين، 495غ. من مادة الباز كوكايين، 349غ. هيرويين، 120 طابع مخدّر إل إس دي، 40غ. إم دي إم إيه، 3,382غ. حشيشة الكيف، 1554غ. سيلفيا، 126غ. ماريجوانا، 51 عبوة كيتامين، 51 زجاجة سيمو، 20 زجاجة كناكيمو، 1824 حبة إكستيسي، 1131 حبة كبتاغون، 16300 حبة ترامادول، 300 حبة بنزكسول، 12,200 حبة كاريزول، بالإضافة الى مسدس.

مرّت نحو 5 أيام، جَهِد خلالها عناصر المكتب في تحقيقاتهم ومتابعاتهم، حتى تردّد الحديث عن شقة في منطقة حبوب – جبيل تُستخدم لتخزين المواد المخدرة، شقة مموّهة يصعب الوصول إليها، إلّا أنّ «الرحلة» إليها استحَقّت العناء، إذ ضبط العناصر فيها 22,325 كلغ من حشيشة الكيف، 1,069غ. مادة السيلفيا، 279غ. مادة الباز كوكايين، 93غ. من مادة بودرة الكوكايين، 133غ. هيرويين، 19غ. ماريجوانا، 1390 حبة إكستيسي، 1000 حبة كبتاغون، 3900 حبة بنزكسول، 120 حبة ريفوتريل، 515 حبة كاريزول، 210 حبة بيبرونورفين، 129 عبوة كيتامين، 22 عبوة سيمو، و12 طابع مخدّر إل إس دي.

علامات استفهام

طرحت هذه العملية تساؤلات عدة، فعدد كبير من المواد المخدّرة لا يُصنّع في لبنان، وخصوصاً الكوكايين المُستخلص من أوراق نبات الكوكا الذي ينمو في أميركا الجنوبية ويُضاف إليه في لبنان بعض المواد ليصبح «مضروباً» كغيره من المخدرات، وبعض الحبوب المهلوسة التي لا يملك لبنان تقنيات تصنيعها.

وبالتالي، فإنّ تهريبها بهذه الكميات لا يمكن أن يحصل ما لم يكن هناك غطاء للتجّار من داخل الدولة، وهو ما يمكنه أن يضع لبنان في مشكلة كبيرة أمام الهيئات الدولية المختصة بتجارة المخدرات، إذ إنّ الدولة مرتبطة بتعهدات ومواثيق دولية وقّعتها في مجال مكافحة تجارة المخدرات، منها Single Convention on Narcotic Drugs 1961.

هلوسة وآثار جانبية

يجهل معظم الأشخاص آثار مختلف المواد المخدرة، فبالنسبة الى الغالبية ترتبط المخدرات بالتهدئة أو التنشيط، إلّا أنّ المواد الحديثة نوعاً ما، والتي يحتوي بعضها على بنج للحيوانات، تتسبّب بأعراض خطيرة:

• السيلفيا: هي كناية عن أعشاب خضراء تُمزج بالـ«كيتامين» وهو بنج للأحصنة والبغال، تجعل المتعاطي في حال من الهلوسة وعدم الاتّزان وتفصله عن الواقع.

• الكوكايين: من المواد المنشطة التي قد توقظ متعاطيها لأربعة أيام متواصلة، يمكن أن تتسبّب في القلق المفرط وجنون الارتياب (البارانويا) الذي يُحتمل أن يؤدي الى ممارسة المتعاطي للعنف إضافة الى الهلوسة. ويعقب ذلك إرهاق واكتئاب وقد يوصِل الى الإنتحار.

• الهيرويين: عند تعاطي هذه المادة يشعر المدمن بالسكون التام وخفض التوتر والقلق وتسكين الآلام وتخفيف الأوجاع، ﻭﻳﺭﻓﻊ ﺍﻟﻬﻳﺭﻭيين ﻣﻥ ﻣﺳﺗﻭﻯ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻟﺩﻭﺑﺎﻣﻳﻥ ﺍﻟﺗﻲ ﺗﺗﻔﺎﻋﻝ ﻣﻊ ﺍﻟﺩﻣﺎﻍ وتؤدي دوراً رئيساً في الإحساس بالمتعة والسعادة والإدمان.

• إكستيسي: أو ما يُسمّى عقار النشوة، ويتمّ تعاطيه عادةً على شكل كبسولات أو حبوب، ويُعتبر من أخطر أنواع المخدرات الذي يتناولها الشبّان في الملاهي الليلية، وذلك لقدرته على إيصال المتعاطي الى أعلى درجة من درجات الطاقة المترافقة مع الهلوسة.

• الكبتاغون: منشّط ومهلوس، يُقلل من حاجة الإنسان إلى النوم، يؤدّي إلى حدوث اضطراب في حواسه؛ حيث يبدأ بتخيّل أشياء غير موجودة في الأصل، فضلاً عن إحداث انفصام في الشخصية والإصابة بجنون العظمة والشعور الدائم بالاضطهاد والشك بالآخرين. ويحفّز الكبتاغون المتعاطي على التصرّف بجنون ورَمي نفسه أمام المخاطر وعدم شعوره بالأوجاع الجسدية، وهو السبب الرئيس في استخدام الإرهابيين له.

• الأمفيتامين: منشّط، يُشعر من يتناوله بالسعادة والانتشاء في وقت قصير جداً، ويبقيه مستيقظاً لنحو ثلاثين ساعة من دون أن يشعر بالتعب والجوع. ويحتوي هذا المخدّر على زجاج مطحون لتمديد المادة الخام، ما يُسرّع مفعوله.

• «إل إس دي»: بعد نحو ساعة من تعاطي هذا العقار، يبدأ المتعاطي بمشاهدة جدران تتراقص وألوان زاهية، لكن بعد هذه الرحلة من السعادة، ينتقل الشخص إلى حالة اكتئاب شديد ويبدأ برؤية مناظر مرعبة وصور مخيفة وأصوات عالية مزعجة قد تدفعه الى الإنتحار. علماً انّ مُتعاطِي هذه المادة يشعرون بأنهم قادرون على الطيران، ما يدفعهم الى رمي أنفسهم من أماكن مرتفعة.

الى ذلك، وجد التجّار والمتعاطون طرقاً أسهل للحصول على الشعور الذي يعطيه المخدر للإنسان، من خلال تحويل أدوية معيّنة متوافرة في الصيدليات الى مخدرات بعد زيادة جرعات تناولها، ومنها:

• البنزكسول: دواء يُعطى للمصابين بالإنفصام في الشخصية أو لحالات الاكتئاب، ليشعر المريض بالراحة والفرح، ولكي لا يُصاب بـ«كرايز» عصبية، على ألّا تتعدّى الكمية خمس حبّات يومياً، لكن في حال زاد استخدامها عن المعدّل الطبيعي فإنّ ذلك يُشعر الشخص بارتخاء كبير في الأعصاب.

• ريفوتريل: يُستخدم لعلاج حالات القلق والتوتر، كما أنه من الأدوية التي تساعد على النوم في حالات الأرق، وكثيراً ما يصفه الأطباء لعلاج الاكتئاب. لكنّ كثرة استخدامه أكثر من الفترة المطلوبة تعكس الفائدة المرجوّة منه كمسكّن، وتسبّب للمريض عدائية عكسية تظهر علاماتها على المدى البعيد.

• كاريزول: يستعمل في معالجة الحالات التشنجية العضلية الهيكيلية المؤلمة والحادة، لكنّ زيادة الجرعة تؤدي الى الهلوسة والإدمان.

• بيبرونورفين: مادة طبية صُنّعت أساساً كعلاج للأفيونات لأنها في الأصل تعمل كمضاد لمستقبلات الأفيونات في الرأس، لكن سرعان ما تحوّلت هي نفسها الى مخدر، لِما لها من تأثير كبير في تخفيف أعراض انسحاب المخدر وتقليلها وكبديل سهل عن الهيرويين.

• سيمو: دواء للسعال، وفي حال تناوله دفعة واحدة أو بجرعات كبيرة، يعطي مفعول الارتخاء ودرجة من السِكر، ويُعتبر من أبرز الأدوية التي تتعاطاها شريحة المراهقين والشباب الذين ينتشرون في الأحياء الشعبية نظراً الى سعرها الرخيص، أمّا عند التوقّف عن تناوله فيشعر المدمن بأوجاع شديدة.

إذاً، لم تعد المخدرات محصورة بنوع أو نوعين، ولم تعد آثارها محدودة، وما عُدّد لم يكن سوى عيّنة صغيرة من عالمٍ مخيف. لكن في مقابل هذه الخطورة، نلاحظ أنّ عناصر مكتب مكافحة المخدرات المركزي في وحدة الشرطة القضائية يعملون «باللحم الحي»، فلا سيارات مصفحة لديهم، ولا أسلحة متوسطة أو ثقيلة بين أيديهم، ويعملون في مكاتب معدومة الإمكانات، فيما تُموّل الدول الغربية مكاتب مكافحة المخدرات بأموال طائلة ليقينها بأنّ هذه الآفة كفيلة بتوليد مشكلات أخرى، مثل القتل والسرقة والإرهاب.
ربى منذر – الجمهورية