كتب محسن السقال- Lebanon On Time :
يفترض، وفق الدستور اللبناني، أن يكون مجلس النواب مركز القرار التشريعي في البلاد، وأن يمارس دوره كاملا باسم الشعب الذي انتخب ممثليه، فالسيادة التشريعية في الفلسفة الدستورية ليست صفة فردية بل جماعية، تجسد عبر الهيئة العامة بصفتها السلطة التي تراقب وتحاسب وتشرع.
غير أن الواقع السياسي اللبناني يظهر صورة مختلفة، إذ كثيرا ما تتحول صلاحيات رئيس المجلس من صلاحيات تنظيمية وإدارية إلى صلاحيات تقريرية وحاسمة في مصير القوانين، بحيث يصبح هو من يحدد جدول الجلسات، وهو من يقرر أي اقتراح قانون يصل إلى الهيئة العامة ويجمد قوانين حسب مصالحه ومهما كان عدد النواب الموقعين عليه.
هذا المشهد يطرح إشكالية جوهرية:
هل المجلس مجتمعا هو ” سيد نفسه”، أم أن الرئيس هو سيد المجلس، يمسك بخيوط اللعبة التشريعية ويحركها وفق حساباته السياسية؟
عندما تتوقف مبادرة تشريعية موقع عليها من أكثر من ستين نائبا فقط لأن رئيس المجلس لم يدرجها على جدول الأعمال، تطرح علامات استفهام كبيرة حول حقيقة فصل السلطات وحول من يمتلك القرار التشريعي فعليا.
فإذا كان رئيس المجلس هو من يحدد مصير القوانين، ويعطل أو يفعل ما يشاء وفق مزاجه أو مصلحته أو أجندته السياسية، فما جدوى الانتخابات النيابية إذا؟
ولماذا ينتخب المواطن 128 نائبا إذا كان القرار في النهاية يختزل بشخص واحد؟
أليس الأجدى، وفق هذه المعادلة المغلوطة، أن نوفر الوقت والمال ونكتفي بانتخاب رئيس مجلس “يحكم” ويشرع ويوقع كما يريد؟!
إن احترام قواعد التشريع ليس خيارا سياسيا، بل واجب دستوري، ورئيس المجلس، مهما علا موقعه مع تحترامنا الكبير له ولدوره الوطني، ليس “حاكما بامره” بل هو مسؤول تقيده النصوص القانونية التي تنظم وظيفته، ويطبق دوره في إدارة العمل التشريعي لا التحكم به، ومسؤوليته تسهيل النقاشات لا دفن المبادرات في الأدراج.
واليوم، وفي ظل الانهيار الذي يعيشه لبنان، يصبح إصلاح الحياة الدستورية ضرورة وجودية، ضمن الأطر التالية:
إعادةً تثبيت أن السلطة التشريعية تعود للمجلس مجتمعا.
تعزيز آليات الشفافية في إدارة الجلسات.
محاسبة أي جهة تعرقل سن القوانين خارج الإطار الدستوري.
في النهاية، لبنان لا يحتاج مزيدا من السلطات الفردية ولا مزيدا من “الآلهة السياسية”.
لبنان يحتاج دولة مؤسسات… لا دولة أشخاص، واملنا ان تعود الامور الى نصابها الطبيعي ويعود المجلس لممارسة دوره الحقيقي وان يكون سيد نفسه مجتمعا، وأن تعود المياه إلى مجاريها ويستقيم عمل المجلس دون تسجيل رابح وخاسر، لأن الربح الوحيد هو للدستور.
Lebanon on time جريدة الكترونية مستقلة