جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / واقع حال خدمة المياه في عكار وتحديات مواجهة العجز
جمال كريم

واقع حال خدمة المياه في عكار وتحديات مواجهة العجز

* المهندس جمال كريّم – 
لدى انتهاء الاحداث الاليمة التي عصفت بلبنان، في مطلع التسعينات، كانت منطقة عكار تعاني من نقص هائل في البنى التحتية المائية ومن غياب الاطر الإدارية والتنظيمية اللازمة لتقديم خدمة مياه جيدة.
‏هذا الواقع دفع بالحكومة اللبنانية إلى أنشاء مصلحة مياه عكار، إلى جانب مصلحة مياه القبيات، عن طريق دمج بعض اللجان والمشاريع المائية التي كانت تقوم بتقديم خدمات محلية، وإلى البدء بتنفيذ عدد من المشاريع، إبتداءً من العام 2000، منها مشروعي بيت ملات وعين يعقوب.
‏تضمن مشروع بيت ملات حفر /4/ آبار وإنشاء /3/ خزانات وتمديد شبكة توزيع لتموين /37/ بلدة يقع عدد منها في قسم من منطقة الجومة، جميع بلدات الشفت ووسط وساحل القيطع، اما مشروع عين يعقوب فتضمن أيضاً حفر بئرين وخزانين وشبكة توزيع لتموين /10/ بلدات تقع جميعها في منطقة الجومة، وذلك بناء على دراسة وضعها المكتب الفني للإنماء BTD ونفذها كل من وزارة الطاقة والمياه ومجلس الانماء والاعمار بكلفة تزيد عن /30/ مليون دولار أميركي.
أنشأت مؤسسة مياه لبنان الشمالي وباشرت بممارسة نشاطها في تشرين الاول من العام 2005 ٬ وذلك بدمج مصالح المياه التي كانت قائمة في حينه، وكانت هذه المؤسسة عند انطلاقها٬ ولا تزال٬ تعاني من نقص حاد في مواردها المالية والبشرية ورثته عن المصالح المائية السابقة، إلا أنها تمكنت من انهاء بعض من الصعوبات الأساسية التي كانت تعاني منها وبسرعة، لا سيما لجهة تسديد رواتب العاملين المتأخرة في مصالح المياه وتسديد الديون التي كانت مترتبة على هذه المصالح٬ لا سيما في مصلحة مياه عكار والقبيات، ومن ثم تمكنت أيضا من استخدام ما يزيد عن /100/ مستخدم من بينهم /16/ مهندساً.
تبلغ نسبة العجز المالي السنوي الذي تعاني منه المؤسسة حوالي /23/ بالمئة ٬ وهذه النسبة ترتبط بمستوى جودة الخدمة التي تؤديها ومن دون احتساب اكلاف تجديد المنشآت والبنى التحتية الهالكة٬ ٬ في حين ان قيمة الديون المترتبة عليها تناهز /70/ مليار ليرة لبنانية.
أنهى مجلس الإنماء والإعمار اشغال هذين المشروعين العام 2008 وطلب من مؤسسة مياه الشمالي استلامهما، إلا أن واقع المشروعين لم يكن يسمح بوضعهما في الاستثمار بشكل كامل إلا بعد استكمال بعض النواقص فيهما والتي قدرت كلفتها بحوالي /6/ مليون دولار أميركي، الامر الذي دفع بالمؤسسة الى التريث بالاستلام والمطالبة باستكمالهما.
بسبب تزايد الضغط عليها، لا سيما السياسي، عادت المؤسسة واتخذت قراراً باستلام هذين المشروعين على علتهما وقامت بتامين مبلغ /3/ مليون دولار من موازنتها ومن الحكومة اللبنانية و/3/مليون دولار من وكالة التنمية الاميركية واستكملت بها نواقص المشروعين.
‏سعت المؤسسة، ولتأمين الأسس العلمية لتحديد الحاجات واعداد مخططات سليمة وتحديد مكونات المشاريع المجدية بشكل سليم ومدروس، لا سيما في منطقة عكار، الى تأمين التمويل اللازم لإعداد مخطط توجيهي عام لمياه الشرب، إلا انها لم تتمكن من تأمين هذا التمويل إلا في العام 2016 عن طريق المفوضية الأوروبية وبدعم خاص من سفيرة الإتحاد الأوروبي في حينه السيدة انجلينا ارخوست التي استجابت مشكورة للطلب الذي وجهه اليها رئيس مجلس الادارة/مدير عام المؤسسة المهندس جمال كريّم بهذا الخصوص.
من جهة اخرى، وسعياً لإيجاد الحلول الناجعة لأزمة المياه في مختلف مناطق عكار والناتجة عن عدم قدرة المنظومات التي نفذت من تلبية الحاجات الكاملة في مختلف مناطق المحافظة، ومنها مسألة الآبار، قامت المؤسسة بتلزيم شركة الأرض اجراء دراسة هيدروجيولوجية،  بقيمة /173/ مليون ليرة لبنانية، وهذه الدراسة حددت النطاق المائي الجوفي الممكن استعماله على مساحة عكار وانتهت وسلمت الى المؤسسة وهي تتضمن المواقع الفضلى لحفر وتجهيز /24/ بئراً مع دفاتر الشروط العائدة لها وبالتالي هي جاهزة للتلزيم، وتقدر كلفة حفر وتجهيز هذه الآبار بحوالي /40/مليار ليرة لبنانية من دون احتساب تكاليف الربط بشبكات التوزيع.
اطلقت المؤسسة اجراءات مناقصة تلزيم حفر بئر من أصل ثلاثة آبار حددتها الدراسة في ببنين، بكلفة تناهز /450/ مليون ليرة لبنانية ستغطيها من موازنتها الخاصة، كما طلبت من الهيئات المانحة تمويل بئر ثانية في ببنين وبئر في برقايل أو أي من الآبار الأخرى، كما ادرجت هذه الآبار في جداول حاجات منطقة عكار التي ارسلتها الى وزارة الطاقة والمياه وهي ستعرض ضمن الإقتراحات التي ستتقدم بها الوزارة خلال مؤتمر انماء عكار الذي سيعقد بتاريخ 13/7/2017 في مجلس النواب، أي بعد حوالي اسبوع.
تقتضي الإشارة هنا الى التالي:
دراسة بئر تكريت انجزتها المؤسسة مع دفتر شروط تلزيم ضمن الدراسة الهيدروجيولوجية التي لزمتها لشركة الأرض.
دراسة بئر بيت ملات انجزتها المؤسسة مع دفتر شروط تلزيم ضمن الدراسة الهيدروجيولوجية التي لزمتها لشركة الأرض.
بئر الشيخ طابا امنتها المؤسسة عن طريق هبة من الوكالة الألمانية.
بئر عين يعقوب امنتها المؤسسة عن طريق هبة من المنظمة الدولية لشؤن اللاجئين UNHCR خلال العام 2016 ٬ وليس اليونيسف كما قيل٬ الا ان هذه المنظمة قد أوقفت تنفيذه اثر خلاف بينها وبين البلدية.
بئر ببنين امنتها المؤسسة عن طريق هبة من اليونيسيف خلال العام 2016، وزودتها بالتيار الكهربائي٬ كما طلبت من هذه المنظمة استكمال المشروع بتمديد قسطل دفع إضافي من البئر بموجب كتابها تاريخ 28/1/201، والمؤسسة لزمت دراسة استكمال شبكات التوزيع في البلدة إلى الإستشاري كريدو واطلقت مناقصة حفر بئر جديدة في هذه البلدة كما ذكر آنفاً.
دعا رئيس المؤسسة ومديرها العام المهندس جمال كريّم رؤساء بلديات منطقة الجومة إلى إجتماع عقد في مكتبه لبحث الوضع هناك، خلال هذا الاجتماع طالب بعض رؤساء البلديات تخفيض تموين بلدات منطقة الشفت لزيادة كميات المياه التي ترسل الى بلدات الجومة، باعتبار ان الآبار موجودة في منطقة الجومة.
لفت المهندس كريّم نظر الحاضرين إلى ان هكذا تدبير سوف يؤدي إلى توتر بين بلدات المنطقتين واتفق المجتمعون على عقد ورشة عمل بتاريخ 12/7/2017، تدعو اليها المؤسسة، تجمع جميع البلدات في الجومة والشفت لدرس الموضوع ووضع خطة عمل قصيرة متوسطة وطويلة الأمد، مؤكداً لهم بأن المؤسسة ستعمل على تنفيذ ما سيتفق عليه خلال الورشة المذكورة، وكانت أجواء هذا الإجتماع ودية وإيجابية جداً.
بعد هذا الإجتماع، وقبل انعقاد ورشة العمل المتفق عليها مع البلديات، فوجئت المؤسسة ببيان صدر عن اتحاد بلديات الجومة بتاريخ  28/6/2017، تلته مكالمة هاتفية مع رئيس مجلس الإدارة / المدير العام  ادت الى سوء تفاهم بين الطرفين  تسبب به انقطاع فجائي للإتصال قبل استكمال الحديث.
إن زيادة الطلب على المياه الناتج عن الازمة السورية٬ الحر الشديد الذي واجهه لبنان مؤخراً والإسراف في استعمال المياه في غير الغاية التي خصصت لها، كري المزروعات والحدائق وغيره، اديا إلى تدني في قدرة الآبار من ناحية وإلى اجبار المؤسسة على البدء بتطبيق برنامج التقنين الصيفي الذي طالما اعتمدته في المنطقة، حتى خلال جفاف عام 2014.
من ناحية أخرى، إن مؤسسة مياه لبنان الشمالي استلمت وشغلت كل الأبار ومحطات الضخ في نطاقها، التي هي قابلة للإستعمال، وهي على استعداد لتشغيل واستثمار أي بئر، والمؤسسة لا تستنسب أو تحابي أو تميْز في طريقة معالجة ازمات المياه، لا سيما في منطقة عكار المحرومة، بل على عكس ما يحاول البعض الإيحاء به، فهي وعلى الرغم من وضعها المالي الصعب تمكنت من تأمين عدد هام من المشاريع للمنطقة، أكان ذلك من مواردها الذاتية أو بمساعدة وزارة الطاقة والمياه أو الهيئات المانحة التي تعمل بجد على مساعدة لبنان.
تقدر قيمة المشاريع والتقديمات والتجهيزات التي تمكنت المؤسسة من تأمينها لمحافظة عكار منذ العام 2010 حوالي /50/ مليار ليرة لبنانية أي بمعدل /7.2/ مليار ليرة سنوياً وهي تقديمات تضاف الى ما قدمه مجلس الانماء والاعمار او وزارة الطاقة والمياه، وقد استفادت منها حوالي مئة بلدة، هذا بالإضافة الى ما تتحمله المؤسسة من تغطية للعجز التشغيلي السنوي في المحافظة الذي يعد بالمليارات من الليرات والناتج عن تدني نسبة الجباية في هذه المحافظة.
تقتضي الإشارة هنا الى انه يوجد في محافظة عكار حوالي /117/ بلدة من دون منظومات مائية وبأن تموين عكار بصورة شاملة بمياه الشرب يحتاج، إضافة لما تم تامينه من تمويل من قبل جميع الجهات المعنية حتى الآن، إلى مشاريع تناهز قيمتها/245/ مليار ليرة لبنانية ( /130/ مليون دولار أميركي) من دون كلفة السدود اكانت للري ام للشفة.
لذلك يقتضي أيضاً التوقف والتفكير بتمحص وترو في مصير قطاع المياه في عكار في ضوء ما يحضره البعض من الداعين الى انشاء مصلحة مياه خاصة بالمحافظة، عن اسبابه وعن نتائجه؛ مع التأكيد على استعداد المؤسسة لتبني أي خطة مائية تتقدم بها أي جهة من شأنها حل مسائل المياه في عكار، لكونها، مع وزارة الطاقة والمياه، الجهة المولجة قانوناً بكل ما له علاقة بقطاع المياه في شمال لبنان.
‏لقد تميّز عمل مؤسسة مياه لبنان الشمالي منذ إنشائها بالطابع الإداري البحت بعيداً عن السياسة والفئوية والطائفية، وقد حرصت المؤسسة على تأمين المشاريع للمناطق بأكبر قدر من العدالة فيما بينها وبغض النظر عن اي اعتبار مناطقي أو طائفي، وسجلاتها تشهد على ذلك، وهذا ما سبب لها عداء البعض، وهي ستستمر في هذا السلوك التنموي الوطني لكونه الطريق الوحيد لتعزيز الوحدة والإستقرار ولتحقيق الانتظام في العمل الإداري والعام.
* رئيس مجلس إدارة/المدير العام لمؤسسة مياه لبنان الشمالي