جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / وزير خارجية فلسطين: غربة اللاجئين طالت واشتدت معاناتهم ومهما طال الزمن متمسكون بحقهم في العودة إلى ديارهم
5c41ecdb8ecce_1023847317

وزير خارجية فلسطين: غربة اللاجئين طالت واشتدت معاناتهم ومهما طال الزمن متمسكون بحقهم في العودة إلى ديارهم

هنأ وزير خارجية فلسطين رياض المالكي في كلمة ألقاها خلال الاجتماع المشترك لوزراء الخارجية والوزراء المعنيين بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الرابعة في فندق “فينيسيا”، الجمهورية اللبنانية، رئيسًا وحكومة وشعبًا، بالتهنئة على نجاح تنظيم أعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الرابعة، وذلك خلال الاجتماع المشترك لوزراء الخارجية والاقتصاد العرب المنعقد ببيروت حاليا للتحضير للقمة الاقتصادية التي تنطلق بعد غد الأحد.
وجاء في نص الكلمة:
“يمتلك العالم العربي إمكانيات اقتصادية هائلة ومتنوعة، من حيث الموقع الجغرافي الواسع في محور العالم بين آسيا وأفريقيا، وأوروبا، والمطل على البحار والمحيطات والخلجان، هنا حيث يمر العالم بأسره طالبًا الاستفادة من ثرواتنا ومواردنا الطبيعية الغنية بالنفط والطاقة والمعادن والمواد الخام للتكنولوجيا والصناعة، والمواد الزراعة، والثروة الحيوانية والثروة السمكية.
وفي عالم يحكمه الاقتصاد والثروة، يجب أن تأخذ الأمة العربية دورها في صنع قرار المجتمع الدولي على كل المستويات: الاقتصادية، والتنموية، والسياسية. وعندما أتحدث عن دور الأمة العربية المطلوب، أقصد دورًا يتناسب مع مكانتها الحضارية العريقة وقوتها الاقتصادية الكبيرة، لا أن تصبح بلادنا ملعبًا للاعبين إقليميين ودوليين، أو مرتعًا لطامعين حينًا وللأشرار والمحتلين والإرهابيين أحيانًا أخرى، أو أن نقف نحن في مجال التجاذبات والتشتت وردود الأفعال، بما لا يتناسب مع تاريخنا وحضارتنا وقوتنا البشرية والاقتصادية.

هذا يعني أننا يجب أن نوظف قوتنا الاقتصادية لحماية الأمن القومي العربي، وأن نتفق على استراتيجية محترمة لحماية أمننا القومي العربي وأرضنا ومقدساتنا، وأن نمتلك السيطرة الحقيقية على منطقتنا، ونسعى إلى تحقيق مصالحنا الاستراتيجية أولًا، وثم الشراكة المتوازنة مع القوى المؤثرة اقليميًا ودوليًا، والتأثير المناسب في هذا العالم.

أنتم تعلمون أن مثل هذه الأهداف لا تتحقق بالأمنيات وبالنوايا الحسنة، وإنما بالعمل والتخطيط وإعداد الظروف المواتية والملائمة لمطالبنا وأهدافنا. علينا امتلاك الإرادة الحرة، وتفعيل كل ما هو ضروري للتكامل الاقتصادي العربي، بل الوحدة الاقتصادية العربية، وسرعة إنجاز منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتنفيذ الاستراتيجيات العربية للطاقة والكهرباء والزراعة والصحة والتعليم والتنمية المستدامة.

لكن ذلك كله لن يتحقق بدون تحقيق بيئة مناسبة من الأمن والاستقرار في منطقتنا العربية، ولن يتحقق مادامت إسرائيل تحتل أراضينا الفلسطينية والعربية وتنتهك مقدساتنا وتسيطر على مواردنا الطبيعية وتمارس الاضطهاد والفصل العنصري في بلادنا منذ عقد طويلة.
إن للاحتلال الإسرائيلي أيضًا آثارًا اقتصادية كارثية وتكلفة باهظة على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، حيث تمارس حكومات الاحتلال المتعاقبة سياسات وخطط ممنهجة لخنق الاقتصاد الفلسطيني، ونهب ثروات الشعب الفلسطيني وموارده الطبيعية من الماء والغاز والأرض الزراعية، وحصار وإغلاق الكثير من المناطق والمدن والقرى الفلسطينية، علاوة على سرقة وتهويد المقدسات والإرث الحضاري العربي الضخم في فلسطين المحتلة. ومن أخطر سياسات الاحتلال الإسرائيلي ذات الأثر الاقتصادي، بناء وتوسيع المستوطنات الاستعمارية غير القانونية، وحرمان الشعب الفلسطيني من استخدام واستثمار وإعمار ما يزيد عن 60% من الضفة الغربية (منطقة ج، والأغوار)، وتقييد حرية تنقل الأفراد والتجارة البينية الفلسطينية مع الدول العربية والعالم، وخنق السياحة في فلسطين، وسرقة أموال الشعب الفلسطيني بشكل مباشر من خلال مصادرة أموال الجمارك والضرائب، بالإضافة الى ما شكله جدار الفصل العنصري من تدمير ممنهج للاقتصاد الفلسطيني وخنق الضفة الغربية ومصادرة أراضي المواطنين وحرمانهم من الوصول إليها، أيضًا الويلات التي يعانيها شعبنا في قطاع غزة نتيجة الحصار المفروض منذ 12 عاما، بالرغم من جهود الحكومات الفلسطينية المتعاقبة للتخفيف من معاناة شعبنا في القطاع من خلال إنفاق ما يزيد عن 15 مليار دولار، خلال تلك الفترة. وكل ذلك يأتي ضمن الممارسات الإسرائيلية الممنهجة التي تقوض حق الشعب الفلسطيني في التنمية، وهو حق غير قابل للتصرف.
ولكن الشعب الفلسطيني لن يستسلم لمشاريع الاستيطان والاستعمار والتهويد وتزوير الهوية وجرائم الحرب وانتهاك حقوق الإنسان والفصل العنصري والقتل والاعتقال، وكذلك لن تستسلم دولة فلسطين للمشروع الاستغلالي الإسرائيلي العنصري يهدف إلى امتصاص ونهب كل مقدرات الشعب الفلسطيني الاقتصادية والزراعية والتنموية، ونحن نوشك على تغيير أو إنهاء العلاقات التعاقدية مع الاحتلال الإسرائيلي، وسنبدأ قريبًا بمراجعة العلاقة الاقتصادية مع الاحتلال الإسرائيلي، التي يحكمها بروتوكول باريس الاقتصادي، والذي أضر لسنوات طويلة بالمصالح الاقتصادية الفلسطينية.

ومن جهة أخرى، فإن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) يعمل على احتساب تكلفة الاحتلال الإسرائيلي الباهظة على الشعب الفلسطيني على مدار سنين الاحتلال الطويلة والمستمرة، بناء على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن على هذا المنبر نناشد الدول العربية بتقديم الدعم للأونكتاد لإنجاز أعماله في هذا الشأن.

مضى 71 عامًا ونحن ندين إسرائيل، ومضى 52 عامًا ونحن نطالبها بإنهاء احتلالها وانتهاكاتها، وعقود طويلة ونحن نناشد العالم بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والتدخل لإنصاف الشعب الفلسطيني وتمكينه من ممارسة حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، وإعمال قواعد القانون الدولي ومحاسبة إسرائيل بموجبه. والسؤال هو: ماذا حصّلنا نتيجة هذه الإدانات، وما هي انعكاسات تلك الإدانات على أرض الواقع الذي تعلمونه جميعًا ويراه العالم كل يوم.
فلسطين وطن السلام، ونحن أمة قدمت مبادرة سلام منذ 17 عامًا، لكن السلام يحتاج إلى قوة وإرادة تحميه، ولقد آن الأوان لاستخدام وتوظيف مقدراتنا الاقتصادية للدفاع عن حقوقنا ومصالحنا وأمننا القومي.

إن مدينة القدس عاصمة دولة فلسطين الأبدية تتعرض حاليًا لأعنف وأشرس مخطط استعماري تهويدي، يستهدف إلغاء هويتها العربية الإسلامية المسيحية من عمليات استيطان وقتل وتهويد وتهجير واعتقال، كان آخرها دعوات استعمارية عنصرية دعا لها عضو في بلدية الاحتلال لهدم أجزاء من أسوار المدينة المقدسة في مخطط تهويدي يستهدف أحد معالم القدس الحضارية والسياسية والقانونية.
وتقف الإدارة الأمريكية في صف اليمين الإسرائيلي المتطرف، وتضغط بكل الوسائل لحث بعض الدول على نقل سفارتها إلى القدس المحتلة، في تحد للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، رغم نجاحنا في اقناع الباراغواي بإعادة سفارتها إلى تل أبيب، موقف يقدر لقيادتها الشجاعة والحكيمة.

ورغم أننا نقوم بمتابعة حثيثة واتصالات يومية مع المجتمع الدولي، إلا أن الأمر يحتاج لتدخل أكبر من الدول العربية بالضغط على الدول التي تنوي نقل سفارتها إلى القدس المحتلة بكافة الوسائل الاقتصادية والسياسية أو تلك التي تتعرض لحالة ضغط سياسي واقتصادي غير مسبوقة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وذلك بالعمل الجاد والاتصالات المستمرة، وضرورة تفعيل المقاطعة الاقتصادية للدول التي تُخل بالمكانة القانونية لمدينة القدس الشريف، سواء بالاعتراف بها عاصمة للاحتلال الإسرائيلي أو بنقل السفارات إليها. إننا نتحدث عن القدس، التي توحدنا جميعا، والتي ستحاسبنا جميعًا في حال قصّرنا معها.
ومن هنا، من على منبر الاجتماع الوزاري المشترك للقمة العربية التنموية، ندعو باسم الجامعة العربية جمهورية البرازيل الاتحادية إلى الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي أسست المكانة القانونية الخاصة لمدينة القدس الشريف، وندعوها إلى الحفاظ على أواصر العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول العربية، وعلى مواقفها التاريخية المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، والامتناع عن اتخاذ أي مواقف أو قرارات تُخل بالمكانة القانونية لمدينة القدس الشريف، خاصة وأن التبادل التجاري بين الدول العربية والبرازيل يبلغ حوالي 26 مليار دولار.
يجب أن نرسل من هنا رسالة واضحة وقوية لا لبس فيها الى رئاسة البرازيل، ومن خلالها إلى تلك الدول التي تراقب ردود فعلنا وخطواتنا لكي تقرر كيف ستتصرف.

لقد تبنت قمة القدس التي عقدت بالمملكة العربية السعودية في شهر أبريل الماضي الخطة الاستراتيجية للتنمية القطاعية في القدس 2018-2022، والتي تشكل خطة إنقاذ أولية لمدينة القدس الشرقية المحتلة وتعزيز صمود أهلها في وجه أخطار المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تهجيرهم منها، وهي خطة تشمل على تنمية 15 قطاعًا حيويًا في مدينة القدس منها التعليم والصحة والسياحة والأوقاف والشباب والرياضة، وتبلغ قيمة المشروعات المكونة لهذه الخطة 425 مليون دولار، ولقد أعدت دولة فلسطين كراسة المرحلة الأولى من تنفيذ هذه الخطة، والتي تحتوي على مشروعات نوعية بقيم مالية محددة، سنقوم بتعميمها على الدول الأعضاء للنظر في تمويل هذه المشاريع إنقاذًا لمدينة القدس وتعزيزًا لصمود أهلها.

كما ننوه في هذا السياق بتعاون الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ومؤسساتها المتخصصة وصناديق التمويل العربية مع دولة فلسطين، من خلال إعداد خريطة تدخل عربي لتمويل هذه الخطة الاستراتيجية، والتي سيتم تبنيها من هذه الدورة للقمة العربية التنموية.
إن دولة فلسطين تحتاج من أشقائها العرب على مستوى الدول وأيضًا مستوى القطاع الخاص، إلى دعم اقتصادها الواعد، والذي يحتوي على فرص استثمارية جيدة في كافة المجالات، والمنظم بقوانين وحوافز تشجع الاستثمار العربي، هذا الأمر الضروري لدعم صمود الشعب الفلسطيني وإيجاد فرص عمل للشباب الفلسطيني الذي يتمتع بكفاءة عالية، وهو ما يدعم خطوات دولة فلسطين في انفكاكها الاقتصادي عن الاحتلال، الأمر الذي سيسهم في تحقيق الاستقلال الفلسطيني اقتصاديًا.

أننا بحاجة إلى استخدام قوتنا الاقتصادية المتوفرة والكامنة لمقاطعة منظومة الاحتلال الإسرائيلي، واتخاذ إجراءات وتدابير ضد الشركات والمؤسسات والأفراد التي تتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية، ومع جيش الاحتلال الإسرائيلي، ونطالب من منبر الاجتماع الوزاري المشترك للقمة العربية التنموية، المفوض السامي لحقوق الإنسان بإصدار قاعدة البيانات الخاصة بالشركات الدولية التي تعمل في المستوطنات الإسرائيلية، تنفيذًا لقرار مجلس حقوق الإنسان في جنيف.

لقد طالت غربة اللاجئين الفلسطينيين واشتدت معاناتهم على مدار أكثر من سبعة عقود، ولكننا مهما طال الزمن متمسكون بحقهم في العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها، وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ١٩٤ لعام ١٩٤٨، وبما أننا في حضرة لبنان الذي حمل على كاهله جزءًا كبيرًا من قضية اللاجئين، فإننا نوجه التحية والتقدير إلى الدول العربية المضيفة للاجئين الفلسطينيين، وفي ذات الوقت نؤكد رفضنا للمحاولات الإسرائيلية والأمريكية المحمومة لتجفيف قضية اللاجئين من خلال وقف الالتزامات المالية تجاه وكالة الأونروا، بهدف تقويض تفويضها الدولي وقدرتها على أداء مهامها في إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أو من خلال بدعة إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني. وإننا نطالب باسم الجامعة العربية جميع الدول إلى الالتزام بدعم موازنة الأونروا وتجديد تفويضها كلما اقتضى الأمر، حتى يتم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل عادل وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

كلنا أمل أن يخرج اجتماعنا هذا بالقرارات المناسبة والمطلوبة حسب توقعات شعوبنا، لنكون على مستوى الحدث، الزمن، المكان، والمسؤولية التاريخية”.