لم يكن ينقص لبنان سوى كلام مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي من على منبر السرايا الحكومية ليزيد منسوب الإرباك الذي تعانيه البلاد في غمرة اشتداد المواجهة الأميركية – الإيرانية والسعودية – الإيرانية وبلوغ وهجها بيروت باعتبار ان «حزب الله» يشكّل العنوان الأبرز في هذا «الاشتباك».
فولايتي الذي شارك في اختتام «المؤتمر العالمي لاتحاد علماء المقاومة» في العاصمة اللبنانية، اختار الإطلالة بعد زيارته رئيس الحكومة سعد الحريري ليوجّه مجموعة رسائل «نافرة» أعلن فيها «انتصار محور المقاومة» في لبنان والمنطقة ولم يكن ممكناً عزْلها عن مناخات التصعيد الخارجي بوجه طهران و«حزب الله» ولا عن «روحية» الكلام الذي سبق ان نُقل عن الرئيس الإيراني حسن روحاني حول عدم القدرة على اتخاذ القرار في عدد من الدول بينها لبنان من دون رأي بلاده.
وعلى وقع دويّ المواقف غير المسبوقة في حدّتها التي يطلقها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بوجه إيران والحزب ورغبة الرياض في رسْم مساحةٍ فاصلة بين لبنان – الدولة و»حزب الله»، جاء ولايتي ليعمّق ملامح التماهي بين لبنان الرسمي والحزب فيصوّر التماهي على أنه مع إيران، الأمر الذي يعكس حجم الاستقطاب الذي تجد بيروت نفسها في قلبه.
ولم يجد مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية بعد لقائه الحريري، الذي توجّه بعد ظهر امس الى الرياض «في زيارة عمل» استكمالاً للقاءات التي عقدها مطلع الأسبوع الحالي مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان والوزير السهبان (جرى خلالها تأكيد «الوفاق الكامل» على «استقرار لبنان وعروبته»)، حرَجاً في تغليف كلامه بقالب إيجابي في الشكل ولكنه انطوى في جوهره على إشاراتٍ بالغة الدلالات.
ذلك ان ولايتي الذي وصف الاجتماع مع «الرئيس الحريري المحترَم» بأنه كان «جيداً وايجابياً وبناءً وعملياً»، وضع بلاده في خانة مَن تحمي دائماً استقلال لبنان وقوته وحكومته وهي تحفز وترحّب بذلك. واذ أشادبالرئيس الحريري والحكومة والشعب «ونهنئهم بالانتصارات التي تحققت في الآونة الاخيرة في مواجهة القوى الارهابية»، اعتبر ان «تشكيل حكومة ائتلافية بين 14 اذار و8 اذار يشكل انتصاراً ونجاحاً كبيراً ومبارَكاَ للشعب اللبناني».
وأضاف «ان الانتصار ضدّ الارهابيين يمثل انتصارنا جميعاً ضد الارهاب، وما تحقق على الساحة السورية ايضاً وأُنجز من الحكومة السورية والشعب من انتصارات ضدّ الارهاب، كذلك يمثل انتصارنا ونجاحنا جميعاً. ونحن نعلم ان هؤلاء الإرهابيين مدعومون من الصهاينة ومن الاميركيين. فالانتصار عليهم يمثّل الانتصار على المؤامرات الصهيونية الاميركية ضدّنا. كما ان انتصار العراق حكومة وشعباً ضد الحركة الانفصالية أيضاً وجه آخر من تلك الانتصارات. وفي المجموع، الانتصار اللبناني ضد الارهابيين والانتصار السوري والعراقي يشكلون انتصار محور المقاومة على مستوى المنطقة وهذا انتصارنا جميعاً». وختم: «استمعنا الى الرئيس الحريري في ما يتعلّق بالتحركات والاجراءات التي يقومون بها على مستوى المنطقة، ونحن نحبذها لما فيه مصلحة المنطقة».
وكان ولايتي أعلن في كلمته في المؤتمر العالمي لاتحاد علماء المقاومة «أننا إذا استعرضنا التاريخ الإسلامي المجيد لإيران على مدى القرون الماضية، نجد أنها كانت صخرة صلبة بمواجهة المخططات الصليبية في غابر الأزمان وفي مواجهة المخططات الصهيونية في هذه المراحل»، مؤكداً ان «الشعب الايراني بتمسكه بالدين الاسلامي يعتبر ان مواجهة الظلم والجور والعدوان تأتي في مجال الواجبات الدينية، وان مواجهة الصليبيين بظلمهم وطغيانهم تُعتبر النموذج الأمثل للتمسّك بالحق».
وفي المقابل، كان السبهان يحدّد الإطار الذي ستجري فيه زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للمملكة العربية السعودية خلال اسبوعين واصفاً إياها بأنها «تؤكد نهج المملكة للتقارب والتعايش السلمي والانفتاح على جميع مكونات الشعوب العربية».
علماً ان رأس الكنيسة كان أعلن في حديث تلفزيوني انه يذهب إلى الرياض «كرجل حوار وسلام»، ومعه شعاره «شركة ومحبة»، رافضاً ربط معالجة سلاح «حزب الله» بالحلّ في الشرق الأوسط، ومطالباً بمبادرات عربية ودولية لإيجاد حل لمشكلة الحزب وعدم رميها على لبنان، ومؤكداً ان هناك تأثيراً ايرانياً على لبنان.
وقبل استقباله ولايتي، كرّس الحريري خلال كلمته في مؤتمر «حماية الإبداع الإعلامي من القرصنة» المناخ الذي أعقب زيارته للسعودية حول عدم وجود أي اتجاه للمساس بالاستقرار والتسوية السياسية في لبنان، اذ دافع عن إنجاز الأمن والاستقرار ومنتقداً محاولة قرصنته من الذين يشككون في كونه إنجازاً الى جانب سلّة من النجاحات لحكومته رداً على «مَن يقول ان هذه الحكومة لم تقم بشيء».
وأضاف: «عندما نكون ناجحين في ربْط النزاع مع التمسك بثوابتنا، بالسيادة، بالاستقلال، بالحرية، ببناء الدولة، بتفعيل المؤسسات، بتدعيم الجيش والقوى الأمنية، بالمحكمة الدولية، بالقرارات الدولية وعلى رأسها القرار 1701، ويأتي من يقول لكم إننا نتخلى عن ثوابتنا: هذه أيضا محاولة قرصنة». وتابع: «عندما يكون كل ما نقوم به هو استكمال لمسيرة رفيق الحريري بالنهوض، وبالتسويات، نعم بالتسويات لحماية بلدنا، لحماية استقرار أهلنا وأمنهم وأمانهم، ويأتي مَن يزايد علينا بمدرسة رفيق الحريري: هذه أيضاً محاولة قرصنة. وعندما تصدر أصوات هدفها ضرب علاقات لبنان بإخوانه العرب، وهدفها تزوير نيات اللبنانيين تجاههم وتزوير نيات إخواننا العرب تجاهنا وتزوير هوية لبنان العربية وتزوير انتمائنا للعروبة ووقوفنا الدائم مع الإجماع العربي والمصلحة العربية: هذه أيضاً محاولة قرصنة».
(الراي)