تزامناً مع فشل الحلقة الثانية عشرة من مسلسل انتخاب الرئيس في توليده، تصاعدت الحملات الدولية بفرض عقوبات جديدة على المسؤولين، وخصوصاً حملة الأطراف المتمثلة في لقاء باريس الخماسي، وصولاً إلى التهديد الأميركي بعد الاوروبي بمزيد منها. وهو ما دفع إلى إعادة قراءة للموقف الدولي، من فتح الدورات الانتخابية المتتالية للمجلس النيابي حتى انتخاب الرئيس، كما بالنسبة إلى الجدوى منها. وهو ما يقود إلى السؤال عن قدرتها على تجاوز سور عين النجمة؟
ليست المرة الاولى التي يتداول فيها اللبنانيون مجموعة العقوبات المتوقعة على لبنان واللبنانيين، بعد المسلسل الذي انطلق منذ سنوات عدة وطاول عدداً كبيراً منهم، من مواقع مختلفة، بطريقة تجاوزت فيها الإدارة الأميركية برامجها الخاصة في مواجهة ما تسمّيه الهيئات والشخصيات والكيانات الارهابية، وصولاً الى استخدام القوانين الخاصة بالمخالفات المالية التي تمّ إدراجها تحت شعار مكافحة الفساد المالي، والحؤول دون استغلال النفوذ لغايات شخصية او العمل لمصلحة جهات وكيانات ومنظّمات ارهابية.
وبالعودة الى هذا المسلسل، فقد أثبتت الظروف التي عاشها لبنان في معظم المحطات التي قادت الى مثل هذه العقوبات، انّها لم تعط المفاعيل التي أُريدت لها ولا الرهانات التي بُنيت عليها، حتى انّ بعضاً منها شكّل مناسبة وحظوة، لينجو كثير ممن تعرّضوا لها من تجميد حساباتهم المالية في المصارف والمؤسسات المالية، وخصوصاً أولئك الذين تعرّضوا لها قبل الأزمة التي عاشها القطاع المصرفي في لبنان، بمعزل عن أنّها لم تحل دون بقاء البعض منهم في مناصبهم المتقدّمة، بعدما حظي آخرون بالإعفاءات التي اتخذتها وزارة المال وسمحت لهم بخوض الانتخابات النيابية والاستمرار في التعاطي في الشأن العام وحياتهم اليومية.
وبمعزل عن الأسباب والظروف التي انتهت إلى إخضاع عدد من المسؤولين اللبنانيين، من وزراء ونواب ومسؤولين حزبيين ورسميين سابقين وحاليين، فإنّ بعضاً من التهديدات بُني على قواعد جديدة لم تكن مطروحة سابقاً. فبعد التهديد بعقوبات بُنيت على «مواصفات غامضة» لا يمكن تفسيرها بسهولة وبطريقة موحّدة، طالما أنّها اعتمدت «معايير مختلفة». فبعدما استندت العقوبات السابقة على قوانين اميركية ومنها قانونا «قيصر» و»ماغنستكي» وأخرى تعتمدها وزارة الخزانة الاميركية يمكن إدراجها تحت عناوين مخالفة لما قالت به «مواثيق ومعاهدات واتفاقيات دولية» عند فرضها على كيانات ومؤسسات ومنظمات داخلية وأخرى عابرة للقارات. فلا يمكن تجاهل انّ بعضها استند إلى معايير سياسية وربما قانونية ودستورية، تتجاوز القوانين الداخلية المعمول بها في بعض البلدان. ومنها ما قيل إنّها ستفرض على من «يعوق بناء الدولة» ومن «يهدّد الانتظام العام» او يمارس «التشجيع على العمليات الارهابية» عدا عن «تمويل» أطراف وجهات وكيانات «خاضعة للعقوبات» في لبنان والمنطقة وصولاً إلى المتهمين بـ «إعاقة التحقيقات» في جريمة تفجير المرفأ وقضايا مختلفة لا يمكن إحصاؤها جميعها.
عند هذه المعطيات التي لا تخضع لأي جدال، توقفت مراجع ديبلوماسية امام السيناريوهات الجديدة التي تحاكي التطورات الاخيرة في لبنان، والتي كانت وما زالت على تماس مع مجموعة من المبادرات الدولية والاقليمية التي تقودها مجموعة الدول الخمس من أطراف لقاء باريس الخماسي، فقرأت فيها مجرد «بالونات اختبار» لم تعد تجدي نفعاً في لبنان بالنظر إلى مصير من سبقها. فمعظم هذه المبادرات لم تلق الصدى الذي أراده واضعوها. وعليه فإنّ المنظومة السياسية لم تعد تهتم لها مهما تعدّدت أشكالها وخلفياتها ومراميها.
وإن طُلب إلى هؤلاء الديبلوماسيين تعدادها فإنّهم يعدون أبرزها واكثرها جدّية لتبيان عدم فعاليتها، والدليل متوافر في عدد من العقوبات الاوروبية والاميركية التي طال انتظارها سنوات عدة ولم تأتِ بعد. وبناءً على هذه النظرية، فهم يتذكرون تلك التي حملها إليهم الموفد الفرنسي الجديد جان ايف لودريان قبل عامين تقريباً. فهو زار بيروت ضمن وفد الرئيس ايمانويل ماكرون قبل ان يقصدها مرات عدة وحيداً، مستغلاً التردّدات السلبية التي تركها تفجير المرفأ وتضخّم الأزمة المالية والنقدية، ولم تكن جائحة كورونا قد غابت بعد، حاملاً معه العصا والجزرة، ولم يرتدع أحد ممن كان على اللائحة. وإن بلغ البحث العقوبات التي هدّد بها الإتحاد الاوروبي، فإنّ عجزه يتحدث عن مصيرها، بعدما عجز عن إصدارها بسبب النظام الداخلي للاتحاد الذي يفرض إجماعاً بين دوله الـ 27. ولما كان لكل منها حق الفيتو، فقد مارسته هنغاريا وتكفّلت بلجم عدد منها وإنقاذ عدد من المسؤولين اللبنانيين من تداعياتها.
ولذلك، لم ترَ المراجع عينها، انّ التهديدات الاميركية الجديدة ومعها الفرنسية المطروحة على طاولة مؤسسات الإتحاد الأوروبي وعدد من نواب البرلمان الأوروبي فرادى ومجتمعة، لم تعد تخيف أحداً بعدما تجرّعوا الكؤوس السابقة بكل ثقة وقوة. وهم على استعداد لمواجهتها، حتى تلك التي يمكن ان تصدر تحت عناوين شتى، ومنها محاسبة من ارتكبوا التجاوزات التي حالت دون انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، كما الملف الاقتصادي ـ المالي ومن ضمنه ما بات يُسمّى «ملف رياض سلامة» الذي قد يُطوى بين محطة وأخرى حتى بعد خروجه من حاكمية مصرف لبنان، فلبنان يتسع لمثل هذه الحالات، بدليل مصير التحقيقات الجارية في ملف رئيس مجلس إدارة ومدير عام مؤسسات نيسان ورينو الذي يلاحقه القضاء الفرنسي وقبله البريطاني والأميركي.
وانطلاقاً مما سبق ذكره، فإنّ الأوساط الديبلوماسية لا ترى فعالية ولا جدوى من السيناريوهات التي يتحدثون عنها، وآخرها البحث الاميركي في احتمال ان تطاول عقوباتهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي كشف عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، الذي توعد انّ ادارته «تدرس وتستفيد من كل الأدوات الديبلوماسية المتاحة لنا لتشجيع السياسيين اللبنانيين على التوافق وانتخاب رئيس في أقرب وقت ممكن». وإن استند المتحدث في إشارته هذه الى مضمون الإتصال الذي أجرته معه وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، على خلفية الشكر الذي وجّهته اليه على «رغبته في محاولة الحفاظ على النصاب في مجلس النواب وعقد جلسات مفتوحة للمجلس النيابي تلي جلسة الأربعاء الماضي، من أجل انتخاب رئيس للجمهورية»، ولكنه لم يلبّ مضمون التعهّد الذي اشارت اليه. ولذلك بقي ما اشارت اليه الخارجية الاميركية في دائرة الشك بوجود مثل هذا التعهّد، عندما تبين انّ الرئيس نبيه بري الذي رفض إعادة عدّ الاوراق بحثاً عن الصوت الضائع، كان مستعداً لمغادرة الجلسة قبل نوابه، والحؤول دون عقد الدورات المتتالية حتى انتخاب الرئيس.
وختاماً، يجدر التوقف عند اقتصار الردّ والتعليق الاميركي على ما حصل بـ «إبداء الخيبة» لا أكثر ولا أقل. ولذلك ختمت المصادر لتقول، انّ البناء على مثل هذه الإجراءات لا يوفّر حلاً للتعقيدات الموجودة في قضية انتخاب الرئيس. وإنّ اي عقوبات من هذا النوع ستزيد من صعوبة المساعي لإتمام هذه المهمّة المناطة بمؤسسة، طالما انّ مفتاح قاعتها العامة كان ولا يزال بيده وحده منذ 3 عقود ونيف. وهو قادر على التحكّم به كما يشاء. ولذلك ستبقى مجموعة العقوبات المحكي عنها خارج أسوار ساحة النجمة.
المصدر:صحيفة الجمهورية