خاص Lebanon On Time _ خالد أبو شام
في قلب الشمال اللبناني، تقف طرابلس، ثاني أكبر مدن البلاد، شاهدة على تعقيدات المشهد اللبناني، حيث تتقاطع الأزمات اليومية مع غياب مؤسساتي مزمن، جعل من الفساد لاعباً أساسياً في عرقلة التنمية وتهديد الاستقرار الاجتماعي.
المدينة التي لطالما عُرفت بزخمها الثقافي والتجاري، تحوّلت بفعل نظام المحاصصة السياسية إلى ساحة مفتوحة للهدر، وتآكل مؤسسات الدولة. ويتجلى ذلك بوضوح في تحكّم الزعامات التقليدية بالمفاصل الإدارية، حيث باتت المناصب تُمنح على أساس الولاء السياسي لا الكفاءة، مما فاقم من ترهّل الإدارة العامة وعمّق الفجوة بين المواطن والدولة.
البلديات، المفترض أن تكون خط الدفاع الأول عن المصلحة العامة، ليست أفضل حالاً. ميزانيات تُهدر سنوياً على مشاريع يشوبها الغموض، وعقود تُمنح لشركات محسوبة على أطراف سياسية، فيما تغيب الرقابة والمساءلة. وبدلاً من أن تُدار الشؤون المحلية وفق معايير الكفاءة والشفافية، أضحت بعض المجالس البلدية امتداداً لمنظومة الزبائنية.
أما على مستوى الخدمات الأساسية، فالكهرباء والمياه والنفايات، تحوّلت إلى ملفات تُدار بصفقات باهظة من دون أي انعكاس فعلي على حياة المواطن. انقطاع مستمر، تلوّث متصاعد، ومشاريع بلا نتائج تُغرق المدينة في دوامة من التهميش.
أمام هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى تدخل صارم يعيد هيبة الدولة ويضع حداً لمنظومة الفساد المزمنة. الأمر يتطلب إطلاق آلية وطنية حقيقية لمكافحة الفساد، تتمتع بالاستقلالية والصلاحيات، بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة. كما أن تعزيز الرقابة على عمل البلديات وربط التمويل بالأداء والمساءلة، يشكّل ركيزة أساسية في مسار الإصلاح.
ورغم قتامة المشهد، ثمة بارقة أمل تلوح في الأفق. فالحكومة الحالية، التي أظهرت قدراً من الجدية في مواجهة التحديات الاقتصادية والإدارية، تملك اليوم فرصة تاريخية لوضع طرابلس على خارطة الأولويات الوطنية. وإذا ما تم البناء على الجهود الجارية في مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة، فإن المدينة قد تستعيد دورها الريادي وتفتح صفحة جديدة من التنمية والاستقرار.