خاص Lebanon On Time _ خالد أبو شام
لم تعد العتمة في لبنان حالة طارئة، ولا نتيجة خلل تقني عابر. ما نعيشه اليوم، مع الانقطاع شبه الشامل للكهرباء بسبب تأخّر وصول باخرة الفيول، هو صورة صادقة لدولة انهارت وظيفتها الأساسية، وقررت أن تترك مواطنيها رهائن لاقتصاد الظلّ، تحت رحمة منظومة غير شرعية اسمها: المولدات.
في أي بلد يحترم نفسه، انقطاع التيار فضيحة وطنية تُسقط حكومات. أما في لبنان، فالعتمة تُدار ببيانات مكرورة، وكأن الظلام تفصيل ثانوي في حياة الناس. مؤسسة كهرباء لبنان لم تعد مؤسسة عامة، بل عنوانًا للفشل المزمن، فيما الدولة تكتفي بدور المتفرج، أو الشريك الصامت.
المولدات الخاصة، التي وُلدت كحل مؤقت، تحوّلت إلى واقع دائم، وإلى سلطة موازية لا تخضع لقانون، ولا تحاسبها جهة، ولا تردعها دولة. تسعير مزاجي، ساعات تقنين انتقائية، تهديد دائم بالقطع، وفواتير تُفرض بالقوة. كل ذلك يجري تحت نظر الدولة، بل بحمايتها غير المعلنة.
الأخطر أن هذا القطاع غير الشرعي أصبح جزءًا من المعادلة الاقتصادية، لا استثناءً عنها. ملايين الدولارات تُجبى شهريًا من جيوب المواطنين، بلا ضرائب عادلة، بلا رقابة، وبلا مساءلة. ومن يدفع الثمن؟ مواطن أعزل، مضطر لأن يشتري النور كي يعيش، وكأن الكهرباء ترف لا حق.
السؤال الذي لا يُطرح رسميًا: من المستفيد من استمرار هذه الفوضى؟ الجواب واضح لمن يريد أن يرى. هناك من يربح من العتمة، من يراكم ثروات من المازوت، ومن يفضّل بقاء الدولة عاجزة لأن الحل يهدد مصالحه. فكل ساعة انقطاع كهرباء رسمية، هي ساعة ربح إضافية لعصابة المولدات.
الدولة ليست عاجزة فقط، بل متورطة. فهي التي فشلت في وضع خطة مستدامة للكهرباء، وهي التي أدارت الملف بعقلية الصفقات المؤقتة والبواخر، وهي التي شرعنت الأمر الواقع بدل كسره. لو كان هناك قرار سياسي حقيقي بالإصلاح، لكانت المولدات أول ضحاياه، لا المستفيد الأكبر منه.
العتمة التي نعيشها اليوم ليست قدرًا، بل نتيجة خيارات واضحة: خيار الإهمال، خيار الهروب من المواجهة، وخيار ترك الناس فريسة للابتزاز. الكهرباء في لبنان لم تعد خدمة عامة، بل أداة إذلال يومي، تُذكر المواطن كل ليلة بأن دولته غائبة، أو متواطئة.
هذه ليست أزمة كهرباء فقط؛ إنها أزمة دولة تخلّت عن سيادتها على أبسط مقومات العيش. وطالما بقيت المولدات أقوى من القانون، سيبقى لبنان بلدًا تُدار فيه الحياة على ضوء الشمعة… وتُطفأ فيه آخر ما تبقى من ثقة.
Lebanon on time جريدة الكترونية مستقلة