جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / إفلاس إنتخابي في وطن مُفلس
العميد الركن خالد حماده

إفلاس إنتخابي في وطن مُفلس

العميد الركن خالد حماده:
       نعترف بالدهشة والعجز عن استيعاب وفهم مبررات الركاكة والابتذال في الخطاب الانتخابي خلال هذا السباق المسعور نحو المجلس النيابي. سياسيو لبنان ومن قبيل العرفان بالجميل مدعوون للوقوف دقيقة صمت حداداً على قانون الستين الأكثري الذي طمأنهم لسنوات فحجب صبيانيّة وخواء خطابهم السياسي. المحادل المذهبية ذات اللون الواحد أو المتعدّدة الألوان  التي تشكّلت تحت مظلّة الستين أمنّت للسلطة السياسية معادلة رقميّة سمحت لها بإعادة إنتاج نفسها والحفاظ على مكاسبها وحولّت المجلس النيابي الى مجلس الادارة.
القانون الجديد الذي لا زالت ظروف إنتاجه غامضة، أدخل النسبيّة على مذهبيّة القانون الأكثري، مما سمح باستنهاض العصبيات والولاءات العائلية والمناطقية من خلال بدعة الدمج بين الدوائر الكبرى والدوائر الصغرى. اهتزت خارطة المكاسب فانفجر الخطاب السياسي داخل معسكر الحلفاء وبين الحلفاء والخصوم وفي وجه الولاءات العشائرية والعائلية التي تعذّر استيعابها عصبيتها وهضمها.
بدا العجز واضحاً في تقديم أي عنوان جديد في الخطاب السياسي. انفراط عقد قوى 14 آذار ولجوئها الى خطاب تسووي تحت عنوان حماية الإستقرار، وتوزّع الحلفاء يُمنةً ويسرى على ضفتيّ التسوية الرئاسية أسقط الخطاب المقابل لمعسكر الممانعة الذي انفرط عقد تحالفاته أيضاً  وأفرغ معه أوراق التفاهم من مضمونها. محاولات الفصل بين ما يجري من تحالفات انتخابية وتحالفات استراتيجية، من خلال بعض اللقاءات الجانبيّة بين أركان هذا المعسكر أو ذاك، لا تبدو واقعية.
استعادة القول على لسان الأمين العام لحزب الله أنّ هناك مرشحين أيّدوا الجماعات المسلّحة وقدّموا لهم الدعم المادي والإعلامي والسياسي ومنعوا الجيش اللبناني من القيام بحسم المعركة، لا يبدو عنواناً إنتخابياً جاذباً، ليس بسبب التسوية التي عقدها حزب الله والنظام السوري مع مسلحي داعش والنصرة، والتي أُريد منها إجهاض الإنتصار الذي حققه الجيش واستعادة الصورة النمطيّة التي تكرس عجزه عن القيام بمهامه فقط، بل أيضاً بسبب الإنفراط المحتوم للمعسكر الذي كان متحلّقاً حول معادلة الجيش والشعب والمقاومة، بعد إعلان رئيس الجمهورية طرح موضوع الإستراتيجية الدفاعيّة على طاولة البحث بعد الإنتخابات مباشرة.
الشق الإصلاحي الذي أسهب الأمين العام لحزب الله في تناوله على المستوى الإقتصادي والرعاية الإجتماعية والدور المطروح للحزب في مكافحة الفساد وتفعيل الرقابة الإداريّة، لا يتمتع بالثقل الكافي لإطلاقه كعنوان إنتخابي أو سياسي. يُدرك الأمين العام من هي الجهات المستفيدة من فساد قطاع الكهرباء وما هي صعوبات الجبايّة في المناطق المتمتعة بمظلّة المقاومة، ويُدرك تماماً ما هي مساوئ الاقتصاد الموازي الناشئ بسبب المعابر غير الشرعية على الحدود اللبنانية – السورية ومن هي الجهات المستفيدة من هذا التسيّب. ما هي قدرة حزب الله على تحويل هذا العنوان الإنتخابي الى واقع ملموس لا سيما بعد إعلان لبنان بلد مفلس أو على شفير الإفلاس على لسان البطريرك بشارة الراعي بعد لقائه رئيس الجمهورية، وما هي قدرة حزب الله على  الحفاظ على التحالفات السابقة في ضوء كلّ نقاط الافتراق المشار إليها والمطروحة مع الحلفاء قبل الخصوم؟
لم يحاول أي فريق سياسي تلمسّ المتغيّرات المتسارعة على مستوى الإقليم أو إدراك مخاطر إعادة تموّضع القوى الكبرى مكان اللاعبين الإقليميين وتداعيات كلّ ذلك على مستقبل لبنان. لبنان الذاهب إلى مؤتمريّ سيدر (1) وبروكسل والذي أوحى رئيس جمهوريته بأنّه على شفير الإفلاس لا يقوى سياسيوه في هذا التسابق نحو السلطة على تقديم أكثر من خطاب انتخابي مفلس.