جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / اتفاق الطائف.. التفكيك على درب الإلغاء
مازن خطاب

اتفاق الطائف.. التفكيك على درب الإلغاء

د مازن ع.خطاب:
     استطاع «اتفاق الطائف» لعام 1989، أنْ يُنهي الحرب الأهلية اللبنانية، باعتماده حلاً قام على أساس إهمال الواقع الديمغرافي العددي للمواطنين المسلمين والمسيحيين، واعتماد المناصفة التامة، وتوزيع النسب المذهبية في كلا النصفين، بما لا يُمكّن أياً من المذاهب في لبنان، من امتلاك الثلث منفرداً، وتالياً حاجة الجميع إلى التوافق الدائم في إطار ما يُسمّى باصطلاح «الديموقراطية التوافقية».
عملياً، كرّس اتفاق «الطائف» صيغة المحاصصة الطائفية والمذهبية التمثيلية للجماعات والطوائف في إطار نظام يقوم على تقاسم المناصب الإدارية، لكن بفعل العوامل السياسية على مدى عقود، اُصيبَ النظام اللبناني، ومعه اتفاق الطائف بتفكّك واهتراء في نواحٍ كثيرة، وكانت البداية مع الوجود السوري وممارساته، ثم تفاقم الحال مع استمرار السلطة السياسية في تجاهل تنفيذ تطبيق بنود «الطائف» الاصلاحية بسبب مصالحها.
الأمر الأوّل، في مرحلة ما بعد الحرب أصبحت سوريا صاحبة النفوذ الأكبر في لبنان، بعدما أوكل إليها عرّابو الطائف مهمّة تطبيق الاتفاق ورعايته، كما أُعطيت حق الوصاية على لبنان بمباركة المجتمع الدولي مقابل مشاركتها البنّاءة في عملية السلام مع الكيان الصهيوني، لكن الدور السوري في لبنان تبدَّل، واستفادت سوريا بالكامل من حرية التصرّف التي مُنحت لها، فبدلاً من مساعدة لبنان على حل أزمة الحُكم، أصبحت دمشق تريد الإشراف على إدارتها.. وكانت الترجمة العملية لذلك تسليم السلطة لميليشيات ما قبل «الطائف» عبر إجراء انتخابات سابقة لموعدها في عام 1992 بدلاً من 1994، فصار انتخاب السلطة عنوة عن كل اللبنانيين، واتخذت شكل التعيين بدلا من الانتخاب.
بعد ذلك، لعبت سوريا دوراً دائماً وموازناً ودقيقاً بين الطائفتين المسيحية والإسلامية عموماً، وبين مذاهب الموارنة والسُنّة والشيعة على وجه الخصوص، بالرغم من أنّها أولت التمثيل السياسي الشيعي رعايةً خاصةً بما يحقّق ولاءً سياسياً كاملاً لوصايتها على لبنان. كما أعطت دوراً للطائفة العلوية عبر نائبيها اللذين انضما إلى عداد المجلس النيابي. وقد فرضت سوريا تنفيذ «الطائف»، على النحو الذي يراعي المصالح السورية على حساب المصالح اللبنانية، فقامت بإزالة الحدود بين صلاحيات السلطات، وتُرجم ذلك ببدعة «الترويكا»، وما زالت تداعيات السياسة السورية مستمرّة، حتّى بعد انسحابها من لبنان عام 2005.
الأمر الثاني، بعدما أصبحت الميليشيات هي السلطة الحاكمة، رفعت اتفاق «الطائف» عنواناً لها لكنها حكمت خلافاً لروحيته، وتعاطت مع نصوصه باستنسابية ومزاجية، مدمّرةً قواعد هذا الاتفاق بحسب ما تقتضي مصالحها ومكاسبها، مانعة تطبيق اتفاق «الطائف» عبر إصرارها على عدم إصدار القوانين التطبيقية الخاصة بالإصلاحات السياسية والدستورية، ومنها الإجراءات الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية، وانتخاب أوّل مجلس نيابي على أساس وطني، ليتم إنشاء مجلس الشيوخ الذي تتمثّل فيه جميع العائلات الروحية اللبنانية، لكن الصراعات الطائفية الدائمة على المصالح أدّت إلى شللٍ في عملية صنع القرار على مدى عقود.
ويمكن الاستنتاج ممّا سبق أنّه سيكون من الصعب عكس ديناميكيات تفكّك اتفاق «الطائف»، التي أُطلق لها العنان من دون توفّر وسائل لإعادة الإدماج السياسي وإيجاد التوازن المناسب بين هوية وطنية جامعة وبين تعدّدية دينية واجتماعية وثقافية وسياسية، خصوصاً في ظل تصاعد حدّة الخلافات الطائفية والمذهبية في الآونة الأخيرة، لا سيما الخلاف السُنّي – الشيعي الذي لم يعد خافياً على أحد، والذي ظَهَر جلياً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب سوريا، ثم عادت وتصاعدت حدّته أكثر مع اندلاع الحرب الأهلية السورية في العام 2011.
ويبدو أنّ الدولة اللبنانية قد بلغت طريقاً مسدوداً في معالجة أزماتها المتفاقمة، خاصة النزاع السياسي الجاري حول تشكيل الحكومة بين الرئيس المكلُف وأمين عام «حزب الله»، في حين انتشرت أصداء عن توجّه لدى أحد الأطراف السياسية لإعادة النظر باتفاق «الطائف»، وربّما العمل على نسف صيغته، والمرحلة التي مثّلها، بهدف إعادة خلط التمثيل الطائفي بشكل أو آخر.. ولكن الأهداف المرجوة من الكلام عن تعديل «الطائف» لا تبدو جلية، خصوصاً أنّ الطبقة السياسية لا تزال نفسها تتداول السلطة منذ «الطائف»، وبالتالي فإنّها تتحمّل عملياً مسؤولية كلّ خلل في تطبيق بنوده.
الأنكى والأخطر من هذا كله، هي محاولات خلق البدع الدستورية، ففي حال عدم القدرة على تعديل اتفاق «الطائف»، فليكن نهج التعديل القسري عبر الممارسة والإرغام!!