جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / الأزمة في لبنان… على مشارف “لحظة الحقيقة”
لبنان

الأزمة في لبنان… على مشارف “لحظة الحقيقة”

تتّجه الأزمة التي انفجرتْ مع استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري في 4 نوفمبر الجاري في خطابٍ متلفْز من الرياض الى فصولٍ جديدة رغم «حال الإنكار» التي تسود الحُكم و«حزب الله» وحلفاءه حيال حصول الاستقالة بمعناها التقني والدستوري، وما تُعبّر عنه هذه الخطوة المفصلية من تحوّلاتٍ إقليمية وداخلية بإزاء التعاطي مع ملف الحزب تموْضعاً وسلاحاً وأدواراً وجعْله استحقاقاً مطروحاً من الباب العريض كمشكلةٍ لها امتدادات عربية ودولية وتالياً انتفاء إمكانات ترْك حلّها لـ «لبْننةٍ» تجاوزتْها الأحداث في ضوء ما ظهّرتْه تجربة التسوية السياسية على مدى عام من انسياق إلى موازين قوى تميل لمصلحة الحزب والمحور الإيراني.

وأمس تَكرَّر مَشهد إصرار الحُكم على جعْل عودة الحريري عنواناً للأزمة مع تصريحات وإيحاءات بأنه «محتجز» في الرياض وأن أي مفعول دستوري لاستقالته لن يبدأ إلا حين يتقدّم بها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وجهاً لوجه، في مقابل إطلاق رئيس الحكومة المستقيل المزيد من «إشارات الردّ»، وآخرها إطلالة عبر تلفزيون «المستقبل» هي الأولى له منذ إعلان «قلْب الطاولة» والأولويات الذي عَكَس في أبعاده الخارجية أن قرار التصدّي لنفوذ إيران في المنطقة وتمدُّدها عبر «حزب الله» بدأ يشقّ طريقه في لحظة اقتراب الطيّ النهائي لصفحة «داعش» وانطلاق قطار التسويات.

وساد ترقُّب كبير أقرب إلى «حبْس الأنفاس»، طوال يوم أمس وحتى ساعة متقدمة من المساء، لمقابلة الحريري التي يُفترض أن تنهي الالتباسات التي رسمها رسميون في لبنان و«حزب الله» وحلفاؤه حيال ملابسات الاستقالة وظروف إقامة رئيس الحكومة في الرياض.

وقبل ساعات من بث المقابلة، مساء أمس، كشفت الإعلامية في «المستقبل» بولا يعقوبيان، قبيل مغادرتها بيروت متوجهة إلى الرياض، أن الحريري هو الذي اتصل بها وطلب المقابلة.

وحتى هذا التطوّر دخل في سياق مسار «التشكيك» الذي يسود منذ إعلان الاستقالة، إذ تحدث بعض الإعلام عن أن السعودية منعت فريق عمل «المستقبل» من مرافقة يعقوبيان، وهو ما نفاه مدير الأخبار والبرامج السياسية في التلفزيون الإعلامي نديم قطيش مؤكداً (عبر «النهار») أن «فريق المحطة لن يرافق يعقوبيان لأسباب لوجستية». وقال: «تقرّرتْ المقابلة ليلاً، فكيف يمكن الحصول على تأشيرة للفريق لدخول السعودية؟»، لافتاً إلى «أنّ التلفزيون طلب من وزارة الإعلام السعودية تزويده بجهاز بثّ مباشر، فكان من الأسهل الحصول على كاميرات ومصوّرين من المملكة في آن واحد».

واعتُبر انشداد الأنظار بالكامل الى إطلالة الحريري تعبيراً عن الأهمية الكبرى لما سيعلنه والذي يُنتظر أن يشكّل الفصل الثاني من «الصاعقة الحريرية»، وسط رصْدٍ دقيقٍ لما إذا كان رئيس الحكومة المستقيل سيعبّر عن عدم رغبة في العودة ربطاً بخشيته من عملية اغتيال قد يتعرّض لها في ضوء ما كُشف عن عمليات تشويش كان تعرّض لها موكبه في بيروت، أم أنه سيربط العودة بمجموعة شروط سياسية ترسم إطاراً مختلفاً للتسوية التي كانت أنهتْ الفراغ الرئاسي تحت عنوان «ربْط النزاع» وتحييد الملفات الخلافية، وهذه المرة على قاعدة أن المساكنة بين «الدولة والدويلة» لم تعد ممكنة وأن المطلوب مواجهة هذه القضية التي تحوّلت «مشكلة إقليمية ودولية».

وفيما كان الحريري الغائب الأكثر حضوراً في ماراثون بيروت الدولي بنسخته الـ 15 بعدما دعا الرئيس عون المشارِكين فيه (تجاوز عددهم 48 ألفاً من نحو 100 جنسية) الى الركض تحت شعار «عودة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الى لبنان» وسط مظاهر دعمٍ كبيرة له بالشعارات وبينها «كلنا معك» و«كلنا ناطرينك» و«الحريري بالقلب»، فإن أوساطاً سياسية ترى أن عملية «الهروب الى الأمام» التي يعتمدها رسميون في لبنان ويُلاقيها «حزب الله» تقترب من «لحظة الحقيقة» التي يشكّلها الكلام المنتظر لرئيس الحكومة المستقيل، بما سيجعل المرتكز السياسي للاستقالة يطفو على السطح بقوّة، ملاحِظةً ان الموقف الأميركي الذي ركّز على الشراكة القوية مع الحريري أعطى إشاراتٍ نحو مسألة «حزب الله» التي تشكل نقطة تقاطُع مركزية بين واشنطن والرياض ودول خليجية أخرى.

وحسب هذه الأوساط، فإنه في موازاة مشاركة الحريري مساء السبت الماضي في استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في مطار الملك خالد في الرياض قادماً من المدينة المنورة بعدما كان استقبل في دارته سفيريْ بريطانيا وتركيا في السعودية، يأتي مضيّ الحُكم في التركيز على العودة ومحاولة «تدويل» هذا العنوان وتوجيهه ضدّ السعودية لينطوي على مَحاذير يمكن أن ترتدّ سلباً على «آخر الجسور» الباقية مع المملكة التي تعتبر أن ثمة حزباً مسلحاً لبنانياً يلعب بأمنها عبر الملف اليمني بما يشبه «إعلان الحرب عليها»، مشيرة الى مخاطر نقل عنوان «عودة الحريري» الى مجلس الأمن بدعمٍ روسي بما يساهم في إضافة طبقات من التعقيدات الى الأزمة التي فجّرتها استقالة الحريري وجعْلها أزمة لبنانية – سعودية مفتوحة لن يدفع ثمنها إلا لبنان.

كما توقّفت عند محاولات استغلال ملف استقالة الحريري وإثارة علامات استفهام حول ظروفها لدفْع العلاقات مع الرياض إلى مرحلة «الـ لا عودة»، بدليل ما شهدتْه طرابلس ليل اول من امس من حرق صور، قبل ان يقرر وزير الداخلية نهاد المشنوق إزالة كل الصور السياسية من المدينة، بما عكس تَحسُّساً لإمكان وجود مخطط متعدد الهدف يلاقي مناخ التحريض على المملكة تحت عنوان عودة الحريري.

ولاحظت الاوساط نفسها الإعلان عن «حملة ديبلوماسية أطلقها لبنان» والهادفة الى «المطالبة بوجوب احترام المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تمنح الحصانة المطلقة لمسؤولي الدول السياديين وتضمن حركتهم وحرية الحركة والتعبير»، وهي الحملة التي أعلن وزير الخارجية جبران باسيل انه أجرى في الأيام الماضية تحت سقفها سلسلة اتصالات بوزراء خارجية عدد من الدول، أوضح فيها أسباب اعتبار الاستقالة غير مقبولة، مطالباً «بالقيام بالاتصالات كافة، لمساعدة لبنان لتأمين العودة السريعة لرئيس الحكومة».

وشدّد باسيل على ان لبنان لا يرضى «التدخل في شأن أي دولة عربية، ومن باب الأولى عدم الاعتداء عليها، تماماً كما يطالب بعدم التدخّل بشؤونه والاعتداء على حريته وسيادته وكرامته»، معبراً «عن حرص لبنان على أفضل العلاقات الدولية وخصوصاً العربية».

وفي موازاة ذلك، يتوّجه باسيل غداً الى باريس حيث سيلتقيه الرئيس ايمانويل ماكرون الذي كان اتصل اول من امس بالرئيس عون مؤكداً وفق الاليزيه «اهمية الحفاظ على استقرار لبنان واستقلاله»، ومجدِّداً «دعوته لضمان حرية تحرك القادة السياسيين اللبنانيين»، ومشدداً على «ضرورة المحافظة على استمرارية مؤسسات الدولة، ضمن اطر سياسة النأي بالنفس عن نزاعات المنطقة ولا سيما في سورية».

وعلى وقع الكلام عن مبادرة فرنسية من 3 نقاط لحلّ أزمة استقالة الحريري، يصل إلى الرياض الأربعاء وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان في زيارة يبحث خلالها التطورات الأخيرة في لبنان استكمالاً لمحادثات ماكرون في السعودية، فيما يواصل موفد الرئيس الفرنسي اورليان دو شوفالييه مهمته في بيروت، وسط تقارير كشفتْ أن جانباً من هذه المهمة يتّصل بالبحث في وضع الحريري «كمواطن فرنسي بالاضافة إلى كونه سعودياً ولبنانياً».

وفي ما بدا مساراً تصاعُدياً لتظهير «الأسس السياسية» لاستقالة الحريري، أعلنت كتلة «المستقبل» البرلمانية بعد اجتماعها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، ليل أول من أمس «إدانة أي حملات تستهدف السعودية وقيادتها وتعتبر هذه الحملات جزءاً من مخطط لتخريب الاستقرار الوطني». وإذ أكدت «رفْضها القاطع للتدخّل الايراني في شؤون البلدان العربية الشقيقة»، دانت «الاعتداءات التي تستهدف المملكة من أدوات ايران في اليمن وغيرها»، مجددة «وقوفها وراء قيادة الرئيس الحريري، وهي تنتظر بفارغ الصبر عودته الى لبنان، لتحمل مسؤولياته الوطنية في قيادة المرحلة».

(الراي)