جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / التحدّي الكبير

التحدّي الكبير

د. عامر مشموشي:
    الحكومة أمام تحدي وضع موازنة شفافة تستجيب لتوصيات صندوق النقد الدولي، وتشجيع الدول التي عبّرت عن رغبتها في مساعدة لبنان على ترجمة هذه الرغبة في مؤتمر «سادر واحد» الذي تقرر انعقاده في الأسابيع القليلة المقبلة، بناء على طلب الحكومة اللبنانية والمساعي الفرنسية التي بذلها الرئيس ماكرون، فهل تنجح الحكومة في هذا التحدي أم ستفشل كما هي العادة في هذه الدولة العجيبة؟
الرؤساء الثلاثة الذين جمعتهم، بعد فراق، الأزمة التي افتعلتها اسرائيل بادعاء ملكيتها للبلوك النفطي رقم 9، توصلوا في ما بينهم بعد نقاشات معمقة إلى اتفاق على وجوب إطلاق سراح موازنة العام الحالي ووضعها موضع التنفيذ قبل حلول مواعيد المؤتمرات الدولية الثلاثة المخصصة لدعم لبنان ومساعدته حتى يتجاوز مصاعبه الاقتصادية والمالية الناتجة، أولاً وليس آخراً، عن سوء الإدارة وعن هدر المال العام وتفشي الفساد واستشرائه في كل المرافق والمؤسسات العامة. وقد تجاوبت الحكومة مع هذا الاتفاق، وفتحت ورشة عمل عبر لجنة وزارية لإنجاز درس الموازنة وإقرارها وإحالتها إلى مجلس النواب قبل السادس من شهر آذار المقبل، وإلا تكون، كما حذّر رئيس مجلس النواب نبيه برّي قبل بضعة أيام، قد فوّتت فرصة الإفادة من المؤتمرات الدولية الثلاثة المخصصة لدعم لبنان من أجل تمكينه من تجاوز الأزمات الاقتصادية والمالية التي تقبض على خناقه وتهدده بالإفلاس، كما حصل بالنسبة الى اليونان القريبة منه.
اللجنة الوزارية تجتمع تحت عنوان عريض هو تقليص حجم الإنفاق العام بنسبة 20 إلى 25٪، وهذا أقصى ما يُمكن ان تفعله في ظل الوضع القائم، من دون ان تأتي على ذكر الإصلاحات الأخرى التي اقترحها صندوق النقد الدولي في تقريره الذي تسلمته مؤخراً الحكومة اللبنانية، ما يعني بكلام آخر أن اللجنة غير قادرة على الاستجابة لمثل هذه الإصلاحات لعلة ليست في النظام، بل في الذهنية التي تحكمه والتي ما زالت تتصرّف ليس على أساس مفهوم الدولة بل بعقلية المزرعة، علماً بأن هؤلاء أنفسهم ابلغوا رسمياً بأن أي مؤتمر دولي لمساعدة لبنان، لكي ينجح باستقطاب رؤوس أموال واستثمارات وشركات، يوجب على الحكومة اللبنانية أن تحسّن أداءها الداخلي من أجل تطبيق حوكمة أفضل وأداء سياسي أنجح، إذ لا توجد دولة تحترم نفسها تطلب دعماً مالياً وهي لا تملك موازنة، وهذا الكلام ورد في تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر منذ أيام، وفيه أيضاً الكثير من قرع أجراس الإنذار من مخاطر الوضع الاقتصادي القائم ومن السياسة المعتمدة لإدارة الحكم في لبنان.
إذن الحكومة اليوم أمام امتحان كبير، فإما أن تستجيب للمتطلبات الدولية حتى تنجح المؤتمرات التي ستعقد لمساعدة لبنان، وإما أن تبقى على النمط المعهود في إدارة الدولة، وتقع الكارثة.