جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / الطوفان الوطني والخواء السياسي
hqdefault

الطوفان الوطني والخواء السياسي

أحمد الغز:
     يا شابات وشباب لبنان كيفَ صنعتم هذا الطوفان السياسي العظيم الذي انتظرناه خمسين عاما ليقتلع القبلية والطائفية وادعاءات الأحزاب والمذاهب والنخب وبقايا العائلات المتعددة الازمنة والأزياء، وشكرًا لانكم ملأتم الخواء الاعلامي المهني والوطني لدى شاشات التقاطعات المحلية والخارجية وصناعة نجوم الخواء وكنتم خارج برامجها وشاشاتها وتجاهلتكم ومناطقكم وادعت الحديث باسمكم سنوات طوال، وشكرًا لأنكم أيقظتم اهل السلطة من غفوتهم واستغراقهم في شأنهم الخاص وتناسيهم بديهيات الشأن العام.
 شكرا يا شابات وشباب لبنان على طوفانكم السياسي الذي أنهى معاناة اجيال واجيال مع تسلط تجار العقائد والأيديولوجيات الأممية والدينية والقوميات العربية والمشرقية واللبنانية والمنظّرين والخبراء الذين باعوا المبادئ والنضالات لاصحاب السلطة في لبنان وخارج لبنان، شكرًا على هذا الطوفان الوطني الشامل والأكبر من ان تحتويه أقداح سكارى الأوهام من اصحاب البوستات والتغريدات والأنانيات وأكلة شهداء الكرم والعطاء، وشكرا على هذا الطوفان الغامر والأكبر من ان تمتصه خطب الرؤساء والزعماء والقيادات الذين لا يعرفون بان شغف الحرية والمعرفة لدى الانسان اكبر واقوى من ضرورات الجوع والعري.
 شكرًا يا شابات وشباب لبنان على هذا الطوفان السياسي العظيم الذي هزني وجعلني سعيدا بفشلي أمام نجاحكم بعد سنوات طوال مع مرارة الموت البطيء على أيدي الخواء السياسي والانساني والاخلاقي وأوهام الاقوياء والغلبة والانتصارات والخواء النخبوي الذي تحكم بلبنان منذ اول طلقة رصاص على الدولة والمؤسسات وتغول الميليشيات المسلحة على الحياة العامة التي سحقت الفردية المدنية و دمرت مجتمعات الحرية والاحلام وقتلت كل قيادات الامل والرجاء وصنعت موجات العنف السياسي المسلح المتعاقبة على مدى ستين عاما، وشكرًا على شجاعتكم وثقتكم بانفسكم وقدرتكم على ايقاظ الامل في عيون الاطفال وصناعة لحظة وطنية غامرة للوجدان وهي اكبر من أهدافها واكبر من شعاراتها واكبر من محاولات استيعابها من اصحاب غرائز الحقد والفشل والارتزاق ووقاحة الادعاء والاحتواء.
 شكرًا يا شابات وشباب لبنان المنصهرين في اللحظة الواحدة والوطن الواحد والحلم الواعد، العابرين لأوهام الطوائف والقبائل والمناطق ورموز الفشل القديمة والطارئة والمستجدة، وان طوفانكم العظيم تجاوز كل ادوات الاستيعاب وشطارة الأذكياء ومرجعيات كل السفارات والمخابرات واجهزة التحكم والسيطرة وكتاب الشعارات وتحديد الأوليات، فأنتم اكبر من حراك واكبر من ثورة واكبر من الاحقاد الصغيرة والاستهدافات وتصفية الحسابات، انتم لحظة تجدد وحياة تبحث عن وطن يليق بالانسان وليس عن قادة من اصحاب النظريات وركوب الموجات والإسقاطات والمورثات النوعية وأدبيات الثورات والمؤامرات من الذين لا يعرفون ان شغف الحرية واحترام الذات هو من بديهيات الانسان منذ ان كان.
 شكرًا يا شابات وشباب لبنان على طوفانكم السياسي الوطني الذي أعاد الاعتبار لتضحيات مئات الآلاف من شابات وشباب لبنان الذين قضوا على أيدي تجار العنف المسلح والعنف السياسي والعنف الاخلاقي والعنف النخبوي والأيديولوجي والطائفي والعنف المذهبي والعائلي والقبلي والعنف المالي والتربوي والإعلامي والعنف المخابراتي المحلي والعربي والاقليمي والدولي والاسرائيلي.
يا شابات وشباب كل لبنان باسم كل هؤلاء الضحايا الاحياء الاموات منا والاموات الأحياء أشكركم على الطوفان الذي غمر خيبتنا بالأمل والكبرياء، ورغم ما يحدث وما قد تحمله الساعات والأيام القادمة من مخاطر وتحديات وحماقات وانهيارات فإن عقارب الزمن لن تعود الى الوراء وبعيدا عن الطموحات والحسابات الصغيرة. شكرا شكرا لشابات وشباب كل لبنان على الطوفان الوطني الذي اغرق مراكب الخواء السياسي في لبنان.
ahmadghoz@hotmail.com