جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / تهويل بالحرب بِلا إشعالها
جوني منير

تهويل بالحرب بِلا إشعالها

جوني منير:
    الضجيج المتصاعد والتهديد المتبادَل والتهويل بالمواجهات العسكرية ساد ساحات الشرق الأوسط الى درجة اعتقد البعض معها أنّ حرباً طاحنة باتت وشيكة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة، وإيران و»حزب الله» وحلفائهما من جهة أخرى.
لكن مَن ينظر الى عمق اللعبة ليجري قراءة جادة يخرج باستنتاج آخر مفاده أنّ ما يجري هو التهويل بالحرب وليس أبداً الشروع في خوضها، ذلك أنه كلما اقتربنا من تسوية إسرائيلية – فلسطينية تدفع واشنطن بقوة في اتجاهها كلما رمى مختلف الأطراف بأوراق القوة التي يمتلكونها، إما لحماية المسار التفاوضي من العرقلة الاقليمية، أو للتأثير سلباً في الاندفاعة الحاصلة.

لكن يجب الإقرار أنّ حجم الرسائل المتبادَلة كان كبيراً. ففيما كانت صحيفة «واشنطن بوست» تحذّر من أنّ واشنطن في طريقها الى التصادم مع سوريا وإيران، وأنها باشرت بإبراز مخالبها، كانت القوات الأميركية تُعزّز قوتها النارية في التنف بنظام صاروخي حديث، ولكن دفاعيّ وليس هجومياً، وتعمل على إسقاط طائرة حربية سورية لتردّ روسيا بوقف التنسيق الجوّي مع الأميركيين.

لكنّ الاهم أنّ الجيش الأميركي شارف على الانتهاء من إنشاء قاعدة عسكرية ثانية في منطقة «خبرة الزقف» عند الحدود السورية – العراقية وفي مكان ليس ببعيد عن التنف ومهمتها حماية قاعدة التنف من الجهة الشمالية الشرقية من أيّ هجمات.

لكن لهاتين القاعدتين مهمات أوسع من منع إيران من السيطرة على معبر التنف ومعه على الطريق السريع بين العراق وسوريا. فالهدف الأوّل متمثّل في تحضير مجموعات من المعارضة السورية لدفعها في اتجاه الشمال، وتحديداً دير الزور، لمواجهة «داعش» والسيطرة على معبر «القائم» وهو المعبر الثاني والاخير الذي يؤمّن ربطَ سوريا بالعراق بطريق سريع، على أن تتولّى القوات الأميركية مساعدة هذه المجموعات عسكرياً تماماً كما هو حاصل مع الأكراد.

وهذا ما يفسّر وصول الجيش السوري الى الحدود والتواصل مع العراق في منطقة تقع شمال التنف وعلى بعد نحو 60 كلم، والهدف قطع الطريق على أيّ تقدّم عسكري من الجنوب وإخلاء الساحة في دير الزور للجيش السوري وحلفائه تمهيداً للسيطرة لاحقاً على معبر «القائم».

والهدف الثاني هو الإشراف على إخلاء المنطقة الجنوبية من الجولان وتحضيرها لتشكّل لاحقاً منطقةً عازلة لمصلحة إسرائيل أطلق عليها إسم «الجوار الطيب»، وهو بند أساسي في التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية الجاري الإعداد لها. ولم يعد سرّاً أنّ إسرائيل تتواصل وتدعم مجموعات مسلّحة معارِضة للنظام السوري وموجودة في هذه المنطقة وتدفع رواتب وتزوّد هذه المجموعات السلاح والذخائر.

بالنسبة الى الهدف الأوّل، لم تكتفِ إيران بإرسال الجنرال قاسم سليماني الى النقطة التي وصل اليها الجيش السوري عند الحدود مع العراق، بل إنها استتبعت توزيع الخبر المصوّر لسليماني بإطلاق صواريخ باليستية على دير الزور في اشارة الى استعداد إيران لتخطّي الخطوط الحمر من أجل تأمين الطريق البرّي السريع عند معبر «القائم»، والمعروف أنها المرة الاولى التي تطلق فيها إيران صواريخ باليستية في اتجاه سوريا، والمرة الأولى منذ العام 1988 التي تطلق فيها صواريخ خارج حدودها إثر انتهاء الحرب مع العراق.

لكنّ رسالة «الصواريخ» لا تنحصر فقط بدير الزور، بل تطاول إسرائيل ولو من بعيد، واستتبعت ذلك باستعراض ثلاثة أنواع صواريخ في «يوم القدس» أحدها صاروخ «غدر» الذي يبلغ مداه 2000 كلم وقادر أن يطاول العمق الإسرائيلي وقواعد أميركية في المنطقة.

وفيما كانت جبهة الجولان تتحرّك مع تبادل للقصف، كان قائد سلاح الجوّ الإسرائيلي يقول إنه ستكون لطائراته الحربية قوة عسكرية لا يمكن تصوّرها في أيّ نزاع مع «حزب الله» مستقبَلاً.

وأرسلت إسرائيل الى الحكومتين الإيرانية واللبنانية عبر بلدَين أوروبيَّين رسائل تحذيرية من تنامي قوة «حزب الله» مرفقة بمعلومات عن قيام «حزب الله» ببناء مصانع لإنتاج صواريخ متطوّرة تحت الأرض في جنوب لبنان والبقاع إضافة الى منظومات أخرى من دون الحاجة الى تهريبها من إيران.

وجاء الرد على لسان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله حول استعداد الحزب لفتح الأجواء أمام عشرات آلاف ومئات ألوف المقاتلين من كل أنحاء العالمَين العربي والإسلامي للمشاركة في المعركة ضد إسرائيل.

الرسالة الأهم جاءت من قاعدة حميميم حيث صعد الرئيس السوري بشار الأسد الى طائرة عسكرية روسية حديثة في ردٍّ واضح على التهديدات الأميركية – الفرنسية بضرب النظام إذا ما استخدم السلاح الكيماوي مرة جديدة، والجانب الأهم من الرسالة هو أنّ سوريا تربط مصيرها بمصير الأسد.

لكنّ كل هذه الرسائل الملتهبة والتصعيد في المواقف والتهديد والتهويل حسمه كلام وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان المنتمي الى الجناح المتشدّد من إسرائيل، فقال متهكّماً: «يظهر أنّ لدينا العديد من الانبياء الذين يتنبّأون بصيف حار ومرة أخرى أقول إن لا نيّة لدينا للشروع في عملية عسكرية لا في الشمال ولا في الجنوب (غزة)».

وفي موقف مشابه قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إنّ «واشنطن ترفض إقحامها غصباً عنها في الحرب في سوريا».

ويُروى أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعدداً محدوداً من مساعديه يدفعون في اتجاه إرسال مزيد من الجنود الى سوريا، ربما لتحويل الأنظار عن أزمته الداخلية، فيما معظم أركان إدارته وخصوصاً وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر يرفضان ذلك لكي لا تتورط واشنطن في نزاع مع إيران لن يكون في صالحها. وهو ما يعني أنّ واشنطن غير راغبة جدّياً في الحرب، كما أنّ إسرائيل التي يعاني جيشُها البرّي من مصاعب جمّة ليست مستعدة لهذه الحرب.

وبالتالي فالتصعيد هدفه لجم إيران وتخفيف تأثيرها في سوريا، والأهمّ منعها من الخربطة على جهود التسوية الفلسطينية التي يريدها ترامب بأيّ ثمن. وقال السفير السابق الأميركي في إسرائيل دان شابر «إنّ ترامب جاهز لدفع السلام ولا أحد قادر على معارضته».

وخلال الاسبوع الماضي زار مستشار ترامب صهره جاريد كوشنر وموفده جيسون غرينبلات إسرائيل والسلطة الفلسطينية في مهمة للدفع بالتسوية التي تطرحها واشنطن.

صحيح أنّ لقاءَ كوشنر مع عباس لم يكن ايجابياً بسبب رفض عباس وقف المساعدات لأهالي الشهداء الفلسطينيين، إلّا أنه تمّ الاتفاق على تشكيل وفد فلسطيني متخصّص لزيارة واشنطن قريباً بهدف مناقشة البنود التقنية للتسوية المطروحة. وفي تل أبيب لوّح كوشنر مجدّداً بورقة التطبيع مع دول الخليج على أساس أنها أصبحت في جيبه.

في اختصار فإنّ كل هذه الفوضى وهذا التصعيد قد يصلان الى درجة أكبر، خصوصاً أنّ واشنطن تضغط بقوة في اتجاه تحقيق التسوية، فيما إيران تستعرض عضلاتها وتركّز على تأمين الطريق من طهران الى الناقورة.

رئيس الأركان المشترَكة الأميركية الجنرال جوزف دانفورد قال: «إنّ هزيمة «داعش» في الرقة والموصل لن تعني نهاية الحرب»، معرباً عن اعتقاده بوجوب «الاستعداد لقتال طويل»، ما يعني أنّ حروب الاستنزاف ستستمرّ طويلاً. هذه هي الحقيقة.