جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / دريان في رسالة رمضان: لاجراءات حاسمة للخروج من الوضع الحالي
مفتي-لبنان-الشيخ-عبد-اللطيف-دريان

دريان في رسالة رمضان: لاجراءات حاسمة للخروج من الوضع الحالي

وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، رسالة الى اللبنانيين بمناسبة شهر رمضان المبارك الاتي نصها: “الحمد لله الذي شرع لعباده الصيام، لتهذيب نفوسهم وتطهيرهم من الآثام، أحمده تعالى وهو المستحق للحمد، وأشكره على نعمه التي تزيد عن العد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ملكه. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أتقى من صلى وصام وحج واعتمر، وأطاع ربه في السر والجهر، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا. وبعد: يقول المولى تعالى في محكم تنزيله:
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون”.

أضاف: “يقدم علينا شهر رمضان كل عام خير مقدم. فالصوم فريضة في القرآن، بمقتضى قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. وهو عمل رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، وحبه وأداؤه للطاعات، يدل على ذلك كثرة أحاديثه في الحث على أداء الفريضة، وفي تبيان الفضائل الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية لرمضان وصومه. وإذا كانت الصلاة عماد الدين، والحج موطن اجتماع جماعة المسلمين، فإن الصوم، فضلا عن كونه عبادة رئيسة في الإسلام والأديان، فقد صار علما على الإسلام في العالم.
نحن مأمورون بصوم شهر رمضان، وبالعيش فيه ومعه، باعتباره شهرا للعبادة والتوبة، والسلوك الخير، والعمل الصالح.
لقد حدد الله سبحانه وتعالى لفرض الصوم، وفي شهر رمضان بالذات، سببين:
الأول: أنه عبادة مفروضة علينا كما كتبت على الذين من قبلنا في سائر الديانات.
والسبب الثاني: أنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن، قال تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه.
فالسبب الأول: تعليل تعبدي، ذو فضائل نفسية وخلقية واجتماعية.
أما السبب الثاني: فهو شكر وحمد لله سبحانه وتعالى على النعمة التي أسبغها علينا بإنزال القرآن، وبعثة خاتم النبيين محمد، صلوات الله وسلامه عليه. وقد قال سبحانه وتعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، وهذه الأمور الثلاثة: إكمال الدين وإتمام النعمة والرضا، هي مقتضى الرحمة الإلهية، التي وسعت كل شيء. قال تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، وقال تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة، فنحن في شهر رمضان، وفي كل شهر وعام، برحمة ونعمة وعناية من الله سبحانه وتعالى، الذي له الخلق والأمر. ثم إن شآبيب الرحمة والنعمة، والعناية المتنزلة على البشرية، المراد منها أن تتحول إلى أخلاق للأفراد وفضائل، يتعامل بها الناس فيما بينهم بالمعروف. ويبدو ذلك كله درسا تربويا عظيما في شهر رمضان، بالصوم والصدقة ورعاية الأهل والولد، والإقبال على فعل الخير للناس، ومع الناس، وبقدر الوسع والطاقة، فالله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها. لكن الآية الكريمة تضيف: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وهذا هو التوازن الرائع، فيا أيها الإنسان المؤمن، بينك وبين الله عهد ووعد، وإن العهد كان مسؤولا، فما استطعت فافعل، انطلاقا من هذه المسؤولية، وهذه الأمانة التي تحملتها. واعلم أنه من مقتضيات المسؤولية أنه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، وذلك لأن النفس الإنسانية العاقلة والعاملة، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت”.

وأردف: “المؤمنون مسؤولون دائما بحكم العهد والميثاق الذي بينهم وبين الله تعالى، ومسؤولون بحكم الفطرة التي فطر الله الناس عليها. وهناك علامات ومناسبات للتذكير والتقدير، ورمضان صومه وعباداته هو أحد علامات وأعلام هذه المسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية. والعلماء يقولون: إن الناس مسؤولون عن مصالح أو ضروريات خمس، هي النفس والعقل والدين والكرامة أو العرض، والملك أو المال. والنفس تعني الحياة بالطبع، كيف يعنى الإنسان بجسده وصحته، ومأكله ومشربه وأخلاقه. وكيف يعنى بعقله وفكره، وكيف يتدبر أموره، وكيف يحفظ عرضه أو كرامته أو سمعته. وكيف يحفظ دينه. ويحفظ كرامته من الظلم ورذائل الأخلاق. وأخيرا كيف يكسب رزقه، وكيف ينفقه ويتصرف فيه. والمسؤولية فردية في الأساس، لأفراد أحرار، لكنها جماعية أيضا، لأن الإنسان يعيش في أسر ومجتمعات. وفضائل العقل والتعقل، والتدين والكرامة، إنما تصبح فضائل، أو تكون عندما تمارس مع الآخرين أو تجاههم. فالأخلاق تعني كما قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: أن (تحب لأخيك ما تحب لنفسك)، وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم (أحب للناس ما تحب لنفسك)، وهذا هو الميزان للأخلاق الفاضلة. فكما تحب لنفسك الصحة والمال، وهناءة العيش، يكون عليك أن تعلم أن هذه الأمور لا تسلم لك، ولا تبقى إلا إذا بذلت وسعك لتكون لقرابتك وإخوانك ومجتمعك، والناس أجمعين”.

وأضاف: “أنتم تعلمون أن مؤسساتنا الاجتماعية الخيرية، هي التي يقع على عاتقها أداء الخدمات في مجتمعنا لكل من يحتاجها من الصغار والأيتام وكبار السن، وذوي الحاجات الخاصة، والمفتقرين إلى ضرورات الصحة، وضرورات العيش ، وضرورات العمل الكريم . ولدينا أزمة اجتماعية طاحنة، توشك أن تتحول إلى أزمة أخلاقية. ونحن نؤدي زكواتنا في رمضان، ولها وجوه محددة، وصدقاتنا تمضي في كل وجوه الخير والمعونة، على مدار العام، فلا عذر في التقصير، مهما تضاءلت القدرات، وإنما الأعمال بالنيات. آباؤكم وأجدادكم هم الذين أقاموا كل تلك الصروح، وليس لعمل الخير وحسب، بل وللتنمية والتطوير والتقدم. فلا ينبغي أن يحدث اختلال في أعمال جيلنا ونياته ومقاصده وإنجازاته. ولذا فإن ما تفعلونه لمؤسساتكم في هذا الشهر الكريم، الذي كانت فيه يد رسول الله صلى الله عليه وسلم كالريح المرسلة، هو الناتج عن هذه المراجعة والمحاسبة التي تقومون بها، بالصوم والصلاة والقرآن والصدقات”.

ولفت دريان الى “ان لبنان يعيش حالة ترقب وانتظار، لا تخلو من بعض تفاؤل بإنجاز موازنة متوازنة، لإنقاذ الوطن من أي خلل في ماليته، وهذا يتطلب التضحية من قبل الجميع، بقبول الموازنة المرتقبة، مهما تباين حولها اختلاف الرأي. فالمعالجة تكون داخل أروقة مجلس الوزراء، وكلنا ثقة بالحكومة التي تدرس مشروع الموازنة بتأن وهدوء، وبشكل علمي ونهج جديد في التعاطي مع هذا الأمر، لإقراره في المجلس النيابي، الحريص أيضا على استقرار الوطن، وعيش المواطن.
ندعو إلى أن يكون عصر النفقات وضبطها، هو الأساس في بنود الموازنة، واتباع سياسة التقشف، ومقاومة الفساد والهدر، وإجراء إصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، ومحاسبة كل مقصر أو متهاون في عمله. وهذا يتطلب اتخاذ إجراءات صارمة وحاسمة ومتوازنة، للخروج من الوضع الذي نحن فيه اليوم، وإلا سنبقى على ما كنا عليه، وستستمر الفوضى وضياع المال العام للدولة، ويزداد الدين، وهنا الطامة الكبرى.
نناشد القوى السياسية لمساعدة الحكومة بدعمها، والوقوف إلى جانبها، ووقف السجالات التي تنعكس سلبا على حياة الناس، وخوفا على مستقبل لبنان، الذي يحاط بدعم عربي ودولي، فلنحافظ على بلدنا بتعاوننا وبوحدتنا وبعيشنا المشترك، وتلاقينا وتواصلنا مع كل من يريد بلبنان خيرا”.

وقال: “لدينا فرصة لا يجب أن نضيعها، وهي انفتاحنا بعضنا على بعض، يدا بيد ، في السراء والضراء. والدول العربية الشقيقة، والدول الصديقة، تريد أن تساعدنا وتدعمنا ليبقى لبنان آمنا ومستقرا ومزدهرا.
كفى لبنان مزايدات، ولا يحاولن أحد أن يوقع لبنان في الفرقة أو التباين بين قياداته، ومع وطنه العربي، وبخاصة الأشقاء في دول الخليج العربي، لأن ذلك لا نحصد منه إلا مزيدا من البلبلة والضياع. لبنان ساحة للخير، وكل واحد منا يجب أن يتحمل مسؤوليته في تحقيق هذا الخير، للنهوض بالدولة ومؤسساتها، علينا أن نعمل معا على تحصين وطننا، لنصونه من العواصف العاتية، التي تهب على العالم بين فترة وأخرى، وتنعكس تبعاتها على المنطقة كلها.
ندعو إلى فتح صفحة جديدة ونقلة نوعية في ممارسة التعامل في الشأن الداخلي والخارجي. نمر في مرحلة صعبة، فالمخاطر كثيرة، والاستهدافات للبنان أيضا كثيرة، ولن نتمكن من مواجهة هذه العواصف والصفقات الدولية، إلا بمزيد من التضامن والوعي والإدراك، وعدم التهجم على الأشقاء والأصدقاء. فلندع الخلق للخالق، وإلا هلكنا، فنحن بلد لا يتحمل أي هزة سياسية أو اقتصادية أو أمنية”.

وختم دريان: “إن رسالة رمضان، ورسالة الدين كله، والعقل كله، والرشد كله، هي رسالة مسؤولية، وعلى أساس منها، لا يتحدد إيمان الإنسان فقط، بل وتتحدد إنسانيته. ولذلك يكون علينا باعتبار إيماننا، وباعتبار وطنيتنا، وباعتبار إنسانيتنا، أن نراجع أنفسنا وعقولنا وضمائرنا، لكي نستطيع صون نظام عيشنا المشترك، ونظامنا السياسي، وقبل ذلك وبعده، نظام وجودنا وإنسانيتنا.
اللهم إننا ندعوك سبحانك مع قدوم شهر رمضان، شهر الرحمة وعمل الخير واستجابة الدعاء، أن تجبر ضعفنا، وترحم أطفالنا من أهوال الفتن والحروب، وأن تهب أوطاننا السلم والأمن والأمان، وأن تخرجنا من هذه المحن المستعصية، وأن تهب وطننا السكينة والطمأننة، إنك يا رب العالمين حكيم قدير.
أسأل الله سبحانه، أن يجعله صوما متقبلا، حافلا بالأعمال الصالحة، وبنعم الله ورضاه، قال تعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، صدق الله العظيم. وكل رمضان وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.