جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / سلطة أم تسلط؟
عامر مشموشي

سلطة أم تسلط؟

د.عامر مشموشي:
                            لم تبق دولة في العالم إلا وأعربت عن اعجابها بانتفاضة الشعب اللبناني وتعاطفها الشديد مع هذه الانتفاضة، ولم تبق دولة ولا مؤسسة الا وحثت السلطة الحاكمة على الاستجابة للمطالب التي رفعها من دون إبطاء ولا أي تأخير لأن الزمن يعمل ضدها وليس معها، كما يعتقد أرباب هذه السلطة، وها قد دخلت الانتفاضة أو الثورة أو الحراك، ليسموه كما يشاؤون، شهرها الثاني، وما زالت السلطة نفسها تدير ظهرها، وكأن الوضع طبيعي وعادي، لا يستأهل أي اهتمام أو تحرك عاجل يُصغي إلى الحلول التي تستجيب لتطلعات هذا الشعب وحاجاته كمثل تشكيل حكومة من الاختصاصيين المستقلين غير الملوثين بالفساد، وامتصاص دم الشعب.
فلماذا هذا التصرف غير المسؤول من جانب أرباب السلطة الحاكمة؟ وما هي حجتهم، وعلى ماذا يراهنون؟ هل يراهنون على عامل الوقت، وقد استخدموه على مدى أكثر من أربعين يوماً ولم تنطفئ شعلة الثورة، بل ازدادت تألقاً وتنظيماً واصراراً؟ أم يراهنون على تخويف الشعب، كما حصل مؤخراً في معظم الساحات التي يتجمع فيها المنتفضون، لقد جربوا ذلك وفشلت أيضاً هذه المحاولة فشلاً ذريعاً، وصمد الشعب في مواقفه بل إزداد تمسكاً واصراراً وعناداً، ما جعل المجتمع الدولي يرفع الصوت محذراً من مغبة ما تخطط له السلطة الحاكمة، وتلجأ إلى الترهيب والقمع مستفيدة من فائض القوة الذي تمتلكه وحدها، والذي مكّنها في مرحلة من المراحل من أن تضع يدها على الدولة بكل مقدراتها، وتجعل الشعب رهينة بين يديها تتغطى به أو تستخدمه أوراقاً لمصلحة المعركة التي يخوضها أولياء الأمر على أكثر من جبهة إقليمية ودولية.
الأقنعة التي تتلطى السلطة وراءها سقطت جميعها، وظهرت الحقيقة كما هي، للشعب الذي قرر المضي في الطريق مهما بلغت الصعوبات، ومهما استخدمت السلطة من أوراق، حتى النصر، وهو واثق من ذلك لأن التاريخ يشهد على أن إرادة الشعوب هي الأقوى، أما إرادة الحكام فهي الأضعف.
               وعليها، أي السلطة نفسها، أن لا تضيع الفرصة الأخيرة المتبقية وتبادر اليوم قبل الغد إلى وضع مطالب الانتفاضة أو الثورة على خط التنفيذ بتحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف من يُشكّل الحكومة الجديدة وصولاً إلى اجراء انتخابات نيابية مبكرة تأتي بالممثلين الحقيقيين وانتهاء بقيام سلطة قضائية مستقلة تماماً، تحاسب جميع الفاسدين والمفسدين بعد استعادة الأموال المنهوبة الكفيلة وحدها بسد الدين العام وإعادة التوازن إلى الميزان التجاري الذي وصل الى حدود إفلاس الدولة. وهنا لا بدّ من التوجه مباشرة بالسؤال لرئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور، لماذا لم يدع بعد إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل حكومة جديدة تحاكي مطالب الشعب الثائر؟ ألم يحن الوقت ليقدم على هذه الخطوة التي يُدرك جيداً أن لا مهرب منها ولا مفر مهما تعددت المناورات وافتعال الأسباب الواهية؟ ألم يسمع رئيس الجمهورية من كل الموفدين العرب والأجانب والفاتيكان والجامعة العربية، وهم يرددون عبارة واحدة: عجلوا في قيام حكومة تحاكي تطلعات وحاجات الشعب اللبناني قبل أن تسقط كل الأوراق من أيديكم ويكون لبنان وحده هو ضحية مناوراتكم وتذاكيكم وصم الآذان حتى لا تسمعوا ما يريده الشعب، وما يقوله فيكم. ويخطئ من يظن ولو للحظة واحدة أن هدف الطغمة الحاكمة من التمترس بالسلطة هو خدمة الشعب، والمحافظـة عليه، لا التسلط عليه لتجويعه وحرمانه من الحد الأدنى من حقوقه، وشتان بين السلطة والتسلط.