جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / شيطان التفاصيل!

شيطان التفاصيل!

نبيل هيثم:
         هل يطيح «شيطانُ التفاصيل» بكلّ المناخ الإيجابي الذي يغطي الملف الانتخابي هذه الأيام، ويعيد الأمور الى ما دون نقطة الصفر واضعاً البلد في دائرة احتمالات خطيرة أقربها دخول لبنان في محظور لا أحد يستطيع أن يقدّر عواقبه أو يرسم صورته بعد نهاية ولاية مجلس النواب في 20 حزيران؟
قد يبدو هذا السؤال معاكساً للمناخ السائد حالياً، ولكن ما فرض طرحه هو أنه بمجرد أن أُشيع مناخ التفاؤل بإمكان ولادة قانون انتخابي، أُدخِل هذا الموضوع برمته الى سوق البازار، تحت عنوان ظاهري «إصلاحات وضوابط».

وأما الهدف الأساس فهو غير مرئي يخفي في باطنه محاولة «قوى البازار» لتحقيق أكبر حجم من المكاسب والمقاعد في هذا القانون الجديد، بمفاعيل آنيّة ومستقبَلية تبدأ بنقل المقاعد، ولا تنتهي بصوت تفضيلي مذهبي.

في الأيام الأخيرة، حصل تقدّم رئاسي نحو النسبية، وبدأ الحديث على مستوى الرئاسات الثلاث بإمكانية الخروج الجدي من المأزق، والشرط الأساس هو السعي من مختلف المقامات وعلى وجه الخصوص المقامات الرئاسية الى الدفع بهذه الإيجابية الى الأمام، ومنعها من الاصطدام بما قد يطيح بها.

أهمية هذا التقدم الرئاسي نحو النسبية، أنه ينطوي في مكان ما على محاولة قطع طريق العودة الى قانون الستين التي لوّح بها رئيس الجمهورية ميشال عون، وتبعاً لذلك كان يُفترض بهذه الإيجابية أن تتقدّم أكثر، وتدخل في دائرة الحسم، خصوصاً أنّ الوقت صار كالمكبس الضاغط على كل التفاصيل الداخلية، ولكنها بدل أن تتقدّم، راوحت في الساعات الثماني والأربعين الماضية في دائرة «الضوابط والإصلاحات في القانون».

وهو ما دفع مراجع معيّنة الى القول صراحة.. المناخ إيجابي.. وهناك تقدّم فعلي، لكننا حذِرون.. نحن صرنا مثل «توما» نريد أن نلمس لتطمئنّ قلوبنا، ولن نقول «فول» قبل أن يصير بالمكيول».

يقال إنّ هذه المراوحة ناجمة من شعور فريق سياسي بأنه فوجِئ بالمسار الذي انحرف في اتجاه مختلف عن مسارٍ يرسمه هو للملف الانتخابي، وكذلك للبلد بعد 20 حزيران.

كان هذا الفريق يشعر أنه يضغط على كل الآخرين ويضعهم في الزاوية عبر دفع البلد نحو الفراغ الكبير بعد 20 حزيران، وكذلك عبر طرحه العودة الى قانون الستين وإجراء الانتخابات على أساسه خلال 90 يوماً من انتهاء الولاية، وبلا مجلس نواب. إلّا أنه فوجِئ بأنّ التقدّمَ نحو النسبية الكاملة في الدوائر الـ15 نقله الى موقع المضغوط عليه.

كان يُفترض بهذا الفريق أن يرفع شارة النصر لأنّ النسبية على أساس 15 دائرة هي طرحه. ولكن بدل ذلك صار قبوله بطرحه مشروطاً بما سمّاها «ضوابط وإصلاحات» في القانون، والتي ينظر اليها الخصوم على أنها ليست ضوابط أو إصلاحات بل هي كناية عن «جواكر» ضمنية للفوز بمقاعد من هنا وهناك وجلبها إلى بيت الطاعة لمصلحة فريق معيَّن.

حتى الآن لا تقدّمَ جدّياً، هناك توافق رئاسي على أنّ الدورة الاستثنائية لمجلس النواب ستُفتح مطلع حزيران المقبل، والرئيس نبيه بري، وربطاً بهذا التوافق حدّد موعداً لجلسة في 5 حزيران تترجم التوافق السياسي – إن حسم – بقانون جديد.

لكنّ المفاجأة أنّ هذا الفريق، بدأ يقارب خطوة بري وكأنه استبق صدورَ مرسوم فتح الدورة. واتّخذ من «فتح الدورة» سلاحاً ضاغطاً على الآخرين لفرض ضوابطه في القانون. وقال صراحة: «الرئيس ميشال عون لن يفتح دورة استثنائية لمجلس النواب قبل أن نتفق على القانون وضوابطه».

يبدو أنّ هناك تسرّعاً واستعجالاً لدى البعض في هذا الفريق في مقاربة ما يجري، ولا يقفون على حقيقة ما يجري على خط الاتصالات ولا على طبيعة الطروحات والأفكار. ولذلك تراهم يقاربون المسألة انطلاقاً من رغبات غير مبنيّة على وقائع، والأهم يأتون باجتهادات دستورية لا علاقة لها بالدستور.
يُؤخذ على هؤلاء المجتهدين أنهم يتسلّحون بأمرين:

– الأول، باعتقادهم أنّ كل الأطراف الأخرى محشورون وخائفون من الفراغ بعد 20 حزيران. ولكنّ هذا الاعتقاد، قد لا يكون سليماً، فما أدراهم أنّ الآخرين خائفون من هذا الفراغ؟ ألم يسمعوا تلك الأصوات التي قالت علناً «إنّ الفراغ سلاحٌ ذو حدَّين فإن حصل يعني سقط الهيكل على رؤوس الجميع.. وإذا أراد البعض أن يدمّر الهيكل ويلعب لعبة «شمشون» بالذهاب الى الفراغ فليكن».

ثمّ إنّ الدخول في الفراغ، كما يلوّح به، معناه، العودة الى انتخابات خلال 90 يوماً على أساس الستين، وهنا لا وجود لا لضوابط ولا إصلاحات، وهذا معناه أنّ هناك مَن أطاح بشعاراته كلها، وبكل الصيَغ التي طرحها، وبكل العناوين التي رفعها للمسيحيين عن سلامة وصحة التمثيل وعن المقاعد التي أراد تحريرها من الأماكن التي فرضتها «الوصاية السورية».

– الأمر الثاني، اعتبار أنّ مفتاح الدورة الاستثنائية للمجلس في يد الرئيس وحده، ولكن لا اجتهاد أمام النص، وتكفي عودةٌ الى نص المادة 33 من الدستور ليتبيّن أنّ هناك سبيلين لفتح الدورة الأول بمرسوم يصدر بالتوافق بين رئيسَي الجمهورية والحكومة.

والسبيل الثاني عبر الأكثرية المطلقة من النواب (65 نائباً) ورئيس الجمهورية وبحسب أحكام هذه المادة ملزم بالاستجابة الى النواب الـ65 وفتح الدورة حيث النص واضح ويستخدم لغة الإلزام: «على رئيس الجمهورية دعوة المجلس ( النيابي) الى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه». يبدو أنّ هؤلاء المجتهدين المتحمّسين لم يقاربوا هذه المادة التي تنزع من أيديهم هذا السلاح.

هناك مَن يحاول أن يفتح معركة جانبية عنوانها فتح الدورة الاستثنائية، في وقت ما زال البحث جارياً عن القانون، بالتوازي مع محاولاتٍ لطرد الشيطان من التفاصيل، وما دام دخان المشاورات رمادياً. فكل الاحتمالات واردة، بما فيها مبادرة رئيس الجمهورية الى فتح الدورة، أو تمنّعه عن ذلك.

وأيضاً بما فيها أن تطلب الاكثرية المطلقة من النواب فتح دورة بناءً على حقها المنصوص عليه بالمادة 33 دستور. ولكن ماذا لو قرّر الرئيس عدم الاستجابة للنواب؟