جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / في احتضار «الائتلاف الوطني» السوري
مجهول

في احتضار «الائتلاف الوطني» السوري

سميرة المسالمة :

هل ثمة ما يمكن فعله في لحظات الاحتضار؟! وكيف يمكن للأنفاس الأخيرة أن تمضي من دون استرجاع محطات الذكريات. يقول بعض العائدين من رحلات الموت: بصيص الأمل يبقى حتى لحظة الغياب الأسود. فهل هذا ينطبق على الكيانات المتعثرة والهشة للمعارضة السورية؟

قبل أسابيع قليلة قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية مايكل راتني، ناعياً بغير قصد ربما «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، أنه «لا يوجد تمثيل سياسي للمعارضة»، متناسياً أن دولته كانت ضمن المحتفين بقيام كيان «الائتلاف» كممثل شرعي للمعارضة وقوى الثورة، بعد أن تم إعلان نعي «المجلس الوطني» السوري بالطريقة ذاتها ولنفس المآل، من قبل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون (نهاية ٢٠١٢)، عندما قالت: «حان الوقت لتجاوز المجلس»، وذلك للترويج لقيام «الائتلاف» آنذاك، والذي نعاه راتني من الأردن (تموز- يوليو ٢٠١٧)، من دون أن يذكر كيف ولماذا لم يعد هناك تمثيل سياسي للثورة أو للمعارضة!

عندما تأسس «الائتلاف» (أواخر ٢٠١٢)، واعترفت به أكثر من مئة دولة إضافة إلى الأمم المتحدة، كمفاوض عن جهة المعارضة المواجهة لنظام الأسد، وتعاملت معه الجامعة العربية كممثل شرعي ووحيد للسوريين، بدا كل ذلك كافياً لمن تولى قيادته، كي يسير به من لحظة الاعتراف الدولي إلى المباركة الشعبية، من خلال ممارسة دوره كممثل سياسي بديل عن النظام السوري (الحكومة)، أو على الأقل أن يتعامل من مبدأ أن نظام الأسد لم يعد هو الممثل الوحيد للسوريين، وأن هذا الأمر يخول «الائتلاف» التحرك دولياً وشعبياً لإنتاج الهوية السورية الجديدة، التي يطمح إليها السوريون عبر ثورتهم، التي نادت بالحرية والكرامة والمواطنة المتساوية. بيد أن قرارات الإنشاء والتأسيس ليست هي فقط التي تبلور الدور المنوط بالائتلاف، فثمة عامل ذاتي للقائمين عليه، وثمة عوامل كثيرة أخرى دولية وإقليمية وعربية، وجميعها منفذها إلى ذلك العامل الأهم وهو الذاتي، الذي يحدد من خلاله مسار حراك هذا الكيان، وثوابته، وقدرته على بناء شعبيته بين من يدعي تمثيلهم.

يدرك جميع أعضاء «الائتلاف»، سواء الذين يصارعون اليوم سكرات الموت لكيانهم، أو الذين غادروه (وأنا منهم)، أن هذا الكيان الذي وجد- بقرار دولي وإقليمي وليس في سياق النضال الشعبي للسوريين- لتحقيق توازن ما سمي التمثيل بين أطياف المعارضة من جهة والنظام من جهة أخرى، أن ما هو مطلوب منهم شعبياً لم يكن بالكثير الذي يفوق طاقتهم، لكن انزياح «الائتلاف»- وذلك هو أحد أخطائه الذاتية- عن دوره في العمل السياسي والديبلوماسي، ومحاولته تنازع السلطة التنفيذية على أرض ليست له سلطة على من يحكمها (الفصائل المسلحة)، ودخوله في ملفات الإغاثة لإبعاد المؤسسات المعنية بذلك، مما خفف الحمل عن المؤسسة الدولية في ممارسة دورها الملزم بتأمين الغذاء والدواء والحماية للمدنيين، جعل منه طرفاً خصماً للكثير من السوريين، مع ما هو شائع عن فساد شاب ذلك العمل الإغاثي ومن ثم الحكومي قبل أن ينتقل إلى العمل السياسي.

وبحسب الواقعية في العمل السياسي، لم يكن مطلوباً من «الائتلاف» أن يواجه إرادة الدول التي أسست فصائلها المسلحة، تحت مسميات إيديولوجية إسلامية، ولأهداف ومقاصد لا تتقاطع مع أهداف ثورة السوريين، التي نادت بالحرية والدولة الديموقراطية، وإن صادف أن مسيرها في قتال النظام جنباً إلى جنب مع من دفعه النظام إلى حمل السلاح دفاعاً عن نفسه وأهل بيته وثورته، لكن ذلك لم يكن يعني تسليم «الائتلاف» بحقيقة عسكرة الثورة، وارتهانها لمموليها، وحرف خطاب الثورة إلى الزاوية التي أرادها النظام، ودفع إليها، وهو الخطاب الديني الطائفي، الذي أراد أن يواجه خطاب النظام والميليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانبه، فوقع في فخه.

يقع كل ما تقدم ضمن العامل الذاتي لـ «الائتلاف» المعني بصوغ المشروع الوطني الجامع والترويج له، بخطاب غير مرتهن لهذا الفصيل العسكري أو ذاك، ومن هنا كان يمكن فرز من يقاتل من أجل قيام سورية الدولة الديموقراطية، عن سورية الإمارة الإسلامية، والمشاريع غير الوطنية، وضمن هذا التصنيف، كان يمكن لكل السوريين، معارضين وموالين، أن يدركوا حجم الأخطار القادمة مع المشاريع الدينية الطائفية، بدءاً من مشروع «ولاية الفقيه» الذي تحمله ميليشيات «حزب الله»، إلى مشروع «الدولة الإسلامية»، وإمارات «النصرة» (الفرع السوري لـ «القاعدة»).

لكن مع غياب الرؤية وتعدد خطابات المعارضة، وابتعاد الكيان الممثل لها عن دوره في ترسيخ صلاته مع السوريين، وتأطير هذه الصلات ومأسستها والاستفادة من طاقاتها، في بث روح الحيوية والتجديد في «الائتلاف» وهيئاته، واعتبار «الائتلاف» من قبل من يقوده، أنه كيان مغلق توزع غنائمه- وهنا لا أقصد المالية فقط وإنما السياسية أيضاً- على من فيه، بعيداً من إدراك أخطار هذا الانغلاق، أدى إلى التخلي عن الدور السياسي، في الثبات على مشروع وطني سوري، يحقق إقامة دولة المواطنين الأحرار التي تكفل حقوق السوريين أفراداً وقوميات. هكذا فإن النعي الحقيقي لـ «الائتلاف» جاء داخلياً قبل أن يعبر عنه المبعوث الأميركي راتني بمقولته: «لا يوجد تمثيل سياسي للمعارضة»، حتى وإن كان راتني يعني في قوله ذاك، «الهيئة العليا للمفاوضات»، فإنه أصاب من غير أن يدري «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، برميته تلك من مبدأ: «رب رمية من غير رام»، فكيف إذا كان ذلك الرامي هدّافاً مثل راتني؟

على رغم كل ذلك، وطالما أن هناك فسحة من نفس يتصاعد، فإن غياب التمثيل السياسي للسوريين في هذا الوقت ليس في مصلحة الثورة، لأنه يعني عودة التمثيل الأوحد الذي يمثله النظام فقط، وفي ذلك مقدمة لانتصار «وهمي» تريد الإدارة الأميركية أن تقدمه لروسيا، في إطار المصالح المشتركة بينهما، والتي لا تتقاطع حتماً مع إرادة السوريين ولا مع مصالحهم.

 

 

* كاتبة وإعلامية سورية