جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / هرم دولة أو موت صيغة فمتى اليوم الكبير؟!
lebanon3_1_

هرم دولة أو موت صيغة فمتى اليوم الكبير؟!

              تخبّر أحصنة طوائف لبنان خُبار الأرض الدستورية (في إشارة إلى الدستور الرخو) مع مطلع كل صباح، سواء تعلق الأمر، بجلسة لمجلس الوزراء، أو اجتماع لمكتب المجلس، أو جلسة نيابية، وحتى استقبالات رئاسية في القصر الجمهوري «اللبناني»، حيث تتجمع في شخص رئيس الجمهورية (بصرف النظر عن قوته أو ضعفه، شعبيته أو نخبويته، متحده المدني أو العسكري) جملة تناقضات تشكّل ما يُمكن تسميته «بالعصبيات اللبنانية»، أيضاً بمعزل عن منشئها أو مصدرها أو أيّ شيء آخر.. والتي تندرج في نهاية المطاف، تحت مسمى «العهد»، قبل اتفاق الطائف وبعده..
في الخلفية، كل شيء خلافي، حتى جنس الملائكة.. ولعلَّ «الديمقراطية النيابية» البائسة واليائسة معاً، تضفي ظلالاً من الريبة واللاثقة، سواء كان الظل، كهرباء، أو نفايات، أو توظيفات، أو سطو على المشاعات والاملاك البحرية، وكل ما كان بالإمكان، اختلاسه، أو الانتفاع منه، أو ما كان بالإمكان تملكه، فإن لم يكن بالسيف، كان بغيره، وابتسامة صفراء، أو خضراء، أو هوجاء.. أو حمقاء، لكنها، بكل الأحوال كلها نكراء.
تنهي اليوم لجنة المال النيابية مناقشة الموازنة، وفارسها العوني الطامح إبراهيم كنعان، بإمكانه ان يصرّح في الليل والنهار بأن ما فعله، يدخل لأول مرّة الرقابة البرلمانية، إلى قلب «الفعل اللبناني»، بصرف النظر عن ميزانية علي حسن خليل، وحتى البنك الدولي بشخص ممثله فريد بلحاج، أو صندوق النقد الدولي، أو حتى تصنيفات «موديز» وبلومبرغ، وكل وكالات التصنيف الدولية.
تتحدث أحصنة الطوائف، أو ديوك المذاهب (مع بالغ الاعتذار من الأحصنة الحقيقية والديوك) عن بطولاتها، وانجازاتها، وهي، إذ تحاذر المضي بعيداً في الخلافات والابتزازات، تمتنع إلى حدّ التجبُّر في الإجابة عن هذا السؤال المحوري الأول: هل زيادة الدين العام، هو مأثرة من المآثر الوطنية والمالية في حياة الأمم والدول، وتحت أي عنوان يندرج السعي إلى تخفيض أعباء الدين العام؟ وهل حقيقة، حصل تقدُّم في ميزانية العام 2019، في ما خصَّ محاولة خليل قطع 660 مليون دولار من خدمة الدين عبر إصدار سندات خزينة بفائدة مخفضة بالتعاون مع القطاع المصرفي.. وهل تضخم القطاع المصرفي على حساب ديون الدولة اللبنانية، هو تأدية خدمة سيادية، أم إنهاك للدولة اللبنانية.
ومع هذا المسار الانحداري، الذي يفتك بجسد الدولة، التي لطالما تباهت بقطاعها المالي المصرفي، وبما كان يوصف «بالمعجزة اللبنانية» في ستينات القرن الماضي.. هل ثمة أزمة مالية لبنانية، من نوع توفير السيولة، وأسعار الصرف، مقبلة على البلد أو على القطاع المصرفي، وما حقيقتها، وكيف يُمكن الحد من تداعياتها السلبية لو وقعت..
مع المحاولة الجارية لتخفيض العجز في الميزانية من 11.5٪ إلى 7.6٪، عبر المسّ برواتب موظفي القطاع العام وأجورهم، وتباطؤ، إن لم نقل تراجع التحويلات من الخارج إلى المصارف اللبنانية، والحديث المتنامي عن معدل تضخم 3.48٪، برزت في المواجهة قوى نقابية، ومطلبية صاعدة، لم تكن في الحسبان.
تعتبر انتفاضة «المحاربين القدامى» أو الجند أو العسكر، واحدة من أخطر علامات التحولات، الداخلية، على المستوى اللبناني. والانتفاضة الآخذة بالاتساع، والتي ترفع شعارات مطلبية لم يسبق أن تطوعت قوة من اذرع السلطة أو ادواتها من اللجوء إليها.. لتعيد رسم الخارطة الحقيقية للتحولات الجارية، وليس فقط الخارطة الذهنية، لأفكار تطرد أفكاراً، ورؤى تتهاوى امام رؤى جديدة آخذة بالتلبور والظهور..
شعرت قوى السلطة، وأذرعها النقابية، داخل جسم الجامعة اللبنانية، سواء عبر «المكاتب التربوية» أو «التعبوية»، أو الشُعب والهيئات والوحدات، بارتياح شديد، وفي تزف «لتحالفاتها المأساوية» نبأ إنهاء إضراب اقترب من حدّ الـ50 يوماً، عُهِدَ إلى وزير التربية والتعليم العالي اكرم شهيب، بإيجاد المخرج الممكن لحفظ ماء وجه الأساتذة وإنقاذ امتحانات الطلاب، وحفظ هيبة السلطة، التي لا تتلقى شهادات حسن سلوك، سوى من المؤسسات الدولية السيادية، التي بامكانها وحدها ان تعلن ان سلوكيات وزارة المال، والحكومة ككل، تنال تقدير حسن أو جيد، وليس حركة الشارع، أو حناجر العسكريين، أو صيحات أصحاب الحقوق، ولا حتى لهب الحرائق، من على طرقات والاوتوسترادات الدولية..
ليست ظاهرة عادية ان يعلن عمداء متقاعدون في الجيش اللبناني، ومعهم ضباط ورتباء وجنود عن إطلاق حراك، ديمقراطي في الشارع، وسط تشخيص خطير لوضع البلد، والطبقات الطائفية الحاكمة، لم يجرؤ على وصفه أو طرحه، عتاة «اليسار السالف» أو منظروه، التي اطاحت بهم «الحتمية التاريخية»، بعدما انكشفت كذبة المسار «التاريخي الحتمي» للاجتماع البشري.
من تنظيم الصفوف، إلى الجرأة على التحرّك من أجل الحقوق المهددة، والمكتسبات التي اتخذت وضعيات قانونية وتشريعية، إلى الهجوم الكلامي على الطبقة السياسية، الحالية، والعزم على إعلان «اليوم الكبير» عبر محاصرة المجلس النيابي أيام مناقشات موازنة الـ2019 التي يتعين ان تنتهي قبل منتصف الشهر الجاري..
خطر على بالي، وأنا أتابع هذا التحوُّل الكبير ان اطرح سؤالاً إضافياً، لكنه محور ايضاً: هل ادرك الهرمُ الدولةَ اللبنانية، بمعنى آخر، هل ماتت الصيغة الكونفدرالية لمجتمع الطوائف المتعددة في لبنان؟
قد لا نكون، بحاجة إلى ما كتبه ابن خلدون (1332-1406م) حول طريق الخلل الذي يتطرق إلى الدولة: أي المال والجند..
فالطبقة السياسية التي تحاول ان تكبح جماح الأزمة المالية، والايحاء بأن إجراءات الموازنة التقشفية احتوتها، ضربها مسّ من الجنون… فجعلها «كعصف مأكول» (وفقاً للآية الكريمة). تحتمي بآخر حصونها، تنظيمات الطائفة لا أكثر ولا أقل..
والجند، أو الحامية، يعبّر في الشارع عن تمردُّ.. بانتظار أمر كان مفعولاً..
وقد لا تكون عملية «موت الشخص الهرم» تحتاج إلى إجراءات رئيس بلدية الحدث «العنصرية» حماية «للميثاق التعايشي»، أو مراعاة مبادئ العيش المشترك (لاحظ مثلاً منع السكن أو العيش معاً، يصبح عبئاً مشتركاً)..
وقد لا تكون البلاد، قادرة بعد على هضم تصريح هذا السياسي من الهواة أو ذاك السياسي من المحترفين… سواء تعلق «بالحلف التاريخي» الذي لا تنفصم عُراه بين المختارة، وبيت الوسط، أم «بالرئيس الذي له شعبية» أو بالتعيينات التي تتحوّل إلى انفراد لتيار باسيل السياسي، مسيحياً.. فالثابت، بعيداً عن روايات الكتب والحزب واللعب، ان «تحولاً ما» ينتظر بلد المعجزات، وبصرف النظر عن اليوم الكبير أو «الحقير»؟!
نقلا عن جريدة اللواء الاثنين 1 تموز 2019