جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / هل انتهت مفاعيل التفاهمات السابقة وعاد “زمن الحاجة إلى الاحتقان”؟

هل انتهت مفاعيل التفاهمات السابقة وعاد “زمن الحاجة إلى الاحتقان”؟

ابراهيم بيرم:

 

هل صارت الحالة السياسية في البلاد امام مرحلة احتمال العَود على بدء، اي النكوص الى مرحلة التأزيم والاحتقان، واستطرادا احتدام المواجهات وبروز جولات الصراع بين “حزب الله” من جهة و”تيار المستقبل” من جهة اخرى، وما يمكن ان يتداعى عن ذلك سياسيا وامنيا؟

السؤال فرض نفسه على بساط التداول والبحث في الايام والساعات القليلة الماضية، في اعقاب بروز سلسلة مناكفات ومواجهات بين الطرفين عينهما بقيت قياسا على ما سلف محدودة، لكنها استبطنت لدى البعض نذر العودة الى المربع الاول الذي القى بثقله نحو عقد من السنين على المشهد السياسي، لا بل جعله اسيره. وتجلت ذروة المناكفات والمواجهات تلك في جلسة مجلس النواب اول من امس. ولا ريب ان راصدي خط سير العلاقة بين الطرفين وجدوا في معطيات عدة برزت اخيرا ما يعزز مخاوف الخائفين ويرفع منسوب التوجس عند المتوجسين. ومن هذه المعطيات:
– اعادة الاعتبار الى دور الرئيس فؤاد السنيورة والنائب عقاب صقر كرأسَي حربة تاريخية جاهزة في مشاغلة الحزب ومنازلته بعد احتجاب طويل نسبيا عدّه البعض “تدبيراً موحى به” من زعامة “المستقبل” بغية تطويع المرحلة وتمهيد الاجواء لـ “المصالحة” او “التفاهم” الذي كان مخاضه الاتفاق الرئاسي الذي طوى مرحلة وفتح صفحة اخرى.
– “الرسالة الخماسية” الذائعة الصيت التي وجهت من خارج كل السياقات والحسابات الى قمة الاردن العربية وتوقيع اثنين من رموز “التيار الازرق” عليها، اي الرئيس السنيورة والرئيس تمام سلام، وما واكبها من كلام عن الرسالة التي هي اصلا من إعداد السنيورة واخراجه، وقد انجزت بعلم من الرئيس سعد الحريري نفسه.
– ان عودة التجاذب الى شيء من حدته السابقة المعهودة بين الطرفين هي في “التقريش” السياسي وفي النتائج والمترتبات، امر ليس بالعابر الذي يمكن ضرب الصفح عنه او تجاوزه، فهو لو تفاعل لأعاد الاحتقان الى المناخ السياسي كله، ولوضع المواطنين على اختلاف توجهاتهم في حال تهيب او توجس من الآتي لانهم يدركون انه في ظل مناخات مماثلة سابقا لم يكن الوضع في كل البلاد سليما معافى.
قبل ايام طغت في بعض الاعلام انباء عن التجاذب بين حركة “امل” و”التيار الازرق” على خلفية الخلاف على تعيينات ومناقلات امنية تواكبت مع مساع من بعض مَن في عين التينة الى بث مناخات فحواها ان الامور ذاهبة صوب المواجهة المفتوحة على نحو ينطوي على خطر هدد اركان التسوية التي نشأت قبل اشهر عدة، وكرست عودة استقرار نسبي أراح البلاد. لكن هذه المخاوف سرعان ما تبددت وهذه التوجسات ما لبثت ان توارت تلقائيا وتبين انها زوبعة في فنجان. غير ان مشهد السجال في مجلس النواب بين السنيورة والنائب نواف الموسوي، على محدوديته، بعث الروح في مخاوف كامنة وفتح ابواب التكهنات السوداوية وذكّر بمرحلة حالكة خال كثر انها تولت. ولم يعد خافيا ان ثمة من وضع المشهد “الاستعراضي” الذي نفذته مجموعة مقنعة قيل ان لها علاقة بالحزب في احد احياء برج البراجنة في الضاحية الجنوبية في خانة رد وقائي من الحزب على جملة تحديات ورسائل وصلت الى بريده كانت احداها ولا شك “الرسالة الخماسية” الى قمة عمان.
وعليه فان السؤال المطروح بالحاح والى اجل غير مسمى هو: هل من مصلحة الطرفين، او احدهما، احباط الذين خامرهم الاطمئنان ذات يوم في اعقاب التسوية الرئاسية وما اعقبها من تجربة شركة سياسية واعدة؟
من جهة الحزب، ثمة من يؤكد انه اكثر من مرتاح الى التطورات المتسارعة منذ الاتفاق الرئاسي الذي ملأ الفراغ الرئاسي في بعبدا من جهة، واوجدت حكومة جديدة اعادت الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة، ومن ثم عودة النقاش والسجال الى دائرة التباين السياسي الديموقراطي حول قضايا وملفات داخلية. لذا فهو ليس في وارد التحلل من هذا الجو واعادة الامور الى مربع الاحتقان والتوتر، لا بل انه في وارد العمل على ترسيخ اجواء الحوار والتفاهمات توصلاً الى قواسم مشتركة وتسويات حول قضايا ملحاحة وحيوية مثل قانون الانتخاب.
واكثر من ذلك، فان الحزب يعتبر انه قدم الكثير في اطار تعزيز مناخات التهدئة والحوار والتلاقي مع “التيار الازرق” وتجاوز كثيرا من “عقد” المرحلة الماضية، وابعد من ذلك ساهم في تعزيز فرص الانفتاح على الحزب التقدمي الاشتراكي، فضلاً عن انه ارسى اسس علاقة نمطية مع حزب “القوات اللبنانية” لم تصل الى حدود الانفتاح بعد لكنها قاربت حد التهدئة. وعليه فان الحزب سيظل مستمراً في المسار اياه وعلى هدي القناعة نفسها، وهو يبدي دوما حرصا على ألا يظهر بمظهر “الولي الخفي” على القرار السياسي في البلاد. وهو في هذا الاطار رد بالرفض على طلب وُجِّه اليه بوضع ثقله لفرض قانون انتخاب يخدم حساباته. وفي موازاة ذلك يتوقف الحزب مليا امام مسألة “اللغتين والخطابين” لـ “التيار الازرق” في الكلام الموجه اليه. لذا فهو في الوقت الذي يحافظ على ديمومة حوار عين التينة ويتلقى اكثر من اشارة خفية واحيانا جلية من جهة فريق الحريري فحواها انه هو حصرا الناطق بلسان التيار والمخوّل التعبير عنه، وان آراء “الحالات الاخرى” غير ملزمة اطلاقا وهي لها مشكلتها وحاجتها ملحة لاعلاء صوتها والعودة دوما الى مخزون المرحلة الماضية لاسباب تتصل بها وبتثبيت ذاتها، وهو ما يستدعي من الحزب عض الاصابع حين يستمع الى تلك الاصوات، الا انه في احيان كثيرة يستشعر لعبة توزيع ادوار لمناخات مأزومة يعصف بها التباين حيال مستقبل العلاقة معه والانفتاح عليه. قد يجد الحزب أعذارا لهذا الوضع، لكن الرؤية تختلف اذا ما صارت الامور”حالات يومية دائمة”، فساعتئذ للصبر حدود ولإعادة النظر ما يبررها.
وفي كل الاحوال، ما برح الحزب يرابط على مقولة ان التزام مناخات التهدئة وعدم الدفع في اتجاه العودة الى مناخات التوتير، مصلحة للجميع بمن فيهم الحريري، ولكن الامر يحتاج دوما الى ما يثبته ويعززه.