جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / إعتذار الحريري… إن حصل!
نبيل هيثم

إعتذار الحريري… إن حصل!

نبيل هيثم:
       قبل سفره الى باريس منتصف الاسبوع الماضي، أبلغ الرئيس المكلف سعد الحريري الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أنّ زيارته الى فرنسا قصيرة، وسيعود الى بيروت يوم السبت، أي قبل يومين، ولكن مرّ السبت، ولم يعد الحريري، ويقال إنه سيعود اليوم!

بالتأكيد «الغايب عذرو معو» على ما يقول المتفهّون لأسباب الرئيس الحريري وظروفه، خصوصاً انّ نشاطه الباريسي بَدا انه لم يخرج عن سياق «الجدية» التي عبّر عنها قبل سفره، بهدف توليد حكومته في مهلة أقصاها يوم غد الثلاثاء، علماً انّ الحكومة الضائعة منذ ايار الماضي، قد دخلت في االشهر التاسع من المراوحة والتعطيل.

السؤال الذي يطرح نفسه في موازاة المشاورات الباريسية للرئيس المكلف: هل انّ لحظة المخاض الفعلي للحكومة قد بدأت؟ وهل انّ «الحَمْل التعطيلي» للحكومة صار قريباً من مرحلة «الوضع»، وسيخلّف حكومة في شهره التاسع؟

في الداخل رصدٌ من كل الاتجاهات لحركة مشاورات الحريري وأي أمور توضع على الطاولة، وأي مقاربات تجري لفكفكة ألغام التعقيد، وتحت أيّ سقف يتم النقاش.

والثابت حتى الآن وسط هذه الصورة، هو ان لا أحد من الاطراف السياسية يُمسك بـ«طرف خيط»، ولو رفيع، يشجّعه على الانتقال من حال الترقّب والحذر الى مدار التفاؤل الجدي، بل العكس هو الصحيح، إذ ثمة من يجاهر بعجزه على فك هذا اللغز التعطيلي المتحكّم بالحكومة منذ أيار الماضي، كما بعجزه على تصديق انّ مشاورات الحريري المتجددة ستُنتج طحيناً.

وثمة، في الوقت نفسه، من يتندّر على ما يسمّيه «البحث العابر للقارات عن حكومة خلف المحيطات»، ويقول: «نحن أمام فصل من الفصول اللبنانية غير المفهومة؛ صرنا امام طبخة حكومية لبنانية بنكهة فرنسية، يجري إنضاجها بحوار ما وراء البحار، مع ذات الاشخاص وبذات الافكار والطروحات. وبالتالي، لم يتبدّل سوى المكان، فما الجدوى إذاً من السفر والابحار؟

حتى الذين تجاوبوا مع الرئيس المكلف في مسعاه، وباركوا له «هذه الهمّة العالية» التي أظهرها بداية الاسبوع الماضي، وتمنوا لتفاؤله ان يقترن بفعل ملموس قبل يوم الثلاثاء، بدأوا يتململون، ويثيرون علامات استفهام سلبية حول مغزى «المراوحة في اللاشيء». وهل يوجد في الامر «إنّ» تعتقل المخارج والحلول؟

والرئيس نبيه بري، الذي يَشهد أنه تبلّغَ، وبلّغ بتفاؤل الحريري، جعله عدم بروز أي مؤشرات إيجابية، يميل الى التخوّف على فرصة توليد الحكومة هذا الاسبوع من ان تضيع».

الواضح حتى الآن ان لا دخان لا ابيض ولا اسود ولا حتى رمادي حملته الرياح من باريس الى بيروت، لكنّ المثير في موازاة ذلك، وكذلك في ما استجد من «تفاؤل الحريري»، اقترانه بتعمّد «جهات مجهولة» الى إلقاء حجر كبير في البركة اللبنانية، بدحرجة كرة اعتذار الرئيس المكلف على المشهد الحكومي!

اللافت في هذا الامر، ان لا الرئيس الحريري نفى شخصياً هذا الخيار، ولا اوساطه ولا تيار «المستقبل»، علماً انّ مسألة الاعتذار لطالما كانت مستفزة لهذا الطرف في اوقات سابقة، الى حدّ ان مجرّد طرحها، وحتى لو كان هذا الطرح من باب الاحتمال الضعيف جدا، كان يُقابل باستنفار سياسي من قبل فريق الرئيس المكلف، ونفي قاطع مع التأكيد انّ الحريري ليس في هذا الوارد على الاطلاق، ولن يحقق ما يريده له خصومه.

في الصالونات السياسية، أحاديث تبرّر للحريري الاقدام على قرار كبير حتى ولو كان الاعتذار عن تشكيل الحكومة، إذ انّ الفشل في تشكيل الحكومة هذه المرة، لم يبق امامه سوى هذا السبيل لسلوكه، ذلك انّ السبل الاخرى مغلقة بالكامل، بحيث لا يمكن للحريري ان يسلّم بالاستمرار في حال التعطيل القائم، وإبقاء الامور على ما هي عليه منذ تكليفه حتى اليوم، وهو أمر له ثمنه الشديد السلبية على الحريري، سياسياً ومعنوياً.

فضلاً عن أنّ هذا الوضع المعطّل، دفعَ أحد كبار رؤساء الحكومات السابقين الى التعبير عن غضبه حيال ما سمّاه «تضييع الوقت والتعطيل والتطاول، الذي يمسّ بهيبة رئيس مجلس الوزراء».

كما انّ الحريري، وحتى ولو كانت رغبته شديدة بالذهاب الى خيار تفعيل حكومة تصريف الاعمال كبدل عن الحكومة الضائعة، لا يستطيع ان يذهب الى هذا الخيار لاصطدامه بالرفض القاطع من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على اعتبار انّ ذلك مُجاف لأحكام الدستور، فضلاً عن انه يشكّل نكسة كبرى لعهده، وتفريغاً فاضحاً لنتائج الانتخابات النيابية.

المبرّرون لأي خطوة يقدم عليها الحريري، حتى ولو كان اعتذاره عن تشكيل الحكومة، لا يرون فيها حدثاً مفاجئاً، أو هو الأول من نوعه، ذلك انّ خطوة الاعتذار سبقه اليها والده الرئيس الراحل رفيق الحريري في عهد الرئيس اميل لحود، فخرج من الحكومة وعاد اليها بقوة أكبر بعد نحو سنتين. والسؤال هنا: هل يذهب الحريري الى خيار الإعتذار إذا بلغت مشاوراته الحالية الحائط المسدود؟

مرجع سياسي يؤكد انه لم يصدر من الرئيس الحريري او من محيطه ما يؤشّر الى عزمه على قلب الطاولة بالاعتذار، حتى ولو فشلت جهوده الحالية. ويقول: «قد يكون الحريري راغباً في قلب الطاولة على من يزرع العبوات الناسفة في طريق حكومته، وقرار كهذا معناه قرار بالمواجهة. ولكن بما أعرفه عنه، لا أعتقد انه قد يذهب الى هذا الحد من التصعيد. والأسباب عديدة:

– أولاً، انّ واقع لبنان اليوم مختلف تماماً عمّا كان عليه في فترة الرئيس لحود، إذ انه في لحظة سياسية شديدة الحساسية، في ظل تركيبة سياسية وطائفية جعلت كل طائفة، مع كل حزب ينتمي اليها، تمترس خلف مكتسباتها، ومصالحها وصلاحياتها، وتُحاذر اي خطوة قد تؤدي الى المَس بالمكتسبات او تَأثّر المصالح واهتزاز الصلاحيات.

وبالتالي، أياً كانت اسباب الاعتذار ودوافعه، فإنه سيمثّل من دون ادنى شك حالة تصدّع في حضور الطائفة السنية داخل النظام، فضلاً عن انّ أحجام القوى السياسية السنية وغير السنية، لم تعد كما كانت عليه في ما سبق من فترات، فمن كان في الطليعة يوماً زعيماً لطائفته متحكّماً بها، تراجَع اليوم وصار له شركاء حقيقيون، وموقعه السياسي صار في الخلف او في الوسط او ما قبل ذلك، والعكس صحيح.

– ثانياً، كثيرون من خصوم الحريري او حتى من أصدقائه، ينتظرونه على كوع الاعتذار، فإن بادر الى هذه الخطوة، وكأنه يقدّم لهم ما يتمنّونه على طبق من ذهب.

– ثالثاً، من البديهي ان يكون الحريري مُدركاً لنقاط الضعف ونقاط القوة التي يملكها، ووجوده على رأس الحكومة واحدة من نقاط القوة، التي يندرج في سياقها امتلاكه الاكثرية النيابية السنية، وتمسّك الآخرين به لهذا الموقع، واعتذاره ليس معناه فقط انه يتخلى طوعاً عن أعز ما يملك، وعمّا يراهن عليه لإعادة النهوض سياسياً ومعنوياً.

وليس معناه فقط انه يقدّم اعلاناً صريحاً بهزيمته امام خصومه بشكل عام، وخصوصاً أولئك الذين ينادون بإنهاء زمن الحريرية السياسية. بل انّ هذا الاعتذار سيضيء على المزيد من نقاط الضعف غير المرئية، ما قد يزيد الامور انحداراً الى حد قد لا يعود في الامكان منع انزلاقها.

– رابعاً، انّ الاعتذار اذا حصل، سيدفع الى أسئلة كبيرة حول خلفيته، هل هي داخلية حكومية؟ هل ثمة قوى إقليمية او دولية أوحَت به؟ ولمَن يرمي كرة النار؟ وأي جدوى تُجنى منه ومن هزّ التوازن الهش القائم بين القوى السياسية؟

– خامساً، كل الاطراف من دون استثناء مسلّمة حالياً بالواقع الزعاماتي للحريري، وبموقعه على رأس الحكومة، واعتذاره سيحرر القوى السياسية المتمسّكة به شريكاً على رأس الحكومة، على اعتبار انه هو لا يريد، فتصبح لها حرية اختيار بديل. ومن الطبيعي هنا أن يهلّل خصوم الحريري بهذه الخطوة، ويصوّروا خطوته كتحدٍ لهم، وليس ما يمنعهم في هذه الحالة من أن يحوّلوا هذا التحدي الى فرصة ضده.

فكما انّ إعادة تكليفه تشكيل الحكومة ممكنة جداً على اعتبار انه يملك الاكثرية السنية في الانتخابات، فهذه العودة قد لا تكون ممكنة ابداً، إذ ليس في الامكان تقدير الظروف التي قد تنشأ، وتحدّد المسار المقبل، والذي قد تجري رياحه بما لا تشتهي السفن الحريرية.

– سادساً، الاعتذار إن حصل، وسواء أعيد تكليف الحريري او لم يتم ذلك، سيعيد خلط أوراق التأليف ويفتح البازار من نقطة الصفر، وبالتأكيد بصورة مختلفة ومعايير ومقاييس مختلفة وأحجام وزارية وحقائب مختلفة.