جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
عامر مشموشي

إنقلاب

د.عامر مشموشي:
                    رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور، تدل كل تصرفاته وممارساته، على انه انقلب عليه، فالدستور ألزم صراحة، وبكل وضوح لا لبس فيه، رئيس الجمهورية بالدعوة إلى إستشارات نيابية ملزمة يكلف بموجبها الرئيس الذي يُشكّل الحكومة التي تخلف الحكومة المستقيلة. صحيح ان الدستور لم يلزم رئيس الجمهورية بمهلة زمنية محددة للدعوة إلى الاستشارات، لكن الصحيح أيضاً ان العادة جرت منذ ان وضع اتفاق الطائف موضع التنفيذ بأن يدعو إلى هذه الاستشارات فور قبوله الاستقالة المقدمة من رئيس الحكومة، وذلك حرصاً من الرئيس على مبدأ انتظام عمل المؤسسات الدستورية على قاعدة تعاونها وتوازنها، ولم يحصل منذ أوائل التسعينيات ان تأخر رئيس الجمهورية في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة. هذا ما كان يحصل في الظروف العادية، فكيف بالاحرى في الظروف الاستثنائية كتلك التي يمر بها لبنان بعد الثورة الذي اعلنها الشعب على السلطة السياسية الحاكمة في البلاد. ألا يستدعي هذا الوضع الإسراع في اجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل حكومة جديدة، لتحول دون حصول أي فراغ في مؤسسات الدولة.
إن الحجة التي يتذرع بها رئيس الجمهورية لكي يبرر بها عدم توجيه الدعوة لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة إنما هي حجة واهية، بل وباطلة، لأنها مخالفة لأحكام الدستور ولوثيقة الوفاق الوطني التي صدرت عن اتفاق الطائف، بقدر ما تشكل انقلاباً موصوفاً على الاتفاق نفسه، بما يعيدنا أكثر من ثلاثين سنة إلى الوراء حيث رفض العماد ميشال عون من موقعه كرئيس للحكومة الانتقالية التي شكلها يومذاك الرئيس أمين الجميل لتجنب الوقوع في الفراغ هذا الاتفاق، وأصدر مرسوماً بحل المجلس النيابي الذي وافق عليه.
إن ما يمارسه رئيس الجمهورية اليوم علي هذا الصعيد إنما يُؤكّد انه لا يزال على رأيه الرافض الاعتراف باتفاق الطائف وبالدستور الذي صدر عنه، ولا تعدو الأسباب التي استخدمها لتبرير ما أقدم عليه من انقلاب موصوف على الدستور سوى امعان منه في هذا الانقلاب والعودة بالنظام إلى ما كان عليه قبل حصول اتفاق الطائف، أي إلى النظام الرئاسي حيث كان رئيس الجمهورية وفق دستور هذا النظام هو الذي يُسمّي الوزراء ويختار من بينهم رئيساً للحكومة العتيدة.
لقد مضت أكثر من ثلاثة أسابيع حتى الساعة ولم يدع رئيس الجمهورية إلى الاستشارات النيابية التي نص عليها اتفاق الطائف، والبلاد ترزح تحت نار ثورة الشعب المتأججة، وقد تعطلت كل شرايين الحياة فيها حتى صار المجتمع الدولي بكل أطيافه خائفاً على مصير هذا البلد النموذجي بعدما وصل إلى الإفلاس، ولم يحصل أي موقف صارم من أي من المكونات السياسية في البلاد ضد هذا الانقلاب الموصوف على اتفاق الطائف، حتى ان الفريق المعني مباشرة برئاسة الحكومة وصلاحياتها وبمبدأ تعاون وتوازن السلطات، ما زال يتحدث بخجل عن الخرق الحاصل، ولم يتخذ الموقف الذي يُعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، مما يترك انطباعاً عند غالبية الشعب اللبناني يشي بسقوط اتفاق الطائف ودستوره، والعودة إلى النظام الرئاسي القديم.