جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / فلسطين بين وعد بلفور وصفقة القرن
مجهول

فلسطين بين وعد بلفور وصفقة القرن

المحامي زكريا الغول:
              عند نهاية القرن التاسع عشر، كانت القوى الإستعمارية الأوروبية قد إستكملت عملها للسيطرة على قلب المنطقة العربية، فكانت عين المستعمر البريطاني على فلسطين، لما تمثله من إتصال حيوي بين مختلف مناطق الأراضي العربية التابعة للسلطنة العثمانية، خاصة لجهة وجودها على تخوم قناة السويس، كما لموقعها الإستراتيجي الفاصل بين البحرين الأحمر والأبيض.
وفي الوقت عينه كان اليهود في أوروبا يعيشون تراجع وظيفتهم التاريخية كوسطاء ماليين، ومردّ ذلك الى تشكيل بورجوازية أوروبية متحررة من القيود الدينية ناتجة عن الثورة الصناعية والتحول نحو الرأسمالية، فكان أن قامت المجتمعات الأوروبية وأنظمتها بالإشتباه بدور اليهود في أزمات أوروبا مما أدّى الى فقدان دورهم وأعمالهم في تجارة الذهب وممارسة الإحتكار إضافة للربا.
واللافت أنه في العام 1841، تشارلز تشرشل، شجّع رئيس المجلس اليهودي على تولّي اليهود أنفسهم إستعادة فلسطين بدعم القوى الأوروبية ممّا شكّل تماهيا بين المصالح الأوروبيّة الإستعمارية و المصالح الصهيونية.
بدأت عمليات إستكشاف فلسطين منذ العام 1865، تمهيدا لإستيطانها وذلك بتمويل من صندوق إستكشاف فلسطين، وإستتبعت بوصول وفود أميركية برئاسة القس أدامز في العام 1866، كما وصلت بعثة بريطانية برئاسة الجنرال تشارلز وارن في العام 1873، ممثّلة بالجمعية العلمية البريطانية لدراسة الموارد الطبيعية والثروة المائية في فلسطين، وفي العام 1878، أسّس القس وليم بلاكستون منظمة تدعى «البعثة العبرية من أجل إسرائيل»، التي تعتبر محرك اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
وفي ثمانينات القرن التاسع عشر، ظهر حاييم هرتزل، وطلب دعم قيصر ألمانيا وليام الثاني والسلطان عبد الحميد الثاني، لإقامة وطن قومي لليهود في محاولة لعلاج العداء ضد السامية كما يدّعي، فحصل على دعم القيصر الألماني، ورفض السلطان عبد الحميد الذي إعتبر فلسطين «وقفا إسلاميا»، وكان أن نظّم هرتزل أول مؤتمر صهيوني في بازل السويسرية، وذلك في العام 1897، والذي نصّ على هدف الصهيونية المتمثّل بإقامة وطن للشعب اليهودي، وفيه تمّ وضع الخطوط العامة للإستيلاء على فلسطين.
إقترحت الحكومة البريطانية في العام 1903، على المؤتمر الصهيوني تأسيس «بيت قومي لليهود» على حزام من الأرض على شاطئ المتوسط لشبه جزيرة سيناء، أو منطقة أوسع في أفريقيا الشرقة الإنكليزية، في أوغندا، ما لبث المؤتمر الصهيوني أن عقد مؤتمرا في العام 1904، لدراسة مقترحات بريطانية «لبيت» على جزيرة قبرص، والبارز أنه في العام 1919، قدّمت المنظمة الصهيونية الى مؤتمر باريس للسلام مذكرة تطلب بموجبها شمول كل الأراضي اللبنانية حتى نهر الليطاني.
خلال الحرب العالمية الأولى، كانت المنظمة الصهيونية تنشط في بريطانيا في محاولة لإنشاء كيان لها في فلسطين، وكانت بريطانيا وقتها في حاجة للتمويل وهي في عزّ الحرب، كما كانت بحاجة الى مادة الأسيتون من أجل صناعة المتفجرات، فكان أن إشترط وايزمان أن تقوم بريطانيا بفعل شيئ لأجل اليهود، فكان ذلك الوعد المشؤوم «وعد بلفور»، عبر رسالة وزير خارجية بريطانيا في 2 تشرين الثاني من العام 1917 الموجهة الى اللورد الصهيوني ليونيل روتشيلد، وكان سبب مآسي العرب في قادم أيامهم.
وفي حين كانت الحرب العالمية الأولى تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقّع كل من ماركس سايكس وجورج بيكو، إتفاقهم الشهير لتقاسم الأراضي العربية التابعة للسلطنة العثمانية، مع وضع فلسطين وحدها دون باقي الأراضي العربية، تحت إدارة دولية، في إشارة واضحة الى نية مبيتة لعزل فلسطين عن باقي الأراضي العربية، وبقي هذا الإتفاق غير معلن لحين قيام الثورة البولشفية في العام 1917، حيث قام البلاشفة بنشره، وقد أذاعته وزارة الخارجية البريطانية في 22 تشرين الثاني من العام 1917 بعد إنكشاف أمره وكان أن إتصل الشريف حسين بالإنكليز مستوضحا، فأتاه الجواب الإنكليزي عبر الدكتور هوجارت، مؤكدا بأن الإستيطان اليهودي في فلسطين لن يكون مسموحا به إلا بقدر ما يتفق ذلك مع حرية السكان العرب من الناحيتين السياسية والإقتصادية، ولكي يزيد الإنكليز في طمأنة الشريف حسين، إعترفوا به ملكا على الحجاز في 3 كانون الأول من العام 1917.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت تتمركز على أراضي فلسطين 3 كتائب يهودية تضم 5 ألاف فرد يشكلون 15% من الجيش البريطاني في فلسطين.
قامت الحركة الصيونية بتشكيل لجنة من إختصاصيين مهمتها البحث العلمي والجغرافي لجمع المعلومات اللازمة لإنشاء الوطن اليهودي، وفي خطاب لزعيم تلك الحركة حاييم وايزمان قال أنهم لا يطالبون بفلسطين فقط، بل يمتد طموحهم الى جنوب لبنان من أجل تحويل نهر الليطاني بالإضافة الى نهر اليرموك، لكن فرنسا رفضت الأمر لوقوع الليطاني ضمن الأراضي التي تقع تحت سلطة الإنتداب الفرنسي.
نشرت الحكومة البريطانية كتابا أبيض، أكّدت فيه ظاهريا، أنها لا تريد جعل فلسطين دولة يهودية، ولكن فقط تأسيس موئل وطني لليهود، دون أن يؤثر على المصالح العربية، وقد تأخر إقرار صك الإنتداب على فلسطين ليوضع قيد التنفيذ في 29 أيلول من العام 1923، وذلك بعد تسوية المشاكل الحدودية، كما فصل شرق الأردن بعد إعلانه إمارة مستقلة.
بدأت الهجرة اليهودية الى فلسطين تأخذ منحى خطير برعاية بريطانية، جراء التعرض للفلسطينيين، مما أجج الإحتقان والغضب، وأدّى الى حصول إشتباكات عنيفة في الخليل وبئر السبع وصفد، وقامت السلطات البريطانية بإرسال لجنة برئاسة السير والتر شو للتحقيق في الأمر، فخلصت الى وجود ظلم بحق العرب، وكان العام 1931 مفصليا حين شكل اليهود عصابات شتيرن والإرغون الإرهابيتين اللتين كونتا النواة الأولى للجيش الصهيوني.
في 20 نيسان من العام 1920، أعلن في فلسطين الإضراب العام، وكانت مطالب الفلسطينيين تتلخص بوقف الهجرة اليهودية الى فلسطين، ومنع إنتقال الأراضي العربية الى اليهود، وإنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي، وتتطور الأضراب الى ثورة شملت جميع أنحاء فلسطين، وإستمرت الثورة لثلاث سنوات، وقامت السلطات البريطانية بإعادة إحتلال كل قرى فلسطين، كما تم نفي قادة الثورة الى الخارج، في حين لجأ أمين الحسيني الى بيروت.
أرسلت الحكومة البريطانية لجنة ملكية في العام 1937 برئاسة اللورد بيل، وقدمت تقريرها، وإقترحت تقسيم فلسطين الى دولتين مستقلتين، وفي العام 1947 خلال دورة فوق العادة للأمم المتحدة، كان قرار تقسيم فلسطين، وقد إنسحب المندوبون العرب حين إعلان النتيجة وأعلنوا رفض خطة التقسيم، ورفض الصهاينة بدورهم التقسيم مطالبين بكل أرض فلسطين.
في بداية العام 1948، عاد عبد القادر الحسيني الى فلسطين، لتنظيم المقاومة ضد قرار التقسيم، وشكّل جيش الإنقاذ، وفي نفس العام وقبل ساعات من إنتهاء الإنتداب الفرنسي، أعلن ديفيد بن غوريون إستقلال دولة الإحتلال الصهيوني، وذلك في 14 ايار من العام 1948، بعد لعبة محبوكة مع البريطانيين ومشاركة الدول الكبرى، فكانت النكبة.
واليوم، بعد مائة وثلاثة أعوام من وعد بلفور المشؤوم، وما تخلل تلك الفترة الطويلة من تحولات، ظهر إلينا وعد آخر على شكل صفقة، صفقة ووعد على حساب الأرض العربية وشعوبها وقدسها وقبلتها، فهل سيكون الرد على خلاف الرد على الوعد الأول المشؤوم؟، أم سنكتفي بالرد على وسائل التواصل الإجتماعي؟.
ختاما، مهما عقدت من صفقات، ستبقى فلسطين «وقفا» غير قابل للمفاوضة.
                     *ماجستير في التاريخ