جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / لبنان عبَرَ “القطوع” العربي فماذا عن الداخل؟

لبنان عبَرَ “القطوع” العربي فماذا عن الداخل؟

روزانا بو منصف:

مع تخطي لبنان الرسمي ما اعتبره استحقاقا كان مترتبا عليه خوضه في القمة العربية واستنتاج مسؤوليه انه تخطاه بنجاح في ظل عدم عودة الظلال التي شابت علاقاته مع الدول الخليجية في وقت سابق، فإن تحديا كبيرا يواجه مسؤوليه في المرحلة المقبلة. والواقع أن تخطي قطوع استعادة التضامن العربي مع لبنان يتصل في جانب كبير واساسي منه بوجود انشغالات أكبر بكثير، تبدأ من اليمن ولا تنتهي في ليبيا والسودان والعراق وسوريا وفلسطين، بحيث لم يكن يحتاج أركان القمة الى همّ إضافي عبر اثارة اي اشكالية مع لبنان. وهذا التحدي يتمثل في واقع ضرورة العمل بقوة من اجل التذكير بلبنان في كل المحافل وعلى جميع الصعد، إن في مجلس الامن او اي محافل دولية اخرى، انطلاقا من أن هناك مسائل أكثر أهمية بكثير من لبنان، ولا اهتمام حقيقيا او فعليا به. ويمكن ان يكون هذا الواقع اكثر تعبيرا من المرحلة السابقة حين كان يقول المسؤولون اللبنانيون بوجوب الذهاب الى انجاز الانتخابات الرئاسية في الاتفاق بين اللبنانيين وحدهم، لأن أحدا لا يهتمّ بلبنان باستثناء استمرار الاستقرار الأمني. وهذا المنطق يجد صداه أكثر في المرحلة الراهنة، خصوصا مع انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة، حيث غابت الملفات السياسية المثيرة لانقسامات لافتة او يمكن ان يتنبه لها الخارج، إذ إن لبنان لا يثير في الواقع أي اهتمام يذكر لا في الشرق ولا في الغرب ولا في اي مكان. وعلى رغم إدراك الخارج لثقل الملف المتعلق بـ”حزب الله”، إن في شأن مشاركته في سوريا او نفوذه المتعاظم في الواقع اللبناني على كل الصعد، فإن المبدأ الذي يتم التعامل من خلاله مع لبنان يستند الى الافتراض الواقعي أن هناك مؤسسات استعادت عملها وأن اللبنانيين مسؤولون في هذه المرحلة وعليهم معالجة كل الأمور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بحيث يمكن أن يتلقوا مساعدة من الخارج، إذ إن هناك إرادة لمساعدة الحكومة على صعد عدة، ولكن يجب الرهان على مساعدات كبيرة او على اهتمام مؤثر او فاعل. فحتى لو ان لبنان سيشارك في مؤتمر بروكسل الاسبوع المقبل من اجل ان يتقدم بما يتحمله من اثقال نتيجة الوجود الكبير للاجئين السوريين على اراضيه، فإن امام هذا المؤتمر مسائل شائكة كبيرة اكثر اهمية تحتاج الى اموال طائلة، بحيث ان رفع مستوى الآمال بالحجم الكبير من المساعدات التي يريدها لبنان لن يتحقق. لذلك فإنه مع تسوية لبنان اشكاليات وضعه حاليا مع الدول العربية وفق ما يؤكد المسؤولون، في انتظار ان يترجم ذلك نتائج فعلية، ينتظر في المرحلة المقبلة على الاقل تبلور جملة أمور تثير علامات استفهام وشكوك لدى اللبنانيين كما لدى المهتمين بلبنان على السواء، من بينها: هل سيكون هناك أي مقدار للواقعية او للدقة في مكافحة الفساد، انطلاقا من ان هذا العيب قد لا يؤثر ربما على تقديم المساعدات للبنان في الوقت الراهن، إنما نسبة الفساد مهمة بالنسبة الى المجتمع الدولي وتقويم البنك الدولي والمؤسسات الدولية الاخرى، وهذا مضر جدا لجهة الثقة بقدرة لبنان على النهوض في حال استمر الفساد في ظل شكوك كبيرة في وقفه على رغم بعض النيات الطيبة؟ ويتعين الاشارة في هذا المجال الى المقدار الهائل من الاستغراب الذي أثاره على سبيل المثال اقرار خطة للكهرباء باستقدام بواخر اضافية وفترة طويلة لسنوات لعودة تأمين التيار في شكل كامل، انطلاقا من ان خططا من هذا النوع تساهم في تيئيس المهتمين بلبنان. وتاليا، هل سيكون هناك أي مقدار للشفافية في مقاربة موضوع قانون الانتخاب انطلاقا من ان كل ما جرى في شأنه ويستمر حتى الآن هو وجود لجنة من خارج المجلس ومن خارج الحكومة تعمل على قانون انتخابي يضمن النتائج سلفا قبل الاتفاق على النظام الذي سيكون عليه، في حين يظل مستغربا عدم اهتمام لجنة برلمانية بموضوع قانون الانتخاب او لجنة منبثقة من الحكومة انطلاقا من ان التخبط الذي يواجه الافرقاء السياسيين وتوجهاتهم يرسم صورة قاتمة او غير مشجعة عن طبيعة الانتخابات التي يريدونها ان تقر على انها كذلك، في الوقت الذي لن تكونه؟ وهذا ما يترك انعكاسات سلبية، علما ان قيمين على بعثات ديبلوماسية في لبنان لا يخفون رغبتهم في أن تنجح الحكومة وان ينجح البرنامج الذي تعمل عليه. ويقول هؤلاء ان ثمة ارادة لا تزال قائمة على الصعيد الديبلوماسي من اجل العمل بقوة في ما يمكن ان يساعد الحكومة الحالية كما الحكومة المقبلة على الارجح، لجهة تعزيز كل العناصر الايجابية، من دون ان تخفي المصادر المعنية خشيتها من سيناريو سيئ للبنان في حال عدم نجاحه. الكل يحاول ان يساعد بمقدار امكاناته قبل مؤتمر بروكسل وبعده، حيث يرغب البعض في الخارج في أن يكون ايجابيا ازاء لبنان قدر المستطاع، لأن مؤسسات الدولة تعمل مجددا إنما على قاعدة ان يساعد لبنان نفسه عبر ادائه الرسمي وإلا عبر كسر المجتمع المدني الصمت ازاء الكثير من الشوائب الحاصلة من أجل تصحيح الاتجاهات، كما فعل بالنسبة الى الصرخة التي رفعت في موضوع الضرائب، وان لم تأخذ مداها. لكن هل سينجح ذلك؟ واذا لم ينجح فما هو البديل؟ وهذان سؤالان يطرحان بقوة في ضوء شكوك في مسارات تبدو مقلقة في مؤشرات كثيرة وفق متابعة المراقبين المعنيين.

rosana.boumonsef@annahar.com.lb