جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / هل ما يبرّر التهويل بالليرة واليوم بالعقوبات عند كل استحقاق لحاكمية مصرف لبنان؟
سابين عويس

هل ما يبرّر التهويل بالليرة واليوم بالعقوبات عند كل استحقاق لحاكمية مصرف لبنان؟

سابين عويس:

منذ أن أطل الحاكم رياض سلامة اعلامياً في الاسبوع الاول من السنة الجارية، ليطمئن الى أن الليرة بخير، وان الوضع النقدي سيبقى مستقرا “ما دمت موجودا، ولكن لا اعرف ماذا سيحصل لاحقاً”، كشف الجانب الذي يقلقه في هذه المسألة، والذي تفاوتت التفسيرات في شأنه بين من رأى انه قلق على الليرة، ومن رأى فيه قلقا على مستقبله. والسبب ان الحاكم فتح في حديثه هذا، الباب على تأويلات أعقبت من جهة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، مما أسقط حظوظ انتخابه رئيسا، وسبقت، من جهة أخرى موعد انتهاء ولايته في تموز المقبل، والتي تردد كلام كثير عن عدم رغبة رئيس الجمهورية في تجديدها مرة رابعة، في ظل توجه العهد الجديد الى الإتيان بوجوه جديدة، والى اجراء تعديل في السياسات النقدية التي قادها رياض سلامة ولو بقرار من السلطة السياسية، وبغطاء كامل منها.

أرخى قلق الحاكم، بقطع النظر عن أي من السببين الكامنين وراءه، قلقا مماثلا في الاوساط المالية والمصرفية، التي اعتادت العمل والتعاون والتنسيق مع رأس السلطة النقدية على مدى أكثر من عقدين.
وكان لافتا تزامن كلام سلامة مع تهويل بانهيار العملة الوطنية إذا خرج الحاكم من حاكميته.
لم يمرّ شهران على احتواء التهويل الذي تسبب بحالة من الخوف في الأسواق، خشية أن تصحّ توقعات الحاكم، إذا غادر الحاكمية، وأن تصدق نية رئيس الجمهورية تعيين حاكم جديد، ولا سيما أن هذه النية ترافقت مع تسريب ٣ أسماء مرشحة لتولي المنصب بعد سلامة، حتى بدأت حالة تهويل من نوع آخر، لا تقل خطورة وحساسية عن التهويل بالعملة الوطنية، وتتصل هذه المرة بتحريك ملف العقوبات الأميركية المرتقبة على خلفية التغيير الذي شهدته الإدارة الأميركية بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وتقدم كل من السيناتور روبيو ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس بمشروعي قانونين جديدين يشددان العقوبات على “حزب الله”.
وخطورة إثارة مسألة العقوبات، أنها لم تميز بين من ستصيب في لبنان. إذ جرى تداولها في الاعلام على انها ستصيب القطاع المصرفي اللبناني. والواقع ليس كذلك، وهذا ما يؤكده السفير اللبناني السابق في واشنطن أنطوان شديد لـ”النهار”. إذ إن العقوبات الآتية ليست إلا استكمالا للسياسة الأميركية الثابتة في هذا الشأن، وما يجري حاليا هو مناقشة قانونين مكملين للقانون السابق الذي يفرض عقوبات على “حزب الله”، وجديدهما أنهما يوسعان دائرة المستهدفين، لتطال ليس فقط العناصر الحزبية وإنما كل شخص معنوي له ارتباط بالحزب. اما الكلام عن استهداف لعناصر من حركة “أمل”، فنفته مصادر مطلعة، كاشفة ان العقوبات محصورة بالحزب المصنف على لائحة الارهاب. ومعلوم أنه كان جرى الحديث سابقا عن امكان ان تطال العقوبات رواتب وزراء الحزب ونوابه او رؤساء وأعضاء البلديات والادارات العامة المنتمية او القريبة من الحزب.
ويوسع القانون المرتقب دائرة المعايير المعتمدة ليتناول اي معلومة يمكن الركون اليها من المصادر المتاحة. وهذا يعني عمليا قطع كل الشرايين العسكرية والمدنية التي يمكن ان يتنفس منها الحزب، والأهمّ بيئته الحاضنة، لأن القانون المرتقب وسع دائرة استهدافاته لتطال بيئة “حزب الله” تحديدا والبيئة الشيعية بشكل عام.
وإذا كان لبعض المجهولين أجندة خاصة تهدف الى الضغط لإنجاز التجديد لسلامة، فإن مخاطر التهويل تكمن في انها تلامس ملفا حساسا وخطيرا يرتبط بفئة واسعة من اللبنانيين الذي ستطالهم العقوبات، اذا صدر القانون كما يجري الإعداد له، وهو ما يستدعي في هذه الحالة استنفارا سياسيا عالي الدرجة لأن معالجة الموضوع لا تقتصر على السلطة النقدية او المالية، بل تتطلب قرارا على مستوى السلطة السياسية. والوقت لا يزال متاحا للتحرك باعتبار ان مشروعي القانون لا يزالان قيد البحث، ولا معلومات عن امكان صدورهما قبل شهر في أقل تقدير.
وعليه، يطرح السؤال عن جدوى التهويل الحاصل في ظل ظروف سياسية داخلية غير مؤاتية، وشهية مفتوحة على حاكمية المصرف المركزي، علما أن القرار السياسي بالتجديد للحاكم قد اتخذ ولم يعد إلا مسألة وقت.
لا شك في أن المعلومات الواردة الى السلطات اللبنانية، النقدية منها والسياسية عن مشروع العقوبات الجديدة، مؤكدة ومثبتة، وهي ترد الى المسؤولين اللبنانيين تباعا، ولكن من خارج القنوات الرسمية، بما أن المشروع لم تتم المصادقة عليه ولم يبرم ليدخل حيز التنفيذ.
وداخليا، لا يبدو الإفصاح عن محضر اللقاء الشهري للحاكم مع جمعية المصارف بريئاً، على ما تقول مصادر مصرفية مطلعة، خصوصا أنه وضع المصارف في الواجهة، في حين أنها غير معنية ما لم يصدر القانون لتطلع على آليات تطبيقه. وبدا كأنه يرمي الى إبراز أهمية وجود الحاكم سلامة في منصبه لمواجهة مخاطر القانون، وقيادة أي مفاوضات مطلوبة لتخفيف حدته، والدعوة الى بت مسألة التجديد للحاكم قبل انتهاء ولايته، من أجل عدم إضعاف موقعه التفاوضي مع اعضاء الكونغرس خلال درس العقوبات ومع الادارة بعد صدوره، وتعزيز قدرته على التحرك بهامش أوسع عندما يكون وجوده في الحاكمية مضمونا لفترة طويلة وليس لأشهر فقط، لئلا يضعف اهتمام هذه الادارة به اذا كان مغادرا بعد اشهر قليلة!
الاكيد ان حملة التهويل بالليرة وبالعقوبات قد فعلت فعلها، وهذا مشهد يتكرر عند كل استحقاق للحاكمية، فقد شهدته البلاد في ربيع ١٩٩٩ عندما جدد لسلامه للمرة الاولى، وفي ٢٠٠٥ عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم في ٢٠١١ مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وفي كل مرة من المرات الثلاث كان يتم التجديد لسلامة قبل اشهر من انتهاء ولايته وعلى وقع مناخ مالي مأزوم.
لكن المهم اليوم إقفال هذا الملف والتركيز على الجهود المطلوب بذلها لتجنيب لبنان تداعيات الدفعة الجديدة من العقوبات الآتية لا محالة. أما مسألة التجديد، فهي بدورها قد انتهت، وينتظر ان تبت خلال مهلة أسبوعين على ابعد تقدير، لكي يتسنى للحاكم ان يطلق تحرك السلطة النقدية.